معاناة أهالي حلب مع “الاستثمار” في الأمبيرات

2022.02.19 - 05:03
Facebook Share
طباعة

 تُثقب الآذان عند السير في شوارع مدينة حلب “المظلومة” كما يردد أهلها هذه الأيام محركات الأمبير المنتشرة في كل مكان من دون مراعاة إجراءات السلامة، إذا يستحيل أن تمر في أي شارع أو حي إلا وتسمع كلمات “ارفع القاطع… نزل القاطع… الأمبير مقطوع” بلهجة حلبية تحمل الكثير من الحسرات والأوجاع.


أقل مبلغ تدفعه العائلة لإنارة البيوت المعتمة يتجاوز 40 ألف ليرة شهريا،ً في ظل تقنين قاس بعد أن أصحبت تأتيهم الكهرباء كضيف خفيف بمعدل 2 كل 24 ساعة بحجة دعم الصناعة، التي يشكو أصحابها أيضاً من فواتير عالية وانقطاعات متكررة تزيد من خسائرهم وتدفع بعضهم للتفكير في الإغلاق وبيع المعامل.

 

الحلبيون، الذي لجؤوا إلى الأمبيرات كخيار مؤقت عند حصار مدينتهم وتدمير البنية التحتية وخاصة المحطة الحرارية، لم يعتقدوا أنه سيصبح خياراً إجبارياً، وما تسبب في زيادة الضغوط المعيشية وخاصة أن غالبية أهل المدينة لم يعودوا من أهل المال بعد ما أكلت الحرب أموالهم ومدخراتهم، وهو ما يؤكده جورج برغل “موظف” بقوله: المستفيد الأكبر من سوء الكهرباء هم تجار الأمبيرات وشركائهم الفاسدون، “فما ذنبنا حتى ندفع هذه المبالغ الكبيرة لإنارة بيوتنا بينما يجني أصحاب مولدات الأمبير ملايين الليرات يومياً بلا مراقبة بدليل أنهم يرفعون التسعيرة على هواهم؟”

 

ويستغرب ياسين العدل “تاجر” المقدرة على تأمين احتياجات مولدات الأمبير وخاصة المازوت المقدرة بمليارات الليرات بينما لا تقدر الحكومة على إصلاح العنفات المتضررة في المحطة الحرارية، رغم وعود تنفيذها منذ أربع سنوات، فالجميع بات على قناعة أن هناك حرب خفية ضد مدينتهم يشعر بها كل مواطن حلبي، حيث يفضل المستفيدين إبقاء حلب على وضعها المتردي لغايات في مصلحة جيوبهم”.


أزمة الكهرباء في العاصمة الاقتصادية المتزايدة يومياً سبب حالة من الاحتقان في الشارع الحلبي عند الأهالي والصناعيين، الذين لم يحصدوا سوى وعود تلقى على مسامعهم في كل جولة لوفد حكومي أو اجتماع للمعنيين في المحافظة، بينما على الأرض تعم الظلمة بيوت الحلبيين مع انقطاعات متكررة تعاني منها المعامل وتؤثر على الآلات وخاصة فيما يتعلق بالقطاعين النسيجي والهندسي، وهو ما يؤكده الصناعي محمد صباغ عضو لجنة التصدير في غرفة صناعة حلب، الذي بين أن انقطاعات الكهرباء المتكررة ظهرت منذ شهرين في المدينة الصناعية في الشيخ نجار بسبب أعطال في محولات التغذية الكهربائية ولم يتم صيانتها حتى الآن.


ولفت صباغ إلى الضرر الكبير الذي أحدثه إصدار تسعيرة كهرباء متباينة بين الصناعيين في المدينة الصناعية في الشيخ نجار والمناطق الصناعية، حيث سعر الكيلو الواط في المدينة الصناعية بـ160 ليرة بينما سعر بحدود 290 ليرة في المناطق الصناعية، وهذا تسبب بخلل التنافسية بين الجهتين، إذ أدت هذه الفروقات إلى زيادة تنافسية منتجات المدينة الصناعية عن المنتجة بالمناطق الصناعية الأخرى، ما أدى مع مجموعة الضغوط الأخرى كنقص المحروقات إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتالياً خروج المنتج المحلي من المنافسة في الأسواق الخارجية والداخلية، مطالباً بتوحيد سعر الكهرباء لجميع الصناعيين وتخفيضها لتصبح كأسعار المدينة الصناعية في الشيخ نجار وليس رفعها بطريقة تؤثر على القطاع الصناعي سلباً.


