هل تستسلم ألمانيا وتضحي من أجل أوكرانيا؟

2022.03.15 - 07:38
Facebook Share
طباعة

 اتخذت الولايات المتحدة بالفعل قراراً بحظر واردات النفط والغاز الروسية، لكن بالنسبة لأوروبا القصة أكثر تعقيداً، فهل يمكن للغرب بشكل عام التضحية بنفط وغاز فلاديمير بوتين من أجل أوكرانيا؟

السؤال في حد ذاته ليس جديداً ولا حتى مرتبطاً بالهجوم الروسي على أوكرانيا، والذي بدأ الخميس 24 فبراير/شباط، فالإدمان الأوروبي تحديداً على الغاز الروسي قضية مشتعلة، وتتسبب في خلافات عميقة بين واشنطن وبرلين تحديداً، منذ بدأ مشروع خط أنابيب نورد ستريم2، الذي جمّدته ألمانيا كعقاب لموسكو.

لكن مع اقتراب الهجوم الروسي نهاية أسبوعه الثالث، وظهور مؤشرات قوية على أن الحرب في أوكرانيا قد تكون أطول مما خطط لها بوتين، ازدادت الضغوط على الاتحاد الأوروبي بغرض "ذبح بقرة بوتين الحلوب"، وهو التعبير الذي استخدمته صحيفة الغارديان البريطانية في تحقيق مطول لها حول قصة الغاز الروسي.

ما وجهة نظر أوكرانيا؟
تناول تقرير الغارديان الضغوط التي تمارسها الإدارة الأوكرانية برئاسة فولوديمير زيلينسكي على الغرب، من أجل اتخاذ قرار حظر النفط والغاز الروسي بشكل كامل، إذ يعتبرون أن فلاديمير بوتين لن يقبل وقف هجومه والموافقة على حلول وسط، ما لم يواجه تحدياً حقيقياً وتهديداً موثوقاً لقاعدته الاقتصادية الأهم، أي حرمانه من الأسواق الأوروبية لنفطه وغازه.

وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية تحصل الحكومة الروسية على 40% من مواردها المالية من صادرات الطاقة، نفطاً وغازاً.

لكن أوكرانيا تواجه معارضة شرسة لمطالبها من جانب ألمانيا بالتحديد، حيث تصر برلين على أن التوقف الفوري عن استيراد النفط والغاز من روسيا سيؤدي حتماً إلى دخول الاقتصاد الألماني في حالة ركود.

وفي مقابلة صحفية أجراها مؤخراً وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، قال الوزير المنتمي لحزب الخضر، ضمن ائتلاف إشارة المرور الذي يحكم البلاد خلفاً لحزب المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، إن "ألمانيا لا يمكنها أن تتحمل فقدان مئات الآلاف من الوظائف" التي يتطلبها الحظر الكامل للطاقة الروسية.

الوزير الألماني أضاف أن "أفضل ما يمكن أن تفعله ألمانيا حالياً هو التخلي عن واردات الفحم الروسي خلال الخريف المقبل، وعن النفط الروسي بنهاية العام الجاري، لكن لا يمكن أن تقدم برلين موعداً نهائياً للتخلي نهائياً عن اعتمادها على الغاز الروسي".

هذا الموقف الألماني يتسبب في حالة من الإحباط الشديد لدى مستشاري زيلينسكي الكبار، ما يجعلهم يناشدون المملكة المتحدة والولايات المتحدة استغلال فرصة قمة مجموعة السبع، في محاولة إقناع المستشار الألماني أولاف شولتز بالتعهد بجدول زمني غربي لإنهاء الاعتماد على موارد الطاقة الروسية.

وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، أجرى شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالات متكررة مع فلاديمير بوتين، وفي الوقت نفسه أصبحت المفاوضات بين كييف وموسكو مستمرة دون توقف بصورة افتراضية، أي عبر الاتصالات، وليست وجهاً لوجه، بحسب ميخايلو بودولياك، مستشار زيلينسكي، الذي أضاف أن المفاوضات تخطت مرحلة تبادل المطالب والتهديدات من الجانبين إلى كيفية التوصل لحلول دبلوماسية.

هذه المؤشرات قد يراها البعض انفراجة تدل على أن الحرب في أوكرانيا قد تتوقف في أي لحظة، لكن التصريحات الصادرة عن باريس تحديداً مفعمة بالتشاؤم، إذ قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان: "إننا نواجه حائطاً. القادم أسوا، وهذه الحرب ستكون طويلة".

هل قدمت أوروبا وعوداً زائفة لأوكرانيا؟
نعم، وهذا ما جاء على لسان وزير الاقتصاد الألماني هايبك، إذ اعترف أن أوروبا قدمت في الماضي وعوداً زائفة إلى أوكرانيا، بحسب تقرير الصحيفة البريطانية. وتعتبر هذه النقطة بالتحديد، أي الوعود الزائفة لأوكرانيا، جوهر الأزمة من الأساس، إذ ترى موسكو أن تلك الوعود شجعت الحكومة الأوكرانية على مواصلة ما تصفه روسيا بأنها "حملة إبادة جماعية" بحق الأوكرانيين الناطقين بالروسية في الأقاليم الشرقية للبلاد، مثل دونباس وغيرها.

