كتبَ سليمان صالح: التصوير السينمائي للتاريخ.. كيف تُستخدم السينما للتأثير على الرأي العام؟

2022.05.11 - 09:00
Facebook Share
طباعة

 وفر التاريخ مجالا واسعا لصناعة إنتاج المضمون التي كانت السينما من أهم وسائل تقديمه للجماهير. لكن السينما لا تلتزم بالدراسة العلمية للتاريخ، فهي تقوم بتصنيع الوقائع التاريخية وتفسيرها والتلاعب بها طبقا لأهداف شركات الإنتاج السينمائي، لذلك يمكن التوصل إلى نتيجة مهمة هي أن القرن الماضي قد شهد قراءة سينمائية للتاريخ اختلطت فيها الحقائق بالدعاية.

تقوم الأفلام السينمائية على الصورة التي لعبت دورا مهما في تشكيل الثقافة، وساهمت في تأطير المعرفة التاريخية للجمهور. رغم أن شركات السينما الغربية كانت جزءا من صناعة التسلية، فإن هناك الكثير من الأدلة العلمية على أن الهدف لم يكن مجرد التسلية في الكثير من أفلام هوليود، بل إنها استخدمت للتأثير في إدراك الناس للأحداث التاريخية، حيث قامت بتفسير هذه الأحداث من منظور يخدم مصالح أيديولوجية، ويحقق أهدافا دعائية، حتى وإن كان يتم تقديم هذه الأحداث بأساليب مشوقة ومثيرة تهدف لجذب الجماهير، ويتم تصويرها على أنها تحقق أهدافا تجارية.

ويتم استخدام الكثير من الأساليب غير المباشرة في تحقيق الأهداف الدعائية، من أهمها التركيز على بعض الأحداث، وإبراز شخصيات معينة، وتقديم أفكار للتأثير على إدراك المتلقين ووعيهم بالتاريخ.

فقد أوضحت دراسة قام بها 3 من الباحثين الباكستانيين، هم نورين عبيدة ونزار شبانة ومصطفى نايير، أن هوليود اعتمدت على المدرسة الاستشراقية في تصوير الإسلام، وأنها قدمت المسلمين في صورة زائفة تقوم على أنهم برابرة غير مثقفين، يميلون إلى العنف.

واستخدمت هوليود التاريخ لخلق دعاية ضد الإسلام، وبناء صورة نمطية مشوهة للمسلمين. قدمت هوليود الكثير من الأفلام عن تاريخ الحروب الصليبية، وتاريخ الاستعمار الأوروبي، وفي هذه الأفلام صورت المسلمين أنهم في حالة حرب دائمة مع المسيحية والغرب، وبذلك حافظت السينما الغربية على أهم مرتكزات الخطاب الصليبي الغربي منذ عهد البابا أوربان الثاني.

من أهم الأفكار التي قدمتها أفلام هوليود تمجيد الاستعمار وتبريره، وأن بريطانيا وفرنسا كانتا تواجهان البرابرة خلال القرون الثلاثة السابقة، كما تجاهلت المذابح التي ارتكبتها الجيوش الاستعمارية في أفريقيا وآسيا، وساهمت السينما في تشكيل حالة العداء في العقلية الغربية ضد المسلمين.

ورغم انتهاء المرحلة الاستعمارية الأوروبية لتحل محلها السيطرة الأميركية، فإن السينما الغربية ظلت تمجد الاستعمار، وتظهر الجيوش الاستعمارية الأوروبية على أنها تقوم بعمليات بطولية، وظلت تحافظ على الصورة النمطية التي شكلها المستشرقون للإسلام والمسلمين.

ولقد أوضحت دراسة جاك شاهين التي حلل فيها مضمون أكثر من 100 فيلم، أن هوليود تتعامل بعداء مع العرب والمسلمين، وأنها تصورهم بشكل سلبي. لذلك كانت هوليود فاعلاً في تشكيل ظاهرة الإسلاموفوبيا عن طريق إساءة تقديم التاريخ الإسلامي بهدف تخويف الغربيين من الإسلام.

