كتبت شيماء عمارة: جنون الاقتصاد

2022.02.26 - 06:50
Facebook Share
طباعة

 المتتبع من المتخصصين للتوجهات الاقتصادية العالمية منذ مطلع عام 2020 وحتى الوقت الراهن، وتوقع آثارها المستقبلية، يستطيع أن يصف الاقتصاد العالمي بكلمة واحدة ألا وهي "الجنون"، وليس فقط ذلك ولكن أيضاً "اللامعقول".


فقبل عام 2020، كان يسير الاقتصاد العالمي في إطار توجهات توسعية، وتحررية لكافة أشكال التجارة السلعية والخدمية وحرية انتقال الأفراد ورؤوس الأموال، في توجه يضعنا أمام تخيل أن العالم سيصبح قرية واحدة، إن لم يكن قد أصبح بالفعل، متجه نحو تحقيق المزيد من القفزات في معدلات النمو، ومعدلات التشغيل، والتنمية الصناعية، والدعوة لتنمية الدول النامية، فيما عدا بعض الأحداث الاقتصادية العارضة المؤثرة سلباً على الأداء الاقتصادي العالمي مثل الأزمة المالية 2008، ولكن ذات الأثر الذي يمكن أن نصفه بأنه كان تحت السيطرة وسريع التعافي نظراً لتأثيرها على جانب الطلب فقط، ليعاود الاقتصاد العالمي معدلات نموه المرتفعة مجددا.


وبحلول عام 2020، وظهور فيروس كورونا، انقلب العالم رأساً على عقب، لتنهار منظومة حرية انتقال الأفراد والسلع والخدمات ومن الطبيعي انعكس الامر على تقييد انتقال رؤوس الأموال، ليتحول العالم إلى جزر منعزلة بالإجبار نتيجة فرض الإجراءات الاحترازية، ليحل محل التوجهات التحررية، التوجه نحو التقييد، لتنهار معدلات النمو الاقتصادي العالمي، ويفقد الملايين فرص عملهم، حيث وصلت معدلات البطالة في الاتحاد الأوروبي بمفرده 22.5%، لتؤثر أزمة الفيروس على جانبي العرض والطلب معا لتتجاوز محنتها الأزمة المالية العالمية التي قد أثرت على الطلب فقط قبل ذلك، ليشيع الركود نتيجة افتقاد عنصر الطلب، ويصاحب ذلك انهيار في أسعار المواد البترولية نتيجة توقف حركة الإنتاج.


إلا أن الاقتصاد المصري حافظ على أدائه التنموي بفضل التوجيهات الرئاسية المدعمة لاستمرارية حركة الإنتاج والعمل، من خلال الحزمة التمويلية للقطاعات الأكثر تضرراً، والمنح الرئاسية للعمالة غير المنتظمة والتي استمرت ستة أشهر، والتيسيرات في جانب منح القروض، لتدفع توجهات السياسات المالية والنقدية الاقتصاد المصري للتحرك عكس اتجاه جنوح الاقتصاد العالمي.


ومع ظهور اللقاحات المضادة للفيروس، تبدأ حركة التقييد التي اتبعتها مختلف دول العالم في الانحسار، لتتحرك القوى الشرائية شيئاً فشيئاً، وتصطحب معها دفع عجلة الإنتاج، وتشغيل العمالة المتعطلة، لتتحرك معدلات النمو الاقتصادية بدرجة أفضل، ويبدأ الاقتصاد العالمي في التوجه الإيجابي، إلا أن التحرك المندفع لجهة الطلب، أثر بالسلب على تكلفة الطاقة، لترتفع مجدداً، ومن ثم ترتفع أسعار السلع، دون أن نصل إلى استيعاب العمالة المتعطلة بشكل كافي، وهو الامر الذي أدى إلى انخفاض الطلب الشرائي نتيجة عدم توفر الأموال مع الأفراد لشراء السلع المعروضة، فظهر الاقتصاد العالمي وكأنه يقف على درج السلم، لا يستطيع أن يدرك الدرج العلوي من الاقتصاد متجهاً نحو الصعود، وغير مفضل للاتجاه الصريح نحو الهبوط.


وفي أثناء تلك المحاولات للخروج سالما من آثار كورونا، يطفو على الساحة العالمية بوادر صراعات وأزمات سياسية، وإشارات إلى احتمالية اندلاع صراعات عسكرية بين روسيا وأوكرانيا، بغض النظر في الأهداف السياسية والخلفيات التاريخية، والرؤى المستقبلية للتقسيمات المحتملة، إلا إنه عندما نذكر كلمة صراع عسكري، فإن الامر حتما سيلقي بظلاله على الأوضاع الاقتصادية العالمية، فنحن نتحدث عن دولتين تمتلكان نصيب كبير من إنتاج القمح عالميا إذ تحتل روسيا المرتبة الثالثة عالميا في إنتاج القمح بـ 77 مليون طن، وأوكرانيا السابعة عالميا بـ 28 مليون طن، وتعد روسيا الأولى عالميا من تصدير القمح بـ 37.3 مليون طن، تليها أمريكا وكندا بـ 26.1 مليون طن، وأوكرانيا في المركز الرابع بـ 18.1 مليون طن. وإذا ما نظرنا إلى الطاقة فسنجد أن روسيا هي اكبر مصدر للغاز عالميا وثاني أكبر مصدر للنفط عالمياً، وهو الأمر الذي دفع التكهنات الاقتصادية باحتمالية تجاوز سعر برميل النفط أكثر من 100 دولار، وبالتالي فإن نشوب حرب بين روسيا وأوكرانيا سينذر العالم بأزمة طاحنة تضرب الطاقة والغذاء.


وإذا ما نظرنا إلى التوجهات المصرية في ذلك الشأن وبنظرة سريعة على صفحة المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية تستطيع أن تطمئن بأن قيادتنا على وعي كامل بقواعد اللعب السياسية الدولية، لتتجه دولتنا بثقة نحو استكمال خطواتها التنموية رغم العثرات المحيطة، لتخطو بثبات نحو تنوع العلاقات والتوازن فيما بينها، والحفاظ على توفر مصادر الطاقة والغذاء إما بالتوجه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، أو تنويع مصادر التوريد الدولية التي تدعمها العلاقات الدولية المتزنة، لتضع نصب أعينها تحقيق صالح الوطن .... وصالح الوطن فقط، لتتغلب الدولة المصرية بعقلانيتها على جنوح وجنون التوجهات الاقتصادية العالمية اللامعقولة.

 

 

 المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 3