كتبَ مهدي مصطفى: بعد أن يصمت الموت في أوكرانيا

2022.04.21 - 09:10
Facebook Share
طباعة

 بين لحظة وأخرى، ستصبح الحرب الأوكرانية – الروسية حربا منسية، يتلاشى الاهتمام الإعلامى بها مع الوقت، وتقريبا هو تلاشى الآن بالفعل، وهو أمر طبيعى مع الحروب التى تبدأ صاخبة، مدمرة، ثم تتحول مع مرور الوقت إلى حرب استنزاف لأطرافها المباشرين وغير المباشرين، اعتمادا على أن الوقت وحده كفيل بحل المعضلة.

بعد شهرين كاملين من اندلاع الحرب فى الرابع والعشرين من فبراير الماضي، وفرض العقوبات، والحصار، وطرد الشركات، والدبلوماسيين، وصخب العداء للهويات واللغة والثقافة، والعرق، بدأت وسائل الإعلام فى الانصراف، وذهبت بعيدا إلى تسليط الأضواء على قضايا أخرى، أو بدأ الملل يتسلل إلى الرأى العام، فانصرف إلى شئون أخرى.

كان الرأى العام يخشى اندلاع حرب عالمية ثالثة تحت ظلال الأسلحة النووية، ويخشى صدام القوى العظمى فى معركة تنتهى معها الحياة على كوكب الأرض.

وهذا لم يحدث، فيبدو أن العالم لا يزال يتمتع ببعض الرشد، فتراجع عن تصاعد الصدام، وبدأ يتكيف مع وجود نيران مشتعلة فى مكان محدود، ومع انسحاب القوات الروسية من محيط العاصمة الأوكرانية كييف ومدن أخرى، وتمركزها فى شرق أوكرانيا، ثم استقبال كييف لزعماء غربيين، وأبرزهم رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، يرمز إلى أن سياسة الباب المفتوح، بين روسيا وبين المعسكر الغربى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ستصل إلى حل للمعضلة التى نشبت لأهداف لدى جميع الأطراف.

 معضلة أوكرانيا تؤكد أن المجتمع الدولي، برغم حربين عالميتين عظميين، وعدة حروب صغيرة، لا يزال يعانى من وفرة فى مفكرى الحروب، ولولا بعض العقلانية، المسكوت عنها لدى هذا الطرف أو ذاك، لوجد البشر أنفسهم فى جحيم معركة يوم القيامة.

 لكن حتى يكون لدينا مجتمع دولى حقيقي، وليس تعبيرا مجازيا يرد على ألسنة الخبراء والمحللين، يجب أن تفهم جميع القوى العالمية أن الحضارات متعددة، وأن البشر ألوان، وأن الألسنة مختلفة، وأن الأعراق جميعا على قدم المساواة، وهذا ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة، ونص أيضا على حماية الشعوب لأنفسها، وحماية أمنها القومي، وبالتالى لا يجوز أن تجور أى قوة على أى شعب، بذريعة توحيد البشر تحت أى راية من رايات الأمم الكبرى.

هناك أنظمة دولية، وليس نظاما واحدا، وهناك مجتمعات دولية، وليس مجتمعا دوليا واحدا، والواحد الصحيح الوحيد، هو أن البشر جميعا ولدوا أحرارا متساوين فى الولادة والموت، والتفرقة الوحيدة تفرقة تقنية، وليست إنسانية، فالغرب بلا شك هو صاحب الثورات الصناعية الكبرى، لكنه فى نفس الوقت كان صاحب فكرة الغزو والاجتياح، وتنميط البشر بالقوة، وصاحب نظرية مالتوس لتقليص السكان، وصاحب اليد العليا فى إنشاء وهدم الدول، ويشهد القرن العشرون على هذا، ولا يزال القرن الحادى والعشرون يمشى على الطريق نفسه.

والشاهد أن السنوات العشر الماضية كانت ذروة التدخل الناعم والخشن، عبر جسر ما أطلقوا عليه الربيع العربي، وكانت دائرة شرق آسيا، ومنطقة الأوراسي، ومنطقة القوقاز، ضمن دائرة هذه اللعبة الفوضوية القاتلة.

ومن سوء حظ المخططين، فإن هذه القوى مصادفة كانت قوى نووية، ولديها فائض من مخازن بشرية واقتصادية.

 إن مأساة أوكرانيا لديها جانب آخر مفيد، فبعد أن يصمت الموت، ستتوقف فكرة الثورات الفوضوية، لكنها ستترك وراءها تصدعا هائلا فيما يسمى المجتمع الدولي، على الأرجح فى الجانب الاقتصادي، والدبلوماسي، وسيعاد تشكيل المجتمع الدولي، فى إطار متعدد المجتمعات، مع وجود منظمة أممية، أفضل من منظمة الأمم المتحدة، وأكثر نشاطا من المنظمات المنبثقة عنها، فاستغلال هذه المنظمات من القوى الغربية المتنفذة. جعلها عرجاء فى تطبيق القانون الدولي.

 الحكمة السيارة تقول “إن الضربة التى لا تميتنى تقويني” والضربة التى تلقيناها فى دول الإقليم العربى منذ 2011 إلى الآن، لم تقتلنا، بل أعطتنا الدافع، لنحاول أن نكون أقوياء، وشركاء فى لحظة ولادة نظام المجتمعات المتعدد.

نفس الضربة تلقاها الجميع، من روسيا إلى أمريكا إلى أوروبا فى المحطة الأوكرانية، وهذا أمر سيجعل المجتمعات أكثر حصافة، بدلا من محاولة فرض الأفكار والثقافات والمعتقدات بالقوة، وأهم ما فى الدرس الأوكرانى – الروسى هو أن التنظيمات الإرهابية انكشفت، وأنها محض بندقية للإيجار، فعلى الأراضى الأوكرانية تقاتل هذه التنظيمات لصالح الطرفين معا.

 إن سخرية التاريخ لا تتوقف عند حد، لكنها مفيدة أحيانا..

 

 المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 8