كيف يمكن للحرب النووية أن تغير مناخ الأرض إلى الأبد؟

2022.03.22 - 02:15
Facebook Share
طباعة

بينما يُلوِّح الروس باستخدام القوة النووية، وتُوضع الصواريخ الباليستية في عدد من دول العالم على أهبة الاستعداد، ربما علينا أن نضع في اعتبارنا أنه حتى مجرد التلميح بإمكانية استخدام النووي، وإن كان ذلك احتمالا ضعيفا، هو كارثة لا يمكن أن تتصوَّر -كمواطن عادي في دولة عربية مثلا- حجم أثرها، هذا التقرير من "ذي أتلانتيك" يُقدِّم لك جانبا من هذا الأثر، يتعلَّق بالتغيُّر الذي سيطول مناخ الأرض كله، بما في ذلك دولنا العربية، حال نشوب حرب نووية بين روسيا والناتو أو في أي مكان آخر في العالم.

عندما نتحدَّث عن أسباب تغيُّر المناخ، فإن أول الأسباب التي تطرأ على بالنا هو النفط والغاز والفحم والسيارات، أي كل ما يخص سياسة الطاقة بوجه عام، ويرجع ذلك إلى أسباب وجيهة، منها على سبيل المثال أن حرق الوقود الحفري يؤدي إلى انبعاث ثاني أكسيد الكربون الذي يخترق الغلاف الجوي مُسبِّبا ارتفاعا في درجة الحرارة، فكلما زادت كمية حرقنا للوقود الحفري، تَغيَّر المناخ للأسوأ. قبل عامين فقط، تبنَّت إدارة ترامب السابقة في أميركا سياسة مريعة في محاولة لإضعاف معايير البلاد في ترشيد استهلاك الوقود، ولو نجحت هذه السياسة لأدَّت إلى زيادة استهلاك النفط لعقود قادمة وتسبَّبت في خلق بيئة مناخية غير مؤهَّلة للعيش فيها. لكن الطاقة ليست المجال الوحيد الذي يمكن أن يُحدِّد ما إذا كان لدينا مناخ صالح للحياة أم لا، بل تلعب السياسة الخارجية -وبالأخص الحرب النووية- دورا مُرعبا في ذلك.

منذ أن غزت روسيا أوكرانيا قبل عدة أسابيع، أصبح هذا التهديد أكثر واقعية. فمع بداية الأزمة، أعرب الكثير من الفنانين الأميركيين والهيئات المهتمة بالمناخ وبعض أعضاء الكونغرس عن تأييدهم لقرار جعل أوكرانيا "منطقة حظر طيران". ورغم لطافة التعبير والنيات الحسنة لهؤلاء الناس، فإن هذه الخطوة حساسة للغاية، لأن فرض "حظر الطيران" فوق أوكرانيا يعني أن حلف الناتو والولايات المتحدة سيُصدران تهديدا صريحا بإسقاط أي طائرة روسية تُحلِّق في الأجواء الأوكرانية.

هذا السيناريو سيتطلَّب قصفا أميركيا للأراضي الروسية للقضاء على دفاعاتها الجوية، وسينطوي ذلك على مخاطر تصعيد سريع للموقف، وقد يشتعل فتيل حرب مفتوحة بين الولايات المتحدة وروسيا. حينها سيرى الطرفان أنها فرصة مناسبة لاندلاع حرب نووية سيكون تأثيرها أسوأ بكثير على المناخ من أي سياسة طاقة اقترحها دونالد ترامب سابقا.

حينما نُشير إلى مدى خطورة الأمر، فإننا نعني ذلك جديا. فإذا كنت قلقا بشأن التغيرات السريعة والكارثية التي تحدث بمناخ الكوكب، فمن الضروري أن يتملَّكك رعب بشأن الحرب النووية، لأنها لن تكتفي بقتل عشرات الملايين من البشر فحسب، بل إن مجرد استخدام السلاح النووي في مناوشات "بسيطة" نسبيا من شأنه أن يُدمِّر مناخ الكوكب تدميرا كارثيا على المدى الطويل.

