عبد القادر لطرش: تطلعات الشعوب العربية لعام 2022

2022.01.08 - 07:13
Facebook Share
طباعة

 إلام يتطلع العرب مع قدوم السنة الجديدة 2022؟ هل لهم تطلعات؟ ما هي طبيعتها؟ وهل للعرب تطلعات خاصة بهم؟ وهل تطلعات العرب متجانسة أم أن لهم تطلعات متباينة؟ وهل هناك تطلعات مشتركة بين البلدان العربية؟ وما هو دور المؤسسات الرسمية في تحقيق تطلعات الشعوب العربية؟


تتطلع الشعوب العربية، بصفة طبيعية، على الرغم من تنوّع خصائصها السكانية وأنماطها التنموية ونظمها الاجتماعية والثقافية وتفاوت مداخيلها، إلى غد أفضل، يضمن لها ولأبنائها العيش الكريم في أوطانهم، ويحيي لها أمجادها، ليشهد بذلك هذا التفاؤل على أمل الشعوب العربية بالحياة. إنها النظرة التفاؤلية الموروثة، والتي تشترك فيها كل الشعوب العربية. ولكن مع توسّع خريطة الحروب والنزاعات والعنف في دول عربية عديدة، وارتفاع عدد المهجّرين والنازحين وتدنّي الأوضاع الاقتصادية، وتراجع وظائف الدولة، تغيرت طبيعة تطلعات الشعوب العربية، وتراجع منسوب التفاؤل لدى فئات واسعة من العرب، وتبرز تطلعات جديدة أكثر تشاؤما لدى عرب اليوم، مقارنة بتطلعات عرب الأمس، تطلعات أصبح يرتبط فيها الغد القريب بالآخر وبهجرة الأوطان مهما تعدّدت السبل. لكن هذا لا يعني أن التطلعات المستقبلية للعرب قد تكون متفائلة أو متشائمة، بل قد تجمع بين النظرتين.


تطلعات الشعوب العربية، على الرغم من التحدّيات التي واجهتها وتواجهها الأمة من هزائم وإحباطات وانتكاسات وخيانات متتالية، ترتبط بإيمانها بانتمائها العربي. انتماء لا ينطلق من مقومات أيديولوجية أو حزبية أو زعامات كما كان في ستينيات القرن الماضي أو سبعينياته، بل إلى الإحساس المشترك بالانتماء إلى منطقة تحكمها وتجمعها عوامل مشتركة، كالتاريخ والدين واللغة، فالبعد العربي، وإن تراجع الإيمان به عند بعض الساسة وبعض النخب ما زال موجودا في وجدان الشعوب.


وتجمع تطلعات الشعوب العربية التي تهدف إلى تحقيق مستقبل أفضل وحياة كريمة بين تطلعات مختلفة، ترتبط بتأثيرات واقع الشعوب، فعلى سبيل المثال، يرتبط الغد الأفضل بالنسبة للنازحين في سورية واليمن والسودان بتوقف الصراع المسلح والعودة إلى الأوطان والتمتع بمقومات العيش الكريم ومرتكزات الحياة الأساسية. أما بالنسبة لتطلعات الشعوب العربية التي تعرف حراكا سياسيا أو مراحل انتقالية فغدها الأفضل يرتبط بميلاد عقد اجتماعي جديد، يقوم على المواطنة ومشاركة الجميع في المشهد السياسي من دون تمييز أو إقصاء، فضلا عن رفع القدرة الشرائية للجميع، يضاف إلى ذلك تحقيق دولة العدالة الاجتماعية. وقد يرتبط الغد الأفضل لشعوب عربية أخرى بتحقيق مزيد من الرفاهية والتقدّم كما هي الحال بالنسبة للدول ذات الموارد النفطية، ولكن هذا لا يعنى أن طموحات شعوب هذه الدول لا تشترك مع تطلعات بقية الشعوب العربية.


وعلى الرغم من تعدد مضامين تطلعات الشعوب العربية، ثمة تماثل بين تطلعات بعض الفئات المجتمعية على تنوع نظمها السياسية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال، يتطلع الشباب في مختلف الدول العربية إلى مزيد من الفرص التعليمية وفرص العمل لضمان اندماجهم الاقتصادي المستقبلي في مجتمعاتهم، يضاف إلى ذلك التطلع إلى مزيد من فرص التمكين الاقتصادي ودعم المبادرات الشبابية، فضلا عن توسع فرص المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية. وتشكّل تطلعات النساء اللواتي يطمحن إلى مزيد من التمكين والمشاركة المجتمعية والسياسية والاقتصادية أحد مجالات وحدة تطلعات الشعوب العربية كذلك. يضاف إلى ذلك تطلع الأقليات التاريخية التي تعيش في البلدان العربية إلى غدٍ أفضل يصون لها خصوصياتها، ويؤمن لها العيش الكريم مع باقي مكونات المجتمع، كما كان ذلك في الماضيين، القريب والبعيد.


التفاؤل والتشاؤم هما وجهتا نظر الإنسان الفلسفية للحظة، والحياة اليومية، والمجتمع ومؤسساته، بل وحتى العالم. وبغض النظر عن طبيعة التفاؤل والتشاؤم، فإنهما يحثّان الفرد على العمل والنضال، بل وحتى التغيير، وخصوصا تغيير أوضاعه. لأجل هذا تعيش الشعوب، بما فيها الشعوب العربية.


تتجسّد تطلعات الشعوب العربية وآمالها إلى العيش الكريم في بلدانها يوميا في كل البلدان وفي كل الأوضاع، وعلى الرغم من كل التحديات. ولعلها تشهد على ذلك إبداعات المهجّرين في مناطق النزوح، وإنجازات الفلاحين وكدّهم، وهم الذين حوّلوا الصحراء إلى واحة في حالات عديدة. يضاف إلى ذلك توسّع نشاط المقاولات في القطاع الخاص في مجالات اقتصادية عديدة، ونجاحات المبدعين العرب في المجالات العلمية الحديثة، وتعدد إبداعات الشباب في مجالات عديدة، وحيوية المجتمع المدني ونضالاته، واستمرار المقاومات السلمية من مختلف مكونات المجتمع، على الرغم من القيود والمضايقات، وصمود المجتمعات المتواصل أمام أزمات وانتكاسات عديدة. ولكن ما يميز جميع هذه الإنجازات أنها تبدو من صنع الأفراد والجماعات بالدرجة الأولى. وهذا لا يعنى أن الشعوب هي التفاؤل، وأن الدولة ومؤسساتها هم التشاؤم، بل إن الدولة التي تدعو الناس إلى التفاؤل لا تقدّم إلا التشاؤم للشعوب في حالات عديدة، فالشعوب العربية، على الرغم من طبيعتها المتفائلة، لم تجد في ممارسات الدولة إلا الدعم المحدود، ما قد يدفعها إلى التشاؤم، ليعبر التشاؤم أكثر عن موقف رافض لطبيعة إدارة الشأن العام في بلدان عربية عديدة.


لن تختلف تطلعات الشعوب العربية لسنة 2022 عنها في سنوات سابقة، بل تعي الشعوب العربية التي تؤمن بالغد وبالمستقبل أن بلدانها هي بلدان الفرص، حتى وإن عجزت السياسات عن تجسيد تلك الفرص أو دعمها منذ الاستقلال، وهذا يجعلها دوما في تفاؤل محسوب، وليس بالتفاؤل المفرط، تفاؤل يرتبط بالبذل وبالتضحيات.


كانت تداعيات الوباء على واقع اقتصاديات بلدان عربية عديدة متعدّدة، خصوصا على أسواق العمل التي خسرت ملايين من مناصب الشغل. وقد جاء هذا الوضع ليرهن الواقع الاقتصادي والاجتماعي لفئات اجتماعية عديدة في العالم العربي، ويوسّع الهشاشة الاقتصادية فيها، ما سيوسّع، لا محالة، من مساحات التشاؤم لدى فئات متعدّدة. لذا لا تكفي آمال العرب في الحياة، خصوصا في ظل الأزمات الاقتصادية الحادّة. لذا، على مؤسّسات الدولة في البلدان الأكثر تضرّرا من الوباء العمل على تجسيد التفاؤل، بعيدا عن حرصها المتواصل على نشر الانطباع بالتفاؤل من خلال دعم الفئات المتوسطة والهشّة، بعيدا عن نشر الأرقام والمؤشّرات، فتطلعات الشعوب العربية، وإن كانت واقعية، ليست كافية وحدها لبناء المستقبل، بل يجب أن تترافق بتدخلات مؤسساتية ومستدامة، من أجل التقليل من الإحباطات المجتمعية التي تعدّدت منذ بداية انتشار جائحة كورونا.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 4