كما أوضحت دراسة أجراها جويل أن هناك علاقة بين تصوير هوليود للإسلام ومشاعر الأميركيين المعادي للإسلام، حيث أوضح استطلاع أجراه معهد غالوب أن 40% من الأميركيين يعتبرون أن المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة يشكلون خطرا، وأن 25% من الأميركيين يرفضون وجود مسلم بجوارهم.

ويرى إدوارد سعيد أن تصوير هوليود المتحيز ضد المسلمين يؤدي إلى تزايد الكراهية والعداء ضدهم في الولايات المتحدة.

ولقد أدت أحداث 11 سبتمبر إلى زيادة تحيز هوليود ضد العرب والمسلمين، فعملت على نشر الخوف في نفوس الأميركيين من الإسلام، حيث تم إنتاج الكثير من الأفلام التي تصور العرب كأشرار وإرهابيين، وذلك بهدف دفع الأميركيين لتأييد العدوان على أفغانستان والعراق.

اعتمدت السينما الأميركية بعد 11 سبتمبر على صيغة تقوم على تصوير الأميركي بأنه البطل الطيب الذي يواجه العربي الشرير، وهذه الصيغة تحقق هدفين، هما بناء صورة إيجابية للشخصية الأميركية، وبناء صورة نمطية سلبية للشخصية العربية، وأن الصراع حتمي بين الشخصيتين، فالعربي الشرير يكره الغربي لأنه رائع ومبدع وبطل ومتقدم.

وهنا يمكن أن نلاحظ تطورا مهما في عملية التقديم السينمائي للشخصية العربية بعد 11 سبتمبر، فقبل ذلك كانت السينما الأميركية تركز على سمات التخلف والجهل وعدم التحضر والسفه في إنفاق الأموال، وهي سمات تثير الاحتقار، لكن بعد 11 سبتمبر أصبحت السينما تركز على السمات التي تثير خوف الغربيين مثل العنف والإرهاب والشر.

هذا يوضح أن الأفلام لا يتم صناعتها بغرض التسلية أو الإبداع الفني فقط، لكن هوليود تعمل بشكل مستمر لتحقيق أهداف سياسية وأيديولوجية ودعائية.

والسؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا: هل هناك علاقة بين إنتاج هوليود لأفلام تركز على عملية التخويف من العرب والمسلمين من ناحية ونظرية صدام الحضارات لصمويل هنتنغنتون من ناحية أخرى؟ وما حدود العلاقة بين شركات الإنتاج السينمائي والسياسة الأميركية؟

هناك الكثير من الأدلة على أن نظرية صدام الحضارات أثرت في السياسة الأميركية وساهمت في تشكيل أهدافها ووسائلها، لكن كيف أثرت هذه النظرية على الإنتاج السينمائي الأميركي؟

توضح نورا علاوي في تحليلها لمضمون الأفلام الأميركية التي تم إنتاجها عقب أحداث 11 سبتمبر أن هذه الأفلام تدفع للعداء والصدام وإثارة الخوف والكراهية في نفوس الغربيين، وأن هوليود قللت من السمات التي تثير الاحتقار والسخرية من العرب والمسلمين في مقابل تصوير العربي والمسلم بسمات تثير الخوف والعداء والكراهية، وتقديمه سينمائيا بأنه قاتل يقوم بتفجير نفسه في عدد كبير من الناس.

 استخدمت السينما التاريخ لتأجيج مشاعر الكراهية والعداء والرغبة في الانتقام، وذلك عن طريق انتقاء بعض الأحداث التاريخية والتركيز عليها وتزييف التاريخ

لكن مع ذلك ظلت بعض السمات التقليدية التي ركزت عليها هوليود منذ الحرب العالمية الثانية مثل الثراء وإنفاق الأموال ببذخ، لكنها أدخلت سمات جديدة ترتبط بالإرهاب مثل استخدام أموالهم في تمويل العمليات الإرهابية والتفجيرات وشراء الأسلحة، بدلا من إنفاقها على النساء في أفلام ما بعد 11 سبتمبر.