الكابوس المُصغَّر
تخيَّل معي قنبلة نووية تصل شدة انفجارها إلى ما يعادل 1 ميجا طن (أي مليون طن)، يُقال إنها بحجم رأس حربي يحمله صاروخ باليستي روسي حديث عابر للقارات (قد تكون الرؤوس الحربية التي تحملها الصواريخ الأميركية العابرة للقارات أكبر من ذلك). إن تفجير قنبلة بهذا الحجم على بُعد أربعة أميال ينتج عنه رياح مساوية لتلك التي يُسبِّبها إعصار من الدرجة الخامسة (أحد أعنف الأعاصير على الإطلاق) الذي يؤدي إلى هدم المباني وتسويتها بالأرض فورا، وتدمير خطوط الكهرباء، وتفجير أنابيب الغاز.

لتوضيح مدى كارثية الموضوع، عليك أن تعلم أن أي شخص على بُعد سبعة أميال من التفجير سيُصاب بحروق من الدرجة الثالثة التي تكوي الجلد وتُسبِّب تقرحات في اللحم. في خضم هذه الظروف -ونحن لم نتحدَّث بعد عن آثار الإشعاع التي تُدمِّر الأعضاء نفسها- فإن الانفجار الذي يمتد إلى ثمانية أميال سيُحوِّل هذا المكان إلى منطقة زاخمة بالبؤس الإنساني. في تلك اللحظة، سنبدأ في مواجهة العواقب الوخيمة للتغيُّرات المناخية.

قد تكون الرياح الحارة والجافة بقوة الأعاصير بمنزلة النسخة الأعنف من رياح سانتا آنا في كاليفورنيا التي تسبَّبت في اشتعال أسوأ حرائق الغابات في الولاية، وبالمثل سنجد أن حربا "نووية" صغيرة بين دولتين قادرة على إشعال الحرائق في غابات المناطق الحضرية والبرية، وقد تتسع هذه الحرائق لتصل إلى حجم دول صغيرة. قدَّرت إحدى الدراسات في عام 2007 أن انفجار 100 رأس نووي صغير، وهو ما يُعادل 0.03% فقط من إجمالي ترسانة الكوكب، قد يؤدي إلى "إجمالي عدد ضحايا مساوٍ لعدد الأرواح التي حصدتها الحرب العالمية الثانية في جميع أنحاء العالم"، مخلِّفا وراءه سُحبا شاهقة تحمل 5 ميجا طن من السُّخَام (الدخان الأسود) والرماد إلى الغلاف الجوي.

كل هذا الكربون من شأنه أن يُغيِّر المناخ ويحجب عنا حرارة الشمس، وفي غضون أشهر سينخفض متوسط درجة حرارة الكوكب بأكثر من درجتين فهرنهايت، وربما تستمر هذه البرودة لأكثر من عقد من الزمان، وسيؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار العالم نتيجة لانخفاض هبوط الأمطار بمقدار 10%، وهو ما قد ينتج عنه جفاف عالمي سيُقلِّص موسم الزراعة في أجزاء من أميركا الشمالية وأوروبا إلى ما بين 10 إلى 20 يوما فقط.

كل ذلك قادر على تفجير أزمة غذاء عالمية لم يشهدها التاريخ الحديث من قبل. فعلى مدى خمس سنوات، ستنخفض محاصيل الذرة والقمح وفول الصويا بمقدار يزيد على 11%، كل ذلك ونحن نتحدَّث فقط عن مناوشات صغيرة بالأسلحة النووية، فما بالك بصراع أكبر قليلا يشمل على سبيل المثال 250 من أصل 13,080 رأسا نوويا في العالم؟

الكابوس الأوسع
إذا استخدمنا هذا العدد من الرؤوس، فستبدأ مياه المحيطات في الانحسار تدريجيا، وسيحدث تراجع في كمية العوالق البحرية (البلانكتون) المعتمدة على عملية البناء الضوئي التي تُشكِّل أساس سلسلة الغذاء البحرية بنسبة تتراوح ما بين 5-15%، كذلك من المرجَّح أن يشهد الصيادون في جميع أنحاء العالم انخفاضا في إنتاجهم بنسبة 30% تقريبا.

على الرغم من أن العالم سيزداد برودة، فإن الشتاء النووي (أو "السقوط النووي" كما يُفضِّل أن يطلق عليه بعض الباحثين) لن يكون مشابها لـ"تغيُّر المناخ التقليدي" الذي يحدث بسبب البشر، بل ستذهب الأمور إلى أبعد من ذلك بكثير. فعلى المدى القصير، ستزداد الأمور سوءا نتيجة ظاهرة تُسمى تحمُّض المحيطات (وهي ظاهرة تنتج عن زيادة كبيرة في ذوبان غاز ثاني أكسيد الكربون في محيطات العالم، فيؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في حموضة تلك المحيطات).