وكان زيلينسكي نفسه، في اليوم الثاني مباشرة لبدء الهجوم الروسي، قد شنّ هجوماً لاذعاً على الغرب، ووصف قادة أوروبا بأنهم خائفون من بوتين، واشتكى من أن بلاده وجدت نفسها تواجه الجيش الروسي وحيدة، في رسالة يمكن تلخيصها في أن "الغرب باع أوكرانيا".

والآن، في ظل معارضة شولتز الشرسة لحظر النفط والغاز الروسي، اتجه زيلينسكي إلى المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر، كي يلعب دور الوسيط مع بوتين، وهو ما حدث بالفعل. شرودر، الذي يتهمه الكثيرون في الغرب بأنه السبب في اعتماد ألمانيا على الطاقة الروسية بشكل كامل، اتصل ببوتين وحاول الوساطة، لكن ذلك لم يؤدِ إلى نتيجة، على الأقل حتى اليوم الثلاثاء 15 مارس/آذار.

وفي السياق ذاته، يشعر بعض من مساعدي الرئيس الأوكراني بعدم الراحة تجاه وساطة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، ويشككون في مدى عمق الدعم الإسرائيلي لكييف من الأساس. ولا يزال زيلينسكي يأمل في عقد قمة مع بوتين، وإن كانت التقارير الغربية تُشكك في جدوى تلك القمة أو تأثيرها في بوتين، كي يوقف الهجوم على أوكرانيا.

وبعد أن التقى وزير خارجية أوكرانيا ديمتري كوبيلا نظيره الروسي سيرغي لافروف في أنطاليا التركية، الخميس الماضي، لخص كوبيلا القضية الأوكرانية حالياً في مطلب رئيسي واحد، وهو "الضمانات الأمنية"، قائلاً إن ما تريده كييف هو ضمانات أمنية صلبة، تشبه تلك التي تتمتع بها دول أوروبا الشرقية الأعضاء في حلف الناتو.

لكن كوبيلا لم يحدد من أين تريد كييف تلك الضمانات، أي أن روسيا يمكنها أن تقدمها مقابل تنازل أوكرانيا تماماً عن محاولات الانضمام للناتو، والبقاء كدولة محايدة، بشرط أن توقع الدول الكبرى، وخاصة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن (روسيا والولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا) كضامنين لتلك الضمانات.

ماذا عن موقف بوتين؟
لكن تبدو المشكلة الحقيقية الآن، بحسب تقرير الغارديان الذي يعكس وجهة النظر الغربية، في أن الكرملين لا يبدي أي مرونة بشأن التوصل لحلول وسط تساعد على إنهاء الحرب في أوكرانيا، التي تصفها موسكو بالعملية الخاصة، ويصفها الغرب بالغزو.

فالولايات المتحدة، من خلال ما تقول إنها رواية الوسطاء الذين تحدثوا إلى بوتين، تقول إنه لا توجد رغبة لدى فلاديمير بوتين لتقديم أي تنازلات للوصول إلى حلول وسط. "من الصعب تقديم بادرة إيجابية عندما يكون موقف الكرملين على حاله من مواصلة قصف أوكرانيا حتى ترضخ لمطالبنا كاملة"، بحسب ما قاله مسؤول أمريكي بارز للإعلام الأسبوع الماضي، مضيفاً أن تلك المطالب الروسية هي "نزع السلاح" و"التخلص من القوميين النازيين"، أي تغيير النظام في أوكرانيا، إضافة إلى اعتراف أوكراني بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس. وتقول إدارة جو بايدن إن بوتين يعتقد أنه يحقق انتصارات عسكرية تقوي موقفه.

هذا التقييم الأمريكي للموقف يؤدي إلى تبني واشنطن ولندن لوجهة النظر القائمة على ممارسة سياسة الضغوط القصوى على موسكو اقتصادياً، وتصعيد تلك الضغوط للدرجة التي يجد بوتين فيها نفسه مهجوراً من جانب رجاله ودائرته المقربة، أو حتى تقدم تلك الدائرة على اغتيال الرئيس الروسي، بحسب الغارديان.

لكن حلفاء زيلينسكي يشعرون الآن أن المستشار الألماني شولتز، بعد أسبوعين من نقطة التحول التي اتخذها ورفع الإنفاق العسكري بصورة تاريخية، بدأ يعود مرة أخرى لسياساته الحذرة. إذ كشف وفد أمريكي خلال الأسبوع الجاري أن الاتحاد الأوروبي، الذي فرض 4 حزم من العقوبات الاقتصادية على موسكو، لا يزال لم يتخذ الخطوة الحاسمة، وهي حظر كامل على الطاقة الروسية.

