بعد 50 عاماً من الامتيازات.. قانون المنافسة يهدد الوكالات الحصرية

2022.02.12 - 04:22
Facebook Share
طباعة

 ينتظر مجلس النواب اللبناني، في 21 فبراير المقبل، استحقاقاً تشريعياً قد يغير في شكل الاقتصاد اللبناني، لكنه سيكون مزعجا لدى قلّة من المنتفعين الذين تمتعوا بحماية رسمية من الدولة اللبنانية طيلة 55 عاماً.

ومن المنتظر أن يصوت المجلس النيابي اللبناني على "قانون المنافسة" المطروح في الجلسة العامة المقبلة، والذي يتضمن بند إلغاء الوكالات الحصرية نهائيا.

وبدأت قصة هذه الوكالات عام 1967، حين كرسها القانون بموجب المرسوم الاشتراعي الرقم 34 تاريخ 5 أغسطس 1967، الذي قدم حماية قانونية لعدد من التجار، تسمح لهم بحصرية تمثيل الشركات والعلامات التجارية على الأراضي اللبنانية، وبالتالي تمنع أي جهة أخرى من استيراد أو توزيع منتجات وسلع من تلك العلامات التجارية إلا أصحاب الوكالة الحصرية.

وعرف الممثل التجاري بأنه "الوكيل الذي يقوم بالمفاوضة لإتمام عمليات البيع والشراء، أو التأجير الخدمات أو تقديمها، ويقوم، عند الاقتضاء، بهذه الأعمال باسم المنتجين أو التجار ولحسابهم. ويجب أن يكون العقد خطيا لمدة محددة أو غير محددة، ولا يسري حصر التمثيل الا إذا أعلنه الوكيل بقيده في السجل التجاري".

وجاء القانون كامتياز رسمي للتجار، أدى إلى استئثار عدد قليل من الشركات التجارية بحجم كبير من السوق اللبنانية وسيطرتهم التامة على قطاعات كاملة.

وبحسب إحصاء مقدم من "الدولية للمعلومات" لا يزيد عدد أصحاب الوكالات الحصرية في لبنان عن 300 شخص فقط، يحتكرون استيراد وتوزيع 2335 سلعة بحسب ما تظهره عقود الوكالات الحصرية المسجلة لدى وزارة الاقتصاد اللبناني بين عامي 2005 و2018.

هذا الأمر تسبب في حالة احتكار للسوق اللبنانية، من قبل بعض الشركات، حيث قدر البنك الدولي عام 2007، الريع الناتج عن الاحتكارات في لبنان بأكثر من 16 بالمئة من الناتج المحلي، وهي نسبة تتخطى مساهمة القطاع الصناعي بمجمله في الناتج المحلّي.

ومنذ عام 2020 وإلى الآن، يشهد لبنان أزمة انقطاع حادة في الأدوية والمستلزمات الطبية، ناتجة عن تداعيات الأزمة الاقتصادية وانهيار الليرة اللبنانية.

وتستحوذ 10 شركات أدوية على 90 بالمئة من السوق، وتمتلك خمس شركات كبرى 53 بالمئة من سوق الأدوية المستوردة، فإن هذه الشركات استأثرت بالحجم الأكبر من دعم مصرف لبنان للأدوية المستوردة الذي كان يفترض أن يصب في مصلحة التخفيف على المواطن والمستهلك، وتبلغ نسبته 85 بالمئة.

في المقابل كانت شركات استيراد الأدوية أول من تخلت عن مسؤولياتها خلال الأزمة، إذ قررت عند أول خلاف حسابي بينها وبين مصرف لبنان (يوليو 2020)، التوقف عن استيراد وتسليم وتوزيع الأدوية إلا بعد تقاضي ثمنها، تاركة البلاد أمام أزمة انقطاع في الأدوية وحليب الأطفال، أدت إلى معاناة آلاف وموت عشرات، ولا يزال اللبنانيون يعيشون فصولها حتى اليوم.

ما يحصل في قطاع الدواء يسري على كل القطاعات الخاضعة للوكالات الحصرية في لبنان، الأمر الذي جعل إلغاءها مطلباً دوليا، دعمه الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.

وفي عام 1975 خضع القانون لتعديلات وألغى الوكالات الحصرية عن المواد الغذائية، وبموجب المرسوم رقم 2339 عام 1992، تم تحديد المواد التي لا تعتبر من الكماليات والتي لا يسري عليها حصر التمثيل التجاري أي لا تسري عليها الوكالات الحصرية وهي المواد الغذائية للاستهلاك البشري والحيواني بجميع أسمائها وأنواعها وأصنافها، ومواد التنظيف ومساحيق الغسيل، دون التطرق للدواء الذي بقي مصنفاً ضمن "الكماليات" حتى اليوم.

عام 2002 أقر مجلس الوزراء اللبناني برئاسة رفيق الحريري، عدة مشاريع قوانين ومراسيم تهدف الى منع الاحتكار في مجال استيراد السلع على اختلافها بما فيها الدواء والمشتقات النفطية وتشجع على المنافسة. وطرح على مجلس النواب مشروع قانون يقضي بإلغاء الوكالات الحصرية مقابل إعطاء أصحاب هذه الوكالات حق تقاضي مبلغ يعادل 5 بالمئة من قيمة البضائع والسلع التي تشملها الحصرية وذلك لمدة خمس سنوات. وبعد سنتين من المماطلة والدراسة أقر مجلس النواب القانون والغى رسم الـ 5 بالمئة الذي اقترحته الحكومة.

وكان المجلس النيابي اللبناني قد شهد في ٧ فبراير جلسة مناقشة حادة بين اللجان النيابية المشتركة، التي تعمل على إخراج الصيغة النهائية لقانون المنافسة، انقسم فيها نواب الحزب الواحد في مواقفهم من المادة الخامسة المتعلقة بإلغاء الوكالات الحصرية.

ويتركز البند الخلافي حول التعويضات على أصحاب الوكالات الحصرية، الذين يعملون منذ سنوات طويلة وفق هذه الوكالات في لبنان، وإذا ما كان يجب الحجز على العلامات التجارية ووقف إدخالها إلى حين تعويض الشركات الأم على الوكيل أم لا. في حين أيضا جرى نقاش فكرة التعويض على أصحاب الوكالات.

من جهته حاول النائب سمير الجسر من جهته، وبناء على طلب اللجنة النيابية، إيجاد مخرج قانوني للمادة الخامسة من خلال تقسيمها إلى 6 بنود، لكن البعض رأى تعديلات الجسر إفراغاً للقانون من مضمونه واستمرار الحماية الرسمية للوكالات الحصرية. في النهاية وعلى أثر عدم التوافق على الفقرة المتعلقة بالوكالات الحصرية، أحيلت المادة الخامسة من قانون المنافسة إلى الهيئة العامة لمجلس النواب للتصويت عليها.

يذكر أن جلسة السابع من فبراير في مجلس النواب اللبناني، كانت قد كشفت عن احصائية عرضها وزير الاقتصاد أمين سلام، إذ تبين خلال تقديمه لعدد الشركات التي تحمل وكالات تجارية حصرية، التي يبلغ عددها 3330، أن الشركات التي تدفع الرسوم المتوجبة عليها يبلغ 316 فقط، فيما يبلغ عدد الوكالات الحصرية المشطوبة 3014 وكالة، وهي تشطب عادةً لعدم دفعها الرسوم السنوية، عدم تجديد العقد، أو تبعاً لأحكام قضائية.

إلا أن هذه الشركات المتخلفة عن الدفع، لا تزال تمارس حقها الحصري باستيراد بعض المنتجات حتى اليوم، ولا تزال مسجلة في السجل التجاري، وتمنع غيرها من الاستيراد عن طريق قاضي الأمور المستعجلة عبر دعاوى قضائية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 7