القرار الخاطئ بإصدار تسعيرة للكهرباء تميز بين صناعي وآخر أشار إليه أيضاً نائب رئيس منطقة الكلاسة الصناعية محمد قرموز، الذي استغرب إصدار مثل هذا القرار، فلا أحد من الصناعيين يعرف السبب وراء إصدار تسعيرة كهرباء “تميزية” باستثناء التشجيع على الانتقال إلى المدينة الصناعية في الشيخ نجار، وهذا خطأ أخر كون أغلب المنشآت في منطقة الكلاسة الصناعية، هي منشآت صغيرة ومتوسطة ولا يقدر أصحابها على تأسيس معامل في المدينة الصناعية، بالتالي من الأجدى إصدار تعرفة كهرباء موحدة وتخفيضها لمساعدة الصناعيين على مواصلة الإنتاج.


وطلب قرموز معالجة مشكلة انقطاع الكهرباء المتكررة في المنطقة الصناعية في الكلاسة التي تعد من أقدم المناطق الصناعية عند الرغبة بتحسن الواقع الانتاجي، إذا تنقطع كل خمس دقائق لتستقر فجأة الساعة الواحدة ظهراً من دون معرفة الأسباب.


يختلف الصناعي جاك حديد جزئياً مع زميليه الصناعيين بتأكيده أن معمله الكائن في المدينة الصناعية في الشيخ نجار يزود بالكهرباء بطريقة مقبولة قياساً بالظروف القائمة، فالكهرباء في الفئة الأولى والثانية تعد جيدة لكن المشكلة في باقي الفئات، لكن الإشكالية الصادمة للصناعيين حسب قوله تكمن بقيمة فواتير الكهرباء المرتفعة، فسابقاً كان يدفع 5 ملايين ليرة، واليوم فوجئ بفاتورة تبلغ 60 مليون ليرة، مطالباً بإيجاد حل لهذه الإشكالية التي تزيد من الواقع الصناعي سوءاً.

ليس باليد حيلة..؟!


تذمر أهالي حلب وصناعييها من تردي الواقع الكهربائي، ويبدو أن المسؤولين قد اعتادوه وألفوه، فلا يوجد باليد حيلة كما ألمح مدير الكهرباء بحلب محمود خطاب لمعالجة واقع الكهرباء بقوله: سوء الكهرباء بحلب ينطبق على جميع المحافظات، فاليوم حصة حلب لا تتجاوز 200 ميغا واط بينما حاجتها تبلغ 850 ميغا واط”، لذا لا يبدو متفائلا بتحسنه قريباً إلا إذا وضعت عنفات المحطة الحرارية في الخدمة أو تنفيذ الوعد الحكومي بتحسن الكهرباء خلال النصف الثاني من العام الحالي.


وفي حين يرى أكثر خبراء الاقتصاد خبرة وحتى المسؤولين أن الانتاج هو الحل للخروج من المأزق الاقتصادي يضع مدير كهرباء حلب الحق على الصناعة في التردي الكهربائي، فبرأيه دخول معامل جديدة إلى الخدمة يتسبب بزيادة الحمولة على الشبكة بينما كمية التوليد قليلة، وهذا يدفع ثمنه المواطنين في المناطق السكنية.


ولفت خطاب إلى المدينة الصناعية في الشيخ نجار مدللة كهربائياً، مبشراً الصناعيين بأن اعتراضاتهم حول التسعيرة المتباينة ستحل بإصدار قرار يوحد التسعيرة لكل الصناعيين قريباً على أن تبقى تسعيرة معامل صهر الحديد على التسعيرة ذاتها، وبالمقابل اعتبر أنه لا يمكن إعفاء الصناعيين من دفع فواتير الكهرباء العالية لكن يمكن تقسيط المبلغ على دفعات كنوع من المساعدة بموجب اتفاق بين الطرفين.

 

يبقى السؤال الذي يدور في ذهن كل مواطن حلبي، لما التأخير في إصلاح المحطة الحرارية الموعودين بوضعها في الخدمة منذ ثلاثة أعوام.. ولا نتائج حتى الآن باستثناء وعد جديد بإنجازها خلال الأشهر القليلة القادمة، ولا أفق تفاؤلية تشيء بإنجاز هذه الخطوة الهامة، التي تعد الحل النهائي لمشكلة الكهرباء في حلب، فمن المسؤول عن تشديد طوق الحصار الداخلي حول العاصمة الاقتصادية وإبعادها عن دورها الصناعي والتجاري؟.. فصناعيو حلب قادرون على تجاوز آثار الحصار الخارجي إذا حصلوا على الدعم اللازم لكن ظلم ذوي القربى يبقى أشد مرارة وقسوة!

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 7