كتبت رزان شوامرة: في الصمت الصيني "المُرعب" إزاء الأزمة الأوكرانية

2022.02.18 - 08:33
Facebook Share
طباعة

 ما هو موقف الصين من الأزمة الأوكرانية، وهل تقف سياسيًا ودبلوماسيًا وربما عسكريًا إلى جانب روسيا في حال اندلاع حربٍ أم لا؟ وهل تنعكس نتائج الأزمة على سياسات الصين تجاه تايوان في الأيام المقبلة؟ قبل الإجابة، يجب أولًا فحص طبيعة العلاقة بين الصين وروسيا، والبحث في نقاط التقارب والاختلاف بينهما، ومن ثم تحليل أدوات الإستراتيجية الصينية وسياساتها عالميًا كدولة صاعدة، وهذا يساعد في اكتشاف مدى رغبة الصين في التدخل المباشر من عدمها.


لفهم طبيعة العلاقة بين الطرفين، علينا أن ندرك أنها تندرج تحت "التقارب" وليس "التحالف". وقد تنامت هذه العلاقات بين موسكو وبكين منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وتبنّي الطرفين إستراتيجية "خطابية" موحدة تدعو إلى إنهاء النظام الأحادي القطبية، لصالح تعدّدية قطبية فيها توزيع القوة في النظام الدولي مع واشنطن. وعمليًا، شاركت الصين وروسيا في إنشاء تكتلات دولية تعتبر "نظاما موازيا" للنظام الليبرالي الأميركي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وعزّز من مكانة أميركا. تشارك البلدان في إنشاء منظمة شنغهاي عام 1996، والتي هدفت بالأساس إلى محاربة الإرهاب وتعزيز الأمن إلى جانب تفعيل العلاقات الاقتصادية في الإقليم. وفيما بعد، رفعت شعار رفض الأحادية القطبية، والذي تبنته جميع الدول الأعضاء في المنظمة، الصين، روسيا، دول آسيا الوسطى، إيران، وتركيا العضو الشريك بالحوار. اللافت هنا أن المنظمة رفضت طلب انضمام واشنطن، وذهبت إلى أبعد من ذلك، رافضةً انضمام اليابان بإعتبارها حليف واشنطن الرئيسي في آسيا. إضافة الى ذلك، قامت روسيا بالاستثمار في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية والذي نشأ عام 2013، ويعدّ بديلًا عن البنك الدولي، وتبنّى سياسات إقراضية نقيضة تمامًا لسياسات البنك الدولي فيما يتعلق بتغيير طبيعة الأنظمة السياسة والاقتصادية للدول المقترضة. ثم هناك مبادرة روسيا في إنشاء منظمة البريكس (BRICS) التي ضمت مجموعة الدول التي تسعى إلى الحصول على موقع ومكانة دولية تنافسية كالهند والبرازيل. تحدّت "البريكس" الهيمنة الأميركية على جبهتين: مواجهة هيمنة الدولار الأميركي من خلال استخدام نظام المقايضة أو العملات المحلية في التبادل التجاري، ودخول الصين وروسيا إلى الأسواق البرازيلية بقوة، وهذا يعني منافسة أميركا في عمقها الجغرافي وساحتها الخلفية.


على الرغم مما سبق، هناك تخوفات أمنية واقتصادية متبادلة بين البلدين وحسابات معقدة، خصوصا من روسيا التي ترى الصين "قوة يُحسب لها حساب". روسيا تعاني من "انعدام غريزي للأمن" وتشك في الدول الأخرى جميعا، كما ورد في وصف السياسة الروسية الذي سجله الملحق السياسي في السفارة الأميركية في موسكو جورج كينان قبل 76 عاما، في أطول برقية في التاريخ، وأشار فيها إلى أن هذا ينطبق على علاقة روسيا بالصين. وهناك شواهد عديدة للمنافسة بين الطرفين، وخصوصا في آسيا وتحدّيات تواجههما. هناك أولا الخوف الروسي من زيادة الحكومة الصينية أعداد الصينيين على الحدود مع روسيا، والتي تعدّ من أطول الحدود البرّية بين دولتين، ووصل عدد الصينيين 150 مليونا مقابل 15 مليون روسي. هناك أيضا الحذر الروسي في التعامل مع التكنولوجيا الصينية الأمنية والعسكرية، إذ على الرغم من تنامي التدريبات العسكرية وصفقات السلاح بين الطرفين، تمتنع وسكو عن بيع أحدث أجهزتها العسكرية إلى بكين، مثل نظام الدفاع الصاروخي S-400 والطائرة المقاتلة SU-35. وفيما يتعلق بالمفاوضات الاقتصادية بين الطرفين لتحسين وضع روسيا بعد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أميركا عليها، وجدت روسيا في الصين شريكا صعب المراس "ولا يعرف التسوية". يُضاف إلى ذلك أن موسكو أعلنت في عام 2019 عن طريق الحرير الروسي (مريديان)، والذي اعتبره بعضهم منافسًا لطريق الحرير الصيني؛ لأن روسيا تستهدف الأسواق ذاتها، وتستثمر في مشاريع البنية التحتية للدول المستهدفة. وفي القطب الشمالي، انتقدت روسيا الإعلان الصيني عن مطالبها وحقوقها فيه، وغيرها من تحدّياتٍ يصعب حصرها هنا. ومن الممكن القول إن "ضرورة" مواجهة الهيمنة الغربية هي التي أوجدت التقارب بين "صديقين لدودين"، يصعب تخيّل تطور تحالف إستراتيجي بينهما، خصوصا إذ تتجاوران جغرافيا، وكلاهما يمتلك أسلحة نووية، وله تطلعات عالمية اقتصادية وإستراتيجية مختلفة.


في ضوء ما تقدّم، ما هو الموقف الصيني من الأزمة الأوكرانية، وما هي دلائل ما يمكن تسميته "الصمت الصيني المُرعب"؟ استراتيجية صعود الصين الرئيسية، المعلنة، هي "الحوار لا المجابهة، الشراكة لا الانحياز"، وعلى الرغم من الموقف الصارم الذي اتخذته الحكومة الصينية في الأزمة الأوكرانية لا يمكن أن يفسّر انحيازا للجانب الروسي وموافقة الصين على احتلال أوكرانيا، فللصين حسابات دولية تأخذها بالاعتبار في مواقفها من الأزمات الدولية. وفيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، هذه هي المرة الأولى التي تنتقد فيها الصين سياسات توسّع حلف الناتو شرقًا بالقرب من الحدود الجغرافية لروسيا، والثانية التي تصف فيها الصين سلوك واشنطن بالتمسّك بـ "عقلية الحرب الباردة". في السياق نفسه، طالب وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، بالأخذ بمخاوف روسيا الأمنية على محمل الجد. وانتقد السفير الصيني في الأمم المتحدة، تشانغ جون، خطاب واشنطن الذي يتهم روسيا بأنها تهدّد الأمن والسلم الدوليين، ووصف سياسة أميركا في مجلس الأمن وطلبها بعقد جلسة لمناقشة ما يحدث في أوكرانيا بأنها سياسة مكبّر الصوت Megaphone Diplomacy. وفيما يتعلق بالإعلام الصيني، والذي يعكس بالضرورة ردود الفعل الصينية الرسمية، فقد اعتبر أن أميركا تمارس دور "الفتوة" في رفضها احترام سيادة الدول، كالصين وروسيا. ونشرت global times الصينية مقالاتٍ عديدة تنتقد السياسة الخارجية الأميركية، إذ ذكرت في إحداها أن واشنطن تحتاج للأزمة الأوكرانية من أجل إلحاق ضرر بالاقتصاد الأوروبي، وإضفاء شرعية على وجودها العسكري، من خلال شيطنة روسيا وتسميم العلاقات ما بين الأخيرة والاتحاد الأوروبي.


