بحت أصواتنا كصيادلة أصحاب ضمير؛ ننادي زملاء المهنة بعدم تشغيل دخلائها، وعدم الاعتماد عليهم في صرف الدواء والتحكم في جرعاته، وتنحيتهم تمامًا من مشهد مواجهة الجمهور؛ نادينا واستنكرنا الاستهتار بالأرواح، فالمهنة مهنة التعامل مع الروح الإنسانية! وبخطأ قد يبدو بسيطًا من وجهة نظر فاعله تُزهَق روح مريض؛ ولا يخفى علينا تلك المأساة التي طالعناها والتي راح ضحيتها مريض بالقلب لمجرد أن تم صرف له دواء الـ(lanoxin) بجرعة خاطئة تسببت له في تسمم من مادة الديچوكسين، ومن قبلها وفاة طفل جراء ضرب حقنة مضاد حيوي (cefatriaxone) دون اختبار حساسية، ودون علم ووعي مِن مَن يقف -خلف الكاونتر- لصرف الدواء...
كما تنفسنا الصعداء بتشديد العقوبات المقررة فى حالات أخرى من بينها، كل من يجلب أو ينتج، بقصد الاتجار أو البيع، أيا من الأدوية أو المستحضرات الطبية أو الحيوية، أو المستلزمات الطبية، أو مستحضرات التجميل التى لم يصدر قرار من رئيس مجلس إدارة هيئة الدواء، باستعمالها أو بتداولها ومصادرة الأدوية أو المستحضرات الطبية أو الحيوية، أو المستلزمات الطبية، أو مستحضرات التجميل، موضوع المخالفة، والأدوات التي ارتكبت بها عند مخالفة أحكام مواد القانون.
ولم يسهُ القانون عن معاقبة كل من أعلن بإحدى الوسائل الإعلامية عن أى من الأدوية أو المستحضرات الطبية أو الحيوية، أو المستلزمات الطبية، أو مستحضرات التجميل، غير المرخص بها من هيئة الدواء المصرى.
نأتي للمعضلة الأهم والأكبر؛ لم تُقصِّر الحكومة وفَعلت القانون ومواده من أجل خدمة المواطن وقبله أصحاب المهنة من الصيادلة، فلماذا يخرب أسسها الصيادلة أنفسهم بحجج واهية؟! أكثرها حجة علو أجر الصيادلة -رغم أن أجر الصيدلي واحد ومتعارف على قيمة ساعة عمله في كل محافظات مصر- لكن أغلب أصحاب الصيدليات؛ وخاصة من يمتلك أكثر من منشأة يعزون تعيين الدخلاء (من حملة الليسانس والدبلومات والفنيين) إلى أن أجورهم أقل من حاملي بكالوريوس الصيدلة، دون إعمال الضمير في تحدٍ سافر للنقابة ومن قبلها للقانون، ودون تقدير لحجم كارثة وجود شخص غير صيدلى يزاول مهنة الصيدلة، ودون تحمل وزر تعطيل فرص العمل؛ حيث لا توجد فرص عمل لخريجى كليات الصيدلة، وبغض الطرف عن جريمة تعيين أى شخص غير صيدلى للتعامل مع الجمهور؛ فهو غير مؤهل للتعامل مع المرضى وتحديد الجرعات، ولا يفهم من قريب أو بعيد الفرق بين الأدوية، إلى جانب أن دخلاء مهنة الصيدلة يضرون بشكل كبير بالمهنة وسمعتها؛ لأن عمل خريجى الدبلومات والتخصصات من خارج كلية الصيدلة جعل المواطنين يتعاملون مع الصيدلية على أنها مجرد سوبر ماركت.
إن قانون مزاولة مهنة الصيدلة ليس المشكلة الوحيدة التى تمر بها المهنة فى الفترة الأخيرة، ولكنها المشكلة الأكبر، وتتبارى في الخطورة معها تجارة الأدوية عبر الإنترنت ومواقع السوشيال ميديا التي أصبحت سلمًا خلفيًا لتجارة الأدوية الصالحة وغير الصالحة، وسط تجاهل لشرط تسجيل الدواء في وزارة الصحة المصرية وهيئة الدواء، إلى جانب أن يكون هذا الدواء تتم الرقابة عليه من أول ما يكون مادة خام حتى وصوله للصيدلة، والشرط الأول أن يتم تخزين تلك الأدوية فى المخازن والصيدليات الحاصلة على الترخيص، بعيدًا عن الأماكن المشبوهة وغير الصالحة لتخزين أو استخدام تلك الأدوية، أما الشرط الثالث وأهم شرط والذى نعانى بصورة كبيرة منه بسبب فقدان ذلك الشرط؛ وهو ألا يقوم بصرف الدواء للمريض إلا صيدلى، بعيدًا عن الفئات الأخرى التى تعمل فى الصيدليات فى الوقت الحالي.
الصيدلى المتخاذل منعدم المسئولية الذى يسمح للدخيل بانتحال صفته على مسمع ومرأى من صاحب العمل؛ آن أوان أن يفكر ألف مرة قبل أن يأتي بشخص غير صيدلى ليعمل معه، إلى جانب أن تلك العقوبة ستجعل أى شخص غير صيدلى يفكر كثيرًا فى أن يعمل بتلك المهنة! فالعقوبة ثقيلة ومشتركة على الصيدلي صاحب الصيدلية والدخيل.
ونتمنى إصلاح تلك المنظومة بيد أصحابها؛ كي تتوافر جميع دعائم رقي المنظومة الصحية في مصر الجديدة.
المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط