تركيا بين مطرقة روسيا وسندان أوكرانيا

2022.03.01 - 08:22
Facebook Share
طباعة

 في اليوم الخامس من أيام الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس الاثنين، عن تمسكه بعلاقات بلاده كلا البلدين سواء روسيا أو أوكرانيا.

وقال أردوغان:" أن تركيا لن تتخلى عن علاقاتها مع روسيا أو أوكرانيا، لكن "مصمون على استخدام صلاحيتنا بموجب اتفاقية مونترو فيما يتعلق بحركة السفن في المضائق بشكل يمنع من تصعيد الأزمة".

جاء هذا  عقب اجتماع مجلس الوزراء في أنقرة، والذي أكد فيه على أن تركيا تحترم سلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها السياسية، معتبرا أن "هجوم روسيا على أوكرانيا غير مقبول".

وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الأحد، إن تركيا قررت أن غزو روسيا لأوكرانيا هو "حرب".

اتفاقية مونترو ما هي... وما صلاحيات تركيا:

اتفاقية "مونترو 1936" تمنح تركيا سيطرة معينة على مرور السفن الحربية من مضيق الدردنيل والبوسفور التي تربط بحر إيجة ومرمرة والبحر الأسود.

وفي وقت السلم- وفقا للاتفاقية، يمكن للسفن الحربية عبور المضيق عن طريق إخطار دبلوماسي مسبق مع وجود قيود معينة على وزن السفن والأسلحة التي تحملها، واعتمادًا على ما إذا كانت السفينة تنتمي إلى إحدى دول البحر الأسود أم لا.

لكن في أوقات الحرب، يمكن لتركيا أن تمنع مرور السفن الحربية للأطراف المتحاربة من العبور. ووفقًا للاتفاقية، إذا كانت تركيا طرفًا في الحرب أو تعتبر نفسها مهددة بخطر وشيك، فيمكنها إغلاق المضيق أمام مرور السفن الحربية.

تشترك تركيا مع كل من روسيا وأوكرانيا في الحدود البحرية على البحر الأسود وتعتبر كلا البلدين صديقين لأنقرة.

حيث تعتمد أنقرة على روسيا في السياحة والغاز الطبيعي. لكن لديها علاقات اقتصادية وأمنية تربطها بأوكرانيا، فعلى سبيل المثال قامت تركيا ببيع طائرات بدون طيار إلى أوكرانيا رغم الاعتراض الروسي.

تستطيع تركيا أن تروج لهذه الخطوة على أنها مجرد احترام لالتزام بموجب القانون الدولي، لكن في نفس الوقت يمكن رؤية هذه الخطوة على أنها مؤشرا على الاتجاه الذي قد تتجه إليه تركيا إذا استمر الصراع. فأكورانيا من أكثر الدول المتحالفين التقليديين مع تركيا  في الناتو والاتحاد الأوروبي. فلذلك تبدو الخطوة وكأنها انحياز لأوكرانيا والابتعاد قليلا عن روسيا - بحسب سيرهات جوفينك، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "قادر هاس" بإسطنبول.

العلاقات التركية الروسية:

على رغم أن روسيا وتركيا يقعان في معسكرات متناحرة ضمن دوائر الصراع التي يشتبكون بها، في سوريا وليبيا والقوقاز، إلا أن الطرفين يحرصان دوماً على إيجاد المشاركات الاقتصادية والسياسية واستثمارها.

وترتبط تركيا بعلاقات وطيدة مع روسيا  في الاقتصاد والسياحة  والتبادل التجاري، ولا سيما واردات القمح وتوريدات الغاز  التي تتم بينهما ، إلى جانب مفاعل اكويو وتوسيع نفوذها في القوقاز وآسيا الوسطى.

أن حجم الاستثمارات التركية المباشرة في روسيا (وفقاً لبيانات البنك المركزي الروسي عن يناير 2021) 2 مليار دولار، والروسية في تركيا 6.4 مليار دولار. بالإضافة إلى بدأ  بناء 4 مفاعلات نووية في محطة "أكويو" النووية بمقاطعة ميرسين التركية، والتي تبلغ قيمتها استثماراتها أكثر من 20 مليار دولار، وبدأ العمل بها عام 2018، ويفتتح المفاعل الأول عام 2023.

كما تعد السياحة مصدر مهم للعملة الصعبة للاقتصاد التركي، وقد عززت المشاكل الاقتصادية الناجمة عن انخفاض الليرة من أهمية هذا الدور، حيث أقدم 7 ملايين روسي على زيارة تركيا في عام 2019، وقد أثرت جائحة كوفيد -19  عام 2020 على إيرادات السياحة بشدة، لكن أعداد الزائرين الروس انتعشت إلى 4.7 مليون.

يشكل الغاز الطبيعي الروسي 45٪ من مشتريات الغاز التركية المعتمدة على الاستيراد العام الماضي، والتي سجلت مستوى قياسيًا نتيجة للجفاف وما يرتبط به من زيادة في إنتاج الطاقة في محطات تعمل بالغاز وتستورد تركيا أيضًا النفط الخام من روسيا، بمقادير سنوية تتراوح بين 10٪ وثلث وارداتها من الخام.