انتقد الغرب الصين لعدم قيامها بأي دور واضح في حثّ روسيا عن التراجع، ودعا رئيس الوزراء الأسترالي الصين إلى عدم التزام "الصمت المرعب" بشأن الأزمة. وأملت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة أن يلعب الصينيون دورًا في تشجيع الروس على "فعل الشيء الصحيح". رد السياسيون الصينيون على ذلك بالقول إن واشنطن تدبّر فخا للصين، فإذا تبنّت بكين ادعاءات واشنطن فسيؤثر ذلك على العلاقات الصينية الروسية. لكن، الأهم من الانتقادات الغربية هو الحسابات الصينية وما تريد بكين فعله، ويمكن فهم ذلك كالآتي: أولًا، ليست الصين طرفًا من الأزمة، ودورها الفعلي كما تراه هو الدعوة إلى إنهاء الصراع عبر الأمم المتحدة. ثانيًا، أهمية البحار في الفكر الإستراتيجي الصيني عامل مهم يجعل الصين "تصمت"، إذ تحتاج الصين من أجل الوصول إلى ميناء فلاديفوستك الروسي المرور عبر الطرق البحرية المسيطر عليها من أميركا واليابان، ولا تريد الصين أن تخسر هذا. ثالثًا، تهدف الصين إلى الوصول إلى الأسواق الأوروبية والأميركية، وترى أن السوق الروسية محدودة مقارنة بالغربية، فالاصطفاف بجانب روسيا من الممكن أن يؤدّي إلى إحداث توتر في العلاقات مع الشريك الصيني الأكبر في العالم، أميركا، ومع الشريك التجاري الثاني وهو الاتحاد الأوروبي، وأيضًا من الممكن أن يؤدي إلى زيادة في الدعم الأميركي لتايوان كرد فعل. رابعًا، لا يمكن أن تتدخل الصين عسكريًا إلى جانب روسيا في حال اندلاع حرب عسكرية، ما يعود إلى عدة أسباب، منها أن أولوية الصين تأمين سيطرتها وصعودها في محيطها الإقليمي، وليس الدخول في أزمات دولية في مناطق جغرافية أخرى. كما أن الصين تعترف بالنظام الأوكراني، وترفض التدخلات الأجنبية في السياسات الداخلية للبلدان. ويُضاف إلى ذلك أن الصين تعاني من أزمة في "قوتها الناعمة" وصورتها في العالم، وتسعى جاهدة إلى تطويرها، فلن تقوم بأي عمل قد يشكّل ضررًا على صورتها دولةً صاعدة عصرية جاءت لخدمة الإنسانية، كما تقول.


وهناك المسألة المهمة، انعكاسات الأزمة الأوكرانية على تايوان ونظرة الصين لها. في زيارة له، أخيرا، إلى أستراليا، قال وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن: "يراقب الآخرون، ويتطلع الآخرون إلينا كيف نرد". ترى واشنطن أنه سيكون للأزمة الأوكرانية ارتدادات على تايوان، وأن الصينيين يراقبون اليوم كيف ستردّ واشنطن على روسيا. وبالتالي، سيتشكل لديهم تصوّر عن رد الفعل الأميركي في حال انتهجت الصين أي سياسة "عدائية" تجاه تايوان. أكد بلينكن، في زيارته، على أن واشنطن متمسّكة في سياسة التوجه شرقًا حتى لو حدثت حرب في أوروبا. والتقى في زيارته قادة جزر المحيط الهادئ لمناقشة القضايا الأمنية. ويسعى الرئيس الأميركي، بايدن، في الأسابيع المقبلة إلى استضافة قادة دول جنوب شرق آسيا. ومن الممكن أن يقودنا هذا التحرّك الأميركي إلى جنوب شرق آسيا في ذروة الأزمة الأوكرانية إلى إعادة دراسة "مركزية أوروبا" في الإستراتيجية الأميركية في القرن الحادي والعشرين.


المهم هنا، وفيما يتعلق بسؤال إن كانت الصين ستشن أي حرب ضد تايوان، أو حتى التدخل العسكري بجانب روسيا، يقول غراهام أليسون في كتابه "حتمية الحرب"، إن الحرب بالنسبة للصينيين نفسية وسياسية قبل أن تكون عسكرية. وترى الصين أنه يجب استنزاف "الهمج" (كل شعوب الأرض، حتى الروس، عدا الصينيين) ماديًا ومعنويًا في مواجهة بعضهم بعضا في سباق يخسر فيه الجميع باستثناء الصين. وينتهج الصينيون سياسة الصبر ومراكمة المكاسب النسبية في لعبة طويلة الأمد، كما فعلت في بحر الصين الجنوبي. وفي كتابه "فن الحرب"، يقول الفيلسوف والجنرال العسكري الصيني سن تسو "أرقى أنواع النصر أن تهزم العدو من دون قتال". الصين تراقب الأزمات الدولية وكيف تتعاطى معها أميركا وستجري تحليلا للقوة الأميركية في كل أزمة، من دون أن تتدخل مباشرة.

 المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 1