الرئيس السابق لشركة الطاقة الأوكرانية، آندري كوبولييف، الذي يقود حالياً الجهود الغربية لفرض حظر شامل على الطاقة الروسية، نيابة عن زيلينسكي، عبَّر عن إحباطه الشديد من الحذر الألماني، وقال: "حتى يفهم القادة الأوروبيون أن بوتين يراهم ضحايا ضعفاء في استراتيجيته الجيوسياسية، سوف يواصل الرئيس الروسي سياساته. لهذا تعتبر الطريقة الوحيدة لإثبات أنه على خطأ هي حظر كامل للطاقة الروسية".

وأضاف كوبولييف، بحسب الغارديان، أنه لا بد لأوروبا أن "تلعب بطريقة مختلفة، وأن ترد بالقول إن اقتصادها قوي، وإنها يمكن أن تعيش دون نفط وغاز بوتين، من خلال مزيج من إمدادات الطاقة المتنوعة؛ لأن المسألة مسألة مبدأ".

ويرى كوبولييف، الذي تعامل مع بوتين وكبار رجال الطاقة الروس مثل إيغور سيخين رئيس شركة روزنفيت الروسية للطاقة، أن قراراً أوروبياً بحظر الطاقة الروسية سيكون بمثابة "قتل البقرة الذهبية" للاقتصاد الروسي، وأن ذلك من شأنه أن يمثل صدمة لبوتين ورجاله، الذين سيجدون فجأة أن السوق الأوروبية قد اختفت، وهو ما يعني أيضاً خسارة لا يمكن تعويضها على المدى البعيد.

هل تفعلها ألمانيا إذاً؟
لكن شولتز أعلن معارضته تلك الخطوة دون مواربة، وقال الأسبوع الماضي، رداً على حظر بايدن نفط وغاز روسيا: "في هذا الوقت لا يمكن تأمين إمدادات الطاقة التي تحتاجها أوروبا من أجل التدفئة والتنقل والكهرباء والمصانع بأي طريقة أخرى. لهذا فإن (الطاقة الروسية) حتمية وجوهرية بالنسبة للخدمات العامة والأنشطة الحياتية اليومية لمواطنينا".

وكررت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، المنتمية لحزب الخضر، الرسالة نفسها: "لو وجدنا أنفسنا في موقف لا تذهب فيه الممرضات والمدرسون لأعمالهم ولا تكون لدينا كهرباء لعدة أيام، يكون بوتين قد فاز بجزء من المعركة، لأنه سيكون قد دفع ببلدان أخرى إلى حافة الفوضى".

وكان شولتز واحداً من مجموعة من القادة الأوروبيين الذين أصروا على حذف التاريخ المستهدف لأن يتخلى الاتحاد الأوروبي بشكل كامل عن واردات النفط والغاز من روسيا (عام 2027)، وذلك من بيان أصدره المجلس الأوروبي الأسبوع الماضي.

وبحسب تقرير الغارديان، من الطبيعي أن تكون مخاوف شولتز مفهومة، فألمانيا تعتمد على 32% من مصادر طاقتها على النفط، وثلث هذ النفط، أو 40% بحسب مصادر أخرى مصدره روسيا.

لكن النفط أساسي بالنسبة لتمويل "حروب بوتين"، بحسب تحليل الغارديان، الذي استشهد بما ذكره ثين غوستافسون مؤرخ قطاع الطاقة الروسية في كتابه الأخير نت أن عام 2019، العام السابق على جائحة كورونا شهد وصول دخل روسيا من النفط لمبلغ 188 مليار دولار، أي 44% من قيمة إجمالي الصادرات الروسية، بينما أدخل الغاز 12% فقط، وإجمالاً مثل النفط والغاز 56% من دخل روسيا من التصدير و39% من إجمالي ميزانيتها.

وفي السياق نفسه يقول كوبلييف إنه مقتنع بأن الاتحاد الأوروبي في حالة حظر النفط الروسي، ستجد تلك الدول بديلاً: "هناك مثل روسي يقول المكان المقدس لا يظل فارغاً أبداً لفترة طويلة".

وسعى بايدن بالفعل لتأمين بدائل للنفط الروسي، من خلال فنزويلا، ومن خلال السحب من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط الأمريكي، إضافة إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني والضغط على الإمارات والسعودية لزيادة الإنتاج، لكن أياً من تلك المساعي لا يبدو كافياً في الوقت الحالي أو حتى ناجحاً من الأساس.

وإضافة إلى مشاكل الأسعار المرتفعة، والمتوقع أن تتخطى 200 دولار للبرميل في حالة حظر النفط الروسي، تظل مشكلة الغاز أكبر بكثير بالنسبة لألمانيا خصوصاً ولأوروبا بشكل عام، وهو ما يزيد من عمق المعضلة الأخلاقية التي تواجها برلين حالياً، فهل تفعلها أوروبا وتتخلى عن نفط وغاز بوتين من أجل "عيون" أوكرانيا؟ هذا ما قد تكشف عنه الأيام والأسابيع المقبلة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 8