ستُدمِّر طبقة الدخان الكثيفة نحو 75% من طبقة الأوزون في الغلاف الجوي، وهذا يعني أن المزيد من الأشعة فوق البنفسجية سيتسرَّب عبر الغلاف الجوي للكوكب مُتسبِّبا في انتشار جائحة سرطان الجلد ومشكلات طبية أخرى. لن يقتصر الأمر على البشر فحسب، بل سيمتد إلى الجزر النائية التي ستكون فيها معدلات الأشعة فوق البنفسجية مرتفعة، وبالتالي لن تفلت حتى النباتات والحيوانات التي لم تمسها في البداية المذبحة العالمية من الخطر الحتمي لهذه الأشعة.

في أيامنا هذه، لا يشغلنا كثيرا التفكير في الحرب النووية باعتبارها مشكلة مناخية، رغم أن المخاوف بشأن هذه الأنواع من المخاطر كانت جزءا من الكيفية التي حاز بها تغيُّر المناخ الحديث اهتماما سياسيا في المقام الأول. في ثمانينيات القرن الماضي، حذَّر بعض العلماء من خطورة تأثيرات الشتاء النووي وزيادة اتساع ثقب الأوزون، ومنهم الأستاذ بول ن. إدواردز من جامعة ستانفورد الذي نشر كتابا بعنوان "آلة عملاقة" (A Vast Machine)، وفيه لخَّص تاريخه السحري في وضع النماذج المناخية، ما هيَّأ الجمهور أخيرا لفهم مخاطر الاحتباس الحراري.

حتى قبل ذلك، ارتبط علم المناخ والهندسة النووية ببعضهما. في عام 1945 على سبيل المثال، اهتم جون فون نيومان، عالم الفيزياء بجامعة برينستون وعضو في مشروع مانهاتن (الذي جرى العمل عليه أثناء الحرب العالمية الثانية لإنتاج الأسلحة النووية لأول مرة)، بأول حاسوب قابل للبرمجة، لأنه كان يأمل أن يتمكَّن من حل مشكلتين: أولاهما آلية انفجار القنبلة الهيدروجينية، وثانيهما النمذجة الرياضية لمناخ الأرض.

في ذلك الوقت، كان الاهتمام العسكري بالأرصاد الجوية مرتفعا، ورغم أن التنبؤ الجيد بالطقس ساعد الحلفاء في الانتصار في الحرب العالمية الثانية، فإن القلق ظل يساور المسؤولين بشأن احتمالية أن يصبح التلاعب بالطقس سلاحا في الحرب الباردة، ولحُسن الحظ لم تتحقق أسوأ مخاوف تلك الحقبة، أو على الأقل لم نشهدها بعد.

بعيدا عما تُخلِّفه القنابل النووية من تبعات سلبية مباشرة، فإن التأثير الكامل للتبادل النووي قد يكون أسوأ بكثير. فإذا كان البنزين والديزل اللذان استعانت بهما العمليات العسكرية التقليدية لعدة سنوات خلَّفا وراءهما دمارا عالميا، فإن الأمور ستتعقَّد بعد حرب نووية، خاصة إذا حاول المجتمع تعمير مخلفات الدمار من جديد بالطاقة المُستَمَدة من الوقود الحفري.

بعد الحرب سيلجأ البشر إلى احتياطيات الوقود الحفري باعتبارها أسهل مصادر الطاقة التي يمكن اللجوء إليها، لأن الطاقة المتجددة وتوربينات الرياح وغير ذلك من تكنولوجيا إزالة الكربون (التي تُتيح استخدام وقود حفري ذي انبعاثات بالغة الانخفاض من ثاني أكسيد الكربون) تتطلَّب مصانع آمنة ومهندسين بكفاءة عالية وشبكات عالمية مُعقَّدة للتبادلات التجارية. بعبارة أخرى، يعتمد كل ذلك على وجود سلام، ويُعَدُّ حل مشكلة تغيُّر المناخ رفاهية بالنسبة إلى كوكب لا يعرف معنى السلام.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 6