كتبَ حسين خيري: حتى لا تغيب شمس القلوب

2022.04.19 - 08:40
Facebook Share
طباعة

 ماذا أنت فاعل إذا غابت الشمس لعدة ساعات أو لساعة وليست لبضع ثواني كما يحدث في الكسوف؟ إذن لا مفر من الاستسلام، ولكن قد تطرأ عليك تغيرات ضارة، وتعتريك حالة من الاكتئاب، وقد تفقد كائنات حياتها، وعند بزوغ النور مرة ثانية، يدب فيك الأمل، وتستشعر مولد يوم جديد يملأه التفاؤل بنور يملأ القلوب، ويقطع سرمدية الظلام.


 والتعيس من يرضخ بالعيش بعيدًا عن النور، والأسوأ حالة من يحجب قلبه عن استقباله نور الله، وهو لا يضاهيه أي نور، وحتى يقرب المولى عز وجل إلينا وصف نوره، قال تعالى: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".

 واختص بفضل نوره لمن يشاء من عباده، ويقول إمامنا الشيخ متولي الشعراوي- رحمه الله – في تفسير "لا شرقية ولا غربية": أن نوره تعالى يشرق على الشرق والغرب، أما إذا قلنا يظهر شرقًا، يعني أنه يظلم غربًا، وأن نوره يطرأ عليه الظلمة، ومثل الله في كتابه ليس المقصد منه تنوير السموات والأرض، وإنما نوره تعالى شيء آخر، يتعدى التصور الذهني، والمثل هنا للتقريب إلى العقل البشري.

 وحسب ذكرنا السابق أن رب العزة يطوع قلوبًا لاستقبال نوره، ووقتها لا يخبو ولا ينقطع أبدًا عن الشروق، وحين يصبح الإنسان حائرًا، تتبدد حيرته بمجرد اتصاله بالخالق، ويقول ربنا هنا: "وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ".

 وحين تشرد بعيدًا عن نوره، تصير عرضة للتخبط في ظلمات تهلك القلوب والأبدان، وتعصف بالحياة والأمان، ويوضح لنا هذا في كتابه الكريم: "أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا".

 وشرط استقبال القلوب نور الرحمن هو تهذيب النفس والتزامها بضوابط وأحكام الدستور الإلهي وسنة نبيه، وبذلك يتم تطهير وتزكية الإنسان، ومن ثم يرتفع إلى آفاق نور لا مثيل له، ولذا بدأت سورة النور والاهتمام بالأخلاق، ووضعت قوانين تحمي الأسرة والمجتمع من الانحراف والتفكك.

 وتهدف سورة النور بشكل أساسي إلى تربية الضمائر، ويعقبها يقظة العقل حتى لا تنزلق قدماه إلى طريق الضلال، و تتجلى أثاره الإيجابية في عموم مناحي الحياة، وينعم فيها بحياة سوية، وهذا على النقيض من أفكار بعض الفلاسفة والمفكرين، اهتموا بتنوير العقل بالمعارف وأهملوا تزكية النفس، ومن جانب آخر اهتم عدد من الصوفيين بشحذ النفس بالذكر، ونّحوا جانبًا الاهتمام بدور العقل.

 والمنهجان انحرفوا عن تحقيق التربية الصحيحة لصفاء النفوس لكي تهتدي بالتفكير الصائب، ولذلك لابد من بناء متكامل يقوم على النفس والعقل، ويستمدا وقودهما من نور الوحي المنبعث من نور الحق، الذي لا يتبدد ولا يتغير تحت أي ظرف، وترى الغرب وبعض أهل الشرق فقدوا البوصلة نحو الهدف الحقيقي من الحياة، ووقعوا في المتاهة.

 وذهب مفسرون إلى وصف نور الله في القرآن الكريم بالتشبيه بنور قلب المؤمن، والمشكاة هي التجويف في الصدر، والقلب الزجاجة المضيئة، وما يتزود به الإنسان من القرآن والسنة، يعد المداد لنوره كشجرة الزيتون أو مداد شجرة الوحي والنبوة.

 

 المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 3