يوضح إدوارد سعيد أن الكثير من الأفلام الأميركية تنتهي بإنقاذ الفقراء من الأعمال العدوانية التي يقوم بها الثري المسلم، ومن الواضح أن هذه الرسالة هدفها إثارة مشاعر الفقراء في أميركا وأوروبا، وهذه الرسالة واضحة في فيلم "المملكة" (2007) الذي أخرجه بيتر بيرغ، ومثل فيه عدد كبير من نجوم هوليود مثل جيمي فوكس وكريس كوبر وجنيفر غارنر.

كما ارتبطت تلك الرسالة بتصوير بطولة الأميركيين، وإبداعهم في مواجهة الإرهابيين، وهذا يعبر عن حالة الاستكبار الأميركي، ويشكل امتدادا لعملية تمجيد الاستعمار.

إن دراسة الصور النمطية التي شكلتها السينما الغربية للعرب والمسلمين، والصور الذهنية الإيجابية التي شكلتها للغربيين توضح أن العقلية الغربية تم تهيئتها للصدام، وأن الغربيين تم شحنهم عاطفيا، وإثارتهم لتقبل أي عدوان ضد العرب والمسلمين.

وكان تاريخ الحروب الصليبية من أهم فترات التاريخ التي تم تزييفها، وانتقاء بعض الوقائع والأحداث، والتركيز عليها مع إخفاء الكثير من الحقائق التي يمكن أن تثير إعجاب الغربيين بالحضارة الإسلامية، أو تساهم في تشكيل صورة إيجابية للإسلام.

لذلك فإن القراءة السينمائية للتاريخ، واستخدام ثقافة الصورة في تشكيل إدراك الغربيين ووعيهم تمهد لصدام حتمي، ذلك أن الغربيين يستمدون ثقافتهم من السينما والتلفزيون، فلا يوجد لديهم ما يكفي من وقت لقراءة التاريخ، أو البحث في مصادره، كما أن الباحثين في مجال التاريخ ينتجون أبحاثا لا تجذب الجمهور لقراءتها، ويقوم كتاب السيناريو بانتقاء بعض الأحداث من هذه الأبحاث، وتحويلها إلى قصص جذابة ومثيرة بعد شحنها بالرسائل الدعائية التي تحقق أهدافا أيديولوجية، من أهمها تغذية مشاعر التفوق والعنصرية والاستكبار عند الغربيين.

لكن المشكلة أن المسلمين لم يتمكنوا حتى الآن من استخدام السينما والدراما التلفزيونية في رواية قصتهم للعالم، أو حتى لأنفسهم، رغم أنهم يمتلكون تاريخا يمكن أن يشكل أساسا لبناء صناعة مضمون إعلامي ومعرفي.

إن التاريخ الإسلامي يمكن أن يصبح مصدرا لقوة الأمة عندما تتم قراءته وكتابته وتحويله إلى أساس لتطوير صناعة المضمون الإعلامي والثقافي.

إننا نعيش في عالم تتم فيه الحروب باستخدام الصور الذهنية الإيجابية للذات، والصور النمطية السلبية للعدو، وفي هذه الحروب يتم استخدام شركات إنتاج المضمون التي تمد السينما والتلفزيون بالقصص التي تجذب الجمهور، ويتم فيها تحويل التاريخ إلى قصص مصورة تحمل الرسائل السريعة التي يفهمها الجمهور، وتشكل وعيه وإدراكه، لكن متى يمكن أن يبني المسلمون صناعتهم الإعلامية والاتصالية التي تروي قصتهم؟

 

 المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 5