فيما اشترت تركيا بطاريات دفاع صاروخي روسية من طراز إس- 400 في عام 2019 وتتداول وسائل الإعلام العالمية تصريحات تركية رسمية حول احتمال شراء المزيد من صواريخ إس- 400، على الرغم من الخطوة التي اتخذتها واشنطن لإلغاء بيع المقاتلات الأمريكية من طراز إف – 35 وفرض عقوبات على الصناعات الدفاعية التركية.

العلاقات التركية الأوكرانية:

منذ اجتياح روسيا لجزيرة القرم عام 2014، اغتنمت أنقرة الفرصة لترفع من علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع كييف. الأمر الذي ساهم في ضخ مزيد من الشراكات ؛ مثل توقيع اتفاقيات التجارة الحرة بين البلدين، فضلاً عن توقيع اتفاقيات تعاون عسكري في يناير (كانون الثاني) الماضي شملت مشاريع تصنيع مشتركة لإصدار طائرات الدرونز القتالية التركية.

وتنامت التجارة الثنائية بين الجانبين بنسبة 50% تقريبًا خلال الأشهر الـ 9 الأولى من عام 2021، حتى وصلت إلى حوالي 5 مليار دولار، مع وجود أكثر من 700 شركة تركية استثمارية في أوكرانيا، لعل واحدة من أبرز تلك الشركات هى شركة "تركسل" التي يعتبر فرعها في أوكرانيا ثالث أكبر مشغل لشبكات المحمول، ويمتلك صندوق الاستثمار الوطني التركي أكثر من 26% من أسهم الشركة.

وفي 3 فبراير 2022، وقعت تركيا مع أوكرانيا سلسلة من الوثائق والاتفاقيات الثنائية، شاملة اتفاقية "التجارة الحرة"، التي ستدخل حيز النفاذ في 1 يناير 2023، والتي وفقًا للبيانات الصادرة عن الطرفين، ستسهم في فتح أسواق جديدة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، ونمو الناتج المحلي في كلا البلدين.

فضلاً عن دورها في زيادة حجم التجارة الثنائية السنوية لأكثر من 10 مليار دولار خلال السنوات القادمة، وإلغاء الرسوم الجمركية على حوالي 95% من إجمالي عدد السلع التي تصدرها أوكرانيا إلي تركيا، الأمر الذي تعتبره أوكرانيا توسعًا في تسويق سلعها في منطقة البحر المتوسط.

إلى جانب هذا تعتبر أوكرانيا من أهم أعمدة  السياسة التركية التي تعمل على تطوير منظوماتها الدفاعية، لا سيما أن كييف تصنع المحركات التي تستخدمها تركيا في تشغيل الجيل الحديث من الطائرات التركية من دون طيار "الدرونز".

وتعتبر صفقة الدرونز التي وقعتها تركيا مع أوكرانيا من أهم وأكبر الصفقات التجارية المربحة لها، والتي تتوافق مع مساعيها لأن تصبح من أكبر وأهم مصدري الأسلحة في العالم.

ما ينتظر تركيا حال دعمها لأوكرانيا:

في حال تصعيد الأزمة بين روسيا وأوكرانيا واضطرت تركيا إلى اتخاذ موقفا صريحا، وكان هذا الموقف منحازا لأوكرانيا ضد روسيا  فمن المُتوقع أن تواجه تركيا تصعيدًا للضغوطات الروسية ضد مصالحها السياسية والأمنية في شمال سوريا، بشأن إخلاء المُرتزقة والمليشيات المسلحة التابعة لتركيا من إدلب، وتكبيدها المزيد من الخسائر الاقتصادية والاستراتيجية في صفوفها وصفوف القوات الموالية لها، بما يضمن عرقلة دورها في أوكرانيا، ودعم الرأي العام التركي الداخلي المناهض لسياسات تركيا الخارجية، الأمر الذي يُنذر بتهديد مستقبل أردوغان وحزبه الحاكم في الانتخابات القادمة، في مواجهة تحالف قوى المعارضة، لا سيما في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، واستمرار أزمة اللاجئين، التي من المُتوقع أن تزيد في حال قامت روسيا بغزو أوكرانيا - بحسب آمنة فايد الباحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

وترى الباحثة  أنه في حال أغلقت تركيا مضيق البوسفور أمام البحرية الروسية ستتعرض العلاقات التركية – الروسية لهزة كبيرة، تُهدد سلسلة العلاقات الاستراتيجية، والاقتصادية والصفقات الدفاعية المُبرمة بين الجانبين، وهو الأمر الذي تحاول تركيا تجنبه.

إلى جانب هذا إن اعتماد تركيا  بشكل كبير على الغاز الروسي، الذي استوردت منه 33.6 مليار متر مكعب عام 2020، من أصل إجمالي استهلاك في نفس العام وصل إلى أكثر من 48.1 مليار متر مكعب. يعرض تركيا لأزمة غير مسبوقة في الغاز والتي ستتسبب في تزايد الغضب الشعبي ضد أردوغان.

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 4