ماذا تعرف عن "عملية بارباروسا" التي أسقطت كييف وكادت تحتل موسكو

2022.03.14 - 08:00
Facebook Share
طباعة

 كان هتلر يأمل في تكرار نجاح الحرب الخاطفة في أوروبا الغربية، وتحقيق نصر سريع على الدولة الضخمة (الاتحاد السوفييتي) التي اعتبرها العدو اللدود لألمانيا. وفي 22 يونيو/حزيران 1941، تحرك أكثر من 3 ملايين جندي ألماني نحو الاتحاد السوفييتي على طول جبهة طولها 2900 كيلومتر.

كانت عملية بارباروسا أكبر عملية في الحرب العالمية الثانية، إذ شهدت تحرك أكبر قوة ألمانية في الحرب العالمية الثانية على الإطلاق، حيث شارك حوالي 80% من الجيش النازي (الفيرماخت)، والتي اعتُبرت واحدة من أكبر قوات الغزو في التاريخ.

لعدة أشهر كانت القيادة السوفييتية ترفض الاستجابة لتحذيرات القوى الغربية من زيادة القوات الألمانية على طول حدودها الغربية. وهكذا استطاعت ألمانيا وشركاؤها في المحور مفاجأة القوات السوفييتية بشكل شبه كامل.

ومع 134 فرقة بكامل قوتها القتالية، و73 فرقة أخرى للانتشار خلف الجبهة، غزت القوات النازية الاتحاد السوفييتي. بجانب ذلك كان الجيش النازي مدعوماً بحوالي 650 ألف جندي من حلفاء ألمانيا؛ فنلندا ورومانيا، كما عُززت هذه القوات لاحقاً بوحدات من إيطاليا وكرواتيا وسلوفاكيا والمجر، وكانت الجبهة ممتدة من بحر البلطيق شمالاً إلى البحر الأسود جنوباً.

في بداية المعركة دمرت القوات النازية الكثير من القوات الجوية السوفييتية الموجودة على الأرض، حيث تمكنت القوات الجوية الألمانية في اليوم الأول من الهجوم وحده من إسقاط أكثر من ألف طائرة سوفييتية، ومن ثم بدأت الوحدات الألمانية في تطويق ملايين الجنود السوفييت، لتنجح في إطباق الحصار عليهم، وبعد انقطاع الإمدادات والتعزيزات لم يكن لدى الجنود السوفييت خيار إلا الاستسلام، وهو ما أسقط ملايين الجنود السوفييت أسرى في يد القوات الألمانية.

وأتت "فرق الموت المسلحة" التابعة لقوات الأمن الخاصة في أعقاب الجيش التي فوضها هتلر بالإعدام الفوري لجميع ضباط العدو المأسورين، كما قُتل العديد من أسرى الحرب السوفييت فور أسرهم. وفيما حقق الجيش الألماني انتصاراً كبيراً على العديد من الجبهات تكبّدت القوات الألمانية أيضاً خسائر فادحة، حيث أثبتت القوات السوفييتية قدرتها على المقاومة أكبر مما كان متوقعاً.

وفي محور أوكرانيا، اقتحم الجيش النازي مدينة دنيبرو، الواقعة على بعد 200 كيلو من كييف، وسار الألمان حتى وصلوا إلى شبه جزيرة القرم في الجنوب، والمطلة على البحر الأسود، وهو مكان استراتيجي للقوات البحرية في تلك المنطقة.

وفي منتصف أغسطس/آب 1941، اشتدت المقاومة السوفييتية ضد النازيين، وهو ما أدى لخروج الألمان عن جدولهم الزمني الموضوع للفوز بالحرب بحلول خريف عام 1941. ومع ذلك، وبحلول أواخر سبتمبر/أيلول 1941، وصلت القوات الألمانية إلى أبواب مدينة سانت بطرسبرغ، كما استولوا على سمولينسك، وهي مدينة في روسيا تقع على بعد أكثر من 200 ميلاً فقط جنوب غرب موسكو، إلا أن هتلر أمر بتأجيل الحملة ضد موسكو لصالح التركيز على أوكرانيا في الجنوب.

سقوط كييف وتطويق موسكو
مع توجيه ألمانيا قواتها نحو أوكرانيا من جديد، استطاع الفيرماخت بنهاية شهر سبتمبر/أيلول دخول كييف، وسقوط كامل أوكرانيا في يد الألمان. وبعد احتلال كييف تمكن الألمان بمساعدة حلفائهم الفنلنديين من عزل لينينغراد في الشمال عن باقي روسيا، لكنهم لم يكونوا أقوياء بما يكفي للاستيلاء على المدينة نفسها. بدلاً من ذلك أمر هتلر قواته بتجويع لينينغراد وإجبارها على الاستسلام، لذا فرض الألمان حصاراً دام 872 يوماً.

وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول، أمر هتلر بالهجوم على موسكو، إلا أن ذلك كان متأخراً، حيث أدى تأخير غزو موسكو لحين الانتهاء من دخول كييف لتقوية الدفاعات السوفييتية داخل عاصمتهم موسكو، وتعزيز قواتهم بحوالي مليون جندي و ألف دبابة جديدة.

مع ذلك، ورغم الحشد العسكري السوفييتي داخل موسكو، كان الهجوم الألماني في البداية ناجحاً، لكن مع دخول فصل الخريف ودخول القوات الألمانية فيما يسمونه بـ"موسم المستنقعات"، لم تستطع القوات الألمانية التقدم، حيث اصطدمت بالدفاعات الروسية.

وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني، حاولت فرق الدبابات محاولة أخيرة لتطويق موسكو على بعد 19 كيلومتراً من المدينة، لكن كانت هناك تعزيزات قادمة من سيبيريا، ساعدت الجيش الأحمر في صد هجوم الفيرماخت عليهم، ما أوقف التقدم الألماني مع حلول طقس الشتاء القاسي، في المقابل شنت القوات السوفييتية هجوماً مضاداً مفاجئاً، وهو ما وضع الألمان في موقف دفاعي، وأجبرهم على التراجع.

فشل عملية بارباروسا والتقهقر
بعد شهور من المعارك في إطار العملية بارباروسا استنفد الجيش الألماني قواه، وفشل المخطِّطون الألمان في تجهيز القوات لحرب الشتاء، بعد أن توقعوا انهيار الاتحاد السوفييتي السريع، ولم تستطع القيادة الألمانية تقديم ما يكفي من الغذاء والدواء للقوات الموجودة على الأرض، حيث كانوا يتوقعون أن يعيش الجنود الألمان على أرض الاتحاد السوفييتي المحتل على حساب السكان المحليين.

نتيجة لذلك أصبحت القوات الألمانية الممتدة على طول أكثر من 1500 كيلومتر عرضة للهجوم السوفييتي المضاد. وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 1941، شن الاتحاد السوفييتي هجوماً كبيراً مكَّنَه من التوغل في الجبهة الشرقية، مخترقاً قلب الجيش الألماني هناك، وهو ما أدى إلى ذعر الجنود الألمان، وتركهم ساحة القتال، والهرب من موسكو، في حالة من الفوضى.

استغرق الألمان عدة أسابيع لتحقيق الاستقرار في الجبهة الشرقية، وفي صيف العام 1942، استعادت القوات الألمانية قواها، واستأنفت هجومها من جديد، بهجوم واسع النطاق على الجنوب والجنوب الشرقي باتجاه مدينة فولغوغراد على نهر الفولغا، وبالاتجاه نحو حقول النفط في القوقاز.

وفي سبتمبر/أيلول 1942، وصل الألمان إلى ضواحي ستالينجراد، واقتربوا من غروزني في القوقاز، على بعد أكثر من 190 كيلومتراً من شواطئ بحر قزوين، وكان هذا هو أقصى مدى جغرافي للسيطرة الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية.

فعلى الرغم من المكاسب التي حققها الفيرماخت، والأراضي الشاسعة التي استطاع احتلالها، والضرر الذي لحق بالجيش الأحمر، فشلت عملية بارباروسا في هدفها الأساسي: وهو إجبار الاتحاد السوفييتي على الاستسلام.

ورغم أن هتلر ألقى باللوم على الطقس الشتوي في فشل هجوم موسكو، فإن العملية بأكملها عانت من نقص التخطيط الاستراتيجي طويل المدى، باعتماد خطة الألمان على تحقيق نصر سريع، ما جعل الألمان يفشلون في إنشاء خطوط إمداد مناسبة للتعامل مع المسافات الشاسعة والأراضي الوعرة.

مع ذلك، لم ينته القتال على الجبهة الشرقية، وأمر هتلر بشن هجوم استراتيجي كبير آخر ضد الاتحاد السوفييتي، في يونيو/حزيران 1942. وبنفس العقلية التي أخطأت الحسابات في المرة الأولى وقع الفيرماخت في نفس المشاكل السابقة، ما جعله في نهاية الأمر يفشل من جديد، إلا أن هذه المرة كانت بداية نهاية ألمانيا النازية، حيث ساعدت معركة ستالينجراد في عام 1943 على قلب المعركة بشكل حاسم لصالح دول الحلفاء (بريطانيا، الاتحاد السوفييتي، فرنسا، والولايات المتحدة) في الحرب العالمية الثانية، وهو ما أنهى الحرب بموت النازية التي هددت العالم بأسره.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 6