ما وراء الاتفاق اللبناني على تقدير خسائر القطاع المالي

2021.12.15 - 07:59
Facebook Share
طباعة

 في خطوة تستهدف بها الحكومة اللبنانية التفاوض على برنامج دعم من صندوق النقد الدولي، صرح نائب رئيس الوزراء اللبناني، سعادة الشامي، إن المسؤولين اللبنانيين اتفقوا على تقدير حجم خسائر القطاع المالي في البلاد بما يتراوح بين 68 و69 مليار دولار، لكنه نبه إلى أن الرقم يستند إلى بعض الافتراضات التي قد تتغير.


ويرى خبراء اقتصاد أن الاتفاق على حجم الخسائر يعتبر خطوة أولى ضرورية للحكومة اللبنانية مع سعيها للتفاوض على برنامج دعم من صندوق النقد الدولي.


وقال الشامي، في تصريحات صحفية أمس الثلاثاء، إن الأرقام تستند إلى "بعض الافتراضات... وإذا تغيرت تلك الافتراضات سيتغير حجم الخسائر أيضا". ورفض الخوض في مزيد من التفاصيل.


وأدت الخلافات حول حجم الخسائر بين مصرف لبنان المركزي والبنوك التجارية والحكومة العام الماضي 2020،  إلى انهيار مفاوضات الحصول على برنامج دعم من صندوق النقد الدولي يُنظر إليه البعض على أنه ضروري للبدء في إخراج لبنان من أسوأ أزماته منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.


وعلى صعيد آخر، نقلت الوكالة الوطنية للإعلام أن مصرف لبنان المركزي سيزود البنوك بحصتها النقدية لما تبقى من ديسمبر/ كانون الأول بالدولار الأميركي بدلا من الليرة في إطار إجراءات لكبح تراجع حاد في العملة المحلية.


وأضافت الوكالة الرسمية أن البنك المركزي سينظم سداد القروض التجارية بالعملات الأجنبية نقدا بالليرة اللبنانية على سعر ثمانية آلاف ليرة للدولار.


ومن المأمول أن يساعد ذلك "على خفض الطلب على الدولار ويزيد الطلب على الليرة اللبنانية في الأسواق"، حسبما ذكرته الوكالة.


ويأتي هذا الاتفاق بعد أسبوع من زيارة وفد صندوق النقد الدولي، الذي أعلن عن استعداده لمساعدة لبنان على برنامج متكامل يمكنه من مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة، ويشمل برنامج التعافي الإصلاحات في المالية العامة، وقطاع المصارف ومصرف لبنان، والإصلاحات الهيكلية، والسياسة النقدية.


وأكد المدير المساعد لصندوق النقد تانوس أرفانيتيس للرئيس اللبناني ميشال عون «استعداد الصندوق للاستمرار في مساعدة لبنان على وضع برنامج متكامل يمكنه من مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة»، لافتاً إلى أن «مثل هذا البرنامج يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف الحكوميين والسياسيين والتوافق فيما بينهم لدعم الخطة الاقتصادية الشاملة والمتكاملة التي تعيد الثقة بالواقع الاقتصادي اللبناني».


في