كتبت نجلاء محفوظ: وسائل التواصل والفضفضة "وانتظار" الدعم

2022.02.19 - 07:45
Facebook Share
طباعة

 تزايدت الفضفضة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ خاصة التي تطلب الدعم، ويتراوح بين الشكوى من أمور عادية كازدحام الطريق أو مضايقة عند الشراء، ومرورًا ببعض المواقف بالعمل أو مع شركاء الحياة أو الأصدقاء والأبناء؛ تلميحًا أو تصريحًا، ووصولًا بأزمات حادة كالإصابة بمرض شديد أو موت أحد المقربين..

 
لا ننكر أهمية الفضفضة وضررها أيضًا.. تنبع أهميتها من "تخفيف" حدة الضغوط والتوقف عن كبت المشاعر والألم النفسي الذي يضر بصاحبه كثيرا ويجعله كسلك الكهرباء غير المغطى؛ فيثور لأتفه سبب ويضخم الأمور العادية ويتسبب بالمشاكل لنفسه ولغيره، بالإضافة الضرر الصحي. 

 

يكمن ضرر الفضفضة "الزائدة" في زرع الرثاء للذات ومنع النفس من التفكير بالحلول والتركيز على التعاطف "والبحث" عنه وأحيانًا "إدمان" ذلك.

 

من أسوأ ما ينتج عن الفضفضة على وسائل التواصل كشف تفاصيل الحياة الخاصة، "والرغبة" بتصديق طوفان المجاملات بدعوى جبر الخاطر!

 

ولحماية النفس من "تعرية" حياتنا أمام الآخرين؛ فلنستخدم خاصية إظهار بعض المنشورات لبعض الأصدقاء فقط، وإن كنا نفضل الفضفضة مع المقربين في الواقع، وأن تسبقها فضفضة مع "النفس" لتقليل البوح تحت الشعور بالرغبة العارمة بالكلام وكثيرًا ما "نندم" على بعض ما قلناه؛ حتى لو تكلمنا مع مقرب لنا؛ فدومًا يجب الاحتفاظ بأدق التفاصيل لأنفسنا..

 

تتحقق الفضفضة "الواعية" بالواقع فقط؛ فيوضح التواصل "الإنساني" بالصوت أو الوجه ما "قد" تخفيه القلوب؛ ولا يشترط ذلك إساءة النية؛  فالبعض يخفي أحيانًا رأيه الحقيقي "خوفًا" من إغضابنا أو حتى لا نتألم؛ وتكشفه ملامح الوجه والصوت "وتخفيه" وسائل التواصل.

 

أخبرتني سيدة أنها كتبت مشكلتها على وسائل التواصل وتوقعت "وانتظرت" سيلًا من المكالمات أو رسائل على الخاص "لدعمها" وطال انتظارها وحصلت على أقل القليل من الاهتمام الحقيقي والكثير جدًا من الكلمات المعتادة والمحفوظة والمبالغ بها..

 

قلت لها: هل كررت ذلك؟

ردت: نعم؛ لأنني قلت ربما كان الوقت غير مناسب لأغلب الناس؛ "فمروا" سريعًا على مشكلتي "فمنحتهم" فرصًا أخرى!

سألتها: ماذا كانت ردود الأفعال؟

قالت: لدهشتي كانت تتناقص مع كل أزمة أو مشكلة..


قلت لها: توقفي عن انتظار تعاطف اهتمام الغرباء؛ فمعظم علاقات وسائل التواصل مع "غرباء" وإن أطلقنا عليهم أصدقاء؛ فهذا واقع افتراضي وليس واقعيًا؛ والاهتمام ليس بالكم بل بالكيف؛ فإن فزت باهتمام "صادق" وليس مزيفًا من القليل بالواقع فيكفي "ويغنيك" عن زيف وسائل التواصل..

 

ما "يؤلم" في انتظار الدعم من وسائل التواصل أنه "يُعمق" الشعور بالأسى على النفس، وهو أسوأ ما نفعله بأنفسنا؛ خاصة عند المشاكل والأزمات؛ فنحتاج "لزراعة" القوة النفسية ومن أعدائها الرثاء للنفس والبحث عن القوة خارجها..

 

لاحظنا أن  البعض من الجنسين، يبالغ بكتابة تفاصيل "دقيقة" عن حياته، وللأمانة فإن بعض بنات حواء تفعله أكثر، وأصبحن يتعاملن مع وسائل التواصل كما يتعاملن مع الصديقة المقربة؛ ولا يضعن "الفلاتر" قبل الحكي على الملأ..

 

الدعم أنواع كالدعم المعنوي؛ ويتضمن الاستماع باحترام وبتفهم بلا انحياز مسبق والحرص على التشجيع على حل المشكلة، والحذر في استخدام كلمات المواساة وألا تبدو كشفقة "تضعف" من يستمع إليها..

والدعم النفسي إشعار من يفضفض أنه ليس وحيدًا، وهناك من يهتم "بوعي" وبصدق به وسيقف بجواره حتى يحل مشكلته أو يتعافى من محنته..

 

يأتي الدعم العملي  من خلال تقديم حلول أو المساعدة بالتفكير مع الإنصات للحلول التي يفكر بها صاحب المشكلة ليوضح "بأمانة" وبخبرة واقعية عيوبها ومزاياها ليكون على "بصيرة" قبل اتخاذ القرارات..


يشترط في كل أنواع الدعم الود والصدق والإخلاص والابتعاد تمامًا عن المجاملات أو التزلف، "ويغيب" ولا نجده بمعظم الأوقات عند الغالبية العظمى من الردود على الفضفضة على وسائل التواصل؛ فكثيرًا ما يسقط صاحب الفضفضة - من الجنسين - بين "فكي" المجاملات أو الإستخفاف؛ فضلًا عن النصائح "المغلوطة" والمحرضة - بوعي أو دون قصد - والتي تزيد المشكلة وتؤلم بدلا من أن تساعد.

 

لا نطالب بالصراحة المؤلمة - بالواقع وعلى وسائل التواصل - ونرفضها ويجب تغليفها بكلمات لطيفة؛ مع الالتزام بما نثق أنه لصالح المتألم وألا ننصح بما لا نعرفه، وألا نتجاهل أن من ينصحنا ليس أمينًا أو يفتقد للخبرة أو للحكمة؛ وألا نتعجل الفضفضة على وسائل التواصل ونعطي أنفسنا "استراحة محارب"؛ ولو بضع ساعات ننعزل فيها عن الجميع ونستريح جسديًا ونفعل أي شيء يخفف من حدة "احتقان" التعب النفسي.


ويفضل فعل أي شيء يدوي ولو بترتيب الأغراض الشخصية؛ فالاستغراق به "يهدئ" العقل مع الاستماع أو مشاهدة ما نحب "ثم" كتابة ما يؤلمنا لأنفسنا وقراءته بصوت نسمعه وحدنا للتخلص من بعض الشعور بالضغط النفسي، وكأننا نحكي لشخص مقرب؛ وسيحسن ذلك الحالة النفسية ونصبح أفضل وأقل "احتياجًا" للفضفضة، وذلك أفضل من انتظار الدعم وإضعاف النفس وصنع الوجع لأنفسنا، ولنستعن بالله دومًا ولا نعجز، ونفعل أفضل ما يمكننا ولنستعن - فقط - بمن "نوقن" أنه يهتم بأمرنا ولا يرانا "حكاية" يكتب لها تعليقًا ثم يبحث عن غيرها..

 

 

 المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 5