كتب المهدي مبروك: هل هي خريطة طريق موازية في تونس؟

2022.03.28 - 07:34
Facebook Share
طباعة

 مع إعلان رئيس مجلس النواب التونسي (المجمد)، راشد الغنوشي، دعوة مكتب مجلس النواب إلى النظر "في جدول أعمال مجلس النواب في الفترة القادمة" يبدو أنّ فصلاً جديداً من فصول الصراع السياسي المفتوح قد بدت أطواره، خصوصاً أنّ نحو 25 نائباً مقرّبين من بقايا حزب نداء تونس قد أصدروا بياناً قبل ذلك بيوم، داعين البرلمان إلى عقد اجتماع طارئ، من أجل وضع حد للانحراف الخطير الذي سلكه الرئيس قيس سعيّد، حسب وثيقتهم. وتوحي كلّ المؤشرات أنّ ثمّة شيئاً ما بصدد التبلور باتجاه مبادرةٍ قد تضع حداً لاستفراد سعيّد بالسلطة واحتكاره رسم مصير البلاد.


لم يتأخّر رد الرئيس على دعوة الغنوشي تلك، فقد صرّح بعد ساعات، حين التقى رئيس الحكومة نجلاء بودن، بأسلوبه المعتاد الذي لا يخلو من سخرية واستفزاز، أنّ "اجتماع النواب سيكون في الفضاء". لا يفرّط الرئيس في أي مبادرة قادمة من خصومه، حتى يرد عليها بهذا الأسلوب، وهو الذي رد على دعوة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، إلى خريطة طريق، بالدعوة إلى البحث عن هذه الخريطة في كتب الجغرافيا.


وجاءت دعوة راشد الغنوشي إلى انعقاد مكتب مجلس النواب أياماً بعد صدور نتائج الاستشارة الوطنية التي بلغت نسبة المشاركة فيها نحو 4%، ما أعطى انطباعاً لدى كثيرين أنّ الثقة التي منحت للرئيس، وبقطع النظر عن نسبتها غداة يوم 25 يوليو/ تموز الماضي تتآكل بسرعة، وأنّ الحشد الشعبي الذي يستعرض عضلاته على الشبكات الافتراضية لا وجود له حقيقة، إذ لم يشارك في الاستشارة سوى 500 ألف مواطن تونسي، أقبلوا على المشاركة فيها، تحت هرسلةٍ لم يسلم منها حتى أطفال المدارس، أين سخّرت إمكانات الدولة.


كما بدت الإضرابات المتتالية التي شنّتها نقابات الاتحاد العام التونسي للشغل في أكثر القطاعات الحيوية مؤشّرا على هذا السخط المتنامي لدى فئاتٍ نقابية واجتماعية واسعة من انهيار المقدرة الشرائية وتدنّي المرافق والخدمات التي زادها اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بلة. ولعلّ مواقف الأمين العام الطبوبي، سواء من مواقف الرئيس سعيّد في ما يتعلق بالمسألة السياسة أو المحادثات التي انطلقت بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، توحي أنّ الاتحاد لن يدخل بيت الطاعة باليسر الذي توقعه الرئيس. 


يشهد المناخ السياسي والاجتماعي في تونس احتقاناً. مع ذلك، لا أحد قادرا، إلى اللحظة، على استثماره من أجل وقف الزحف الذي يقوده سعيّد، حتى نسف تراثاً سياسياً ومؤسساتياً عريقاً. يمضي في ترسيخ مشروعه الهلامي، غير عابئ بكلّ المؤشرات الخطيرة التي ترسلها لوحات القيادة المتعدّدة، بل يبدو أنّ له قدرة على قراءة الأشياء قراءة غريبة، فقد أصرّ، أخيراً، على أنّ الاستشارة الشعبية قد نجحت، وأنّ البلاد استطاعت أن تعبر كلّ الأزمات بنجاح.


في هذا المناخ، اختار راشد الغنوشي أن يدعو مجلس النواب الى الانعقاد، والمتوقع أن يكون هذا الاجتماع، إن جرى، حدثاً في حد ذاته، خصوصاً أنّه خطوة أولى من أجل استعادة برلمان "مجمّد"، وقد يكون ذلك بداية اشتباك سياسي وقانوني مع مؤسسة الرئاسة، ووضع حد لاستفراد الرئيس بالسلطة، وجمعه السلطات الثلاث تقريبا في قبضته. ويبدو أنّ أحزاباً وشخصيات مدنية عديدة بصدد جمع شتاتها بعد أكثر من ثمانية أشهر، فيها من أيد الانقلاب منذ ليلته الأولى، وفيها من سانده، غير أنّ تطورات الأحداث لاحقاً أثبتت أنّ حسن ظنهم بالرئيس، أو صمتهم على ما قام به، لم يكن في محله. لذلك تجري حالياً مشاوراتٌ كثيرة من أجل استعادة المبادرة، ووضع حد لهذا الزحف المتواصل الذي يجرف فيه الرئيس كلّ ما اعترضه أمامه، أفكارا ومؤسسات وتقاليد سياسية. يجمعها الرئيس في سلة واحدة... إنّها سلة "العشرية السوداء" التي يستخدمها إعلام مضلّل لإيجاد مشروعية لعهد "الحركة التصحيحية".


لن تنجح دعوة الغنوشي إلى انعقاد مكتب مجلس النواب، وما قد يتلوها من خطوات من أجل استعادة المجلس سلطته المغتصبة، ما لم يجر العمل على إيجاد جبهة وطنية سياسية عريضة، من أجل التصدّي للانقلاب. آنذاك، سيكون ممكنا أن ينعقد لاحقا مجلس النواب، ولو بشكل افتراضي، حتى يقر سلسلة من الإجراءات الفورية التي من شأنها إيجاد معادلة جديدة تستطيع أن تشتبك مع الرئيس، من أجل إنتاج شرعية ثنائية، وإجباره على التراجع والحوار مع شركاء لا يرى فيهم سوى خونة وأشرار في أحسن الحالات. سيكون كلّ هذا مشروطاً بتجديد وجوهٍ غدت غير مقبولة، فضلاً عن خطاب وممارسات سياسية تحتاج إلى التجديد.


عودة البرلمان التونسي إن جرت ستكون لمدة محدودة جداً، ومن أجل مهام دقيقة قد تذهب إلى إنتاج خريطة طريق موازٍ، حتى لا يستفرد الرئيس بهندسة مصير البلاد، الذاهبة قريباً، حسب أجندته إلى استفتاء ودستور وانتخابات تعيد إنتاج إرادة سعيّد التي هي إرادة الشعب حسب إصراره. ومع ذلك، علينا أن ننتظر صدور ضربات استباقية لقطع الطريق على هذه الدعوة، حتى لا تذهب بعيداً.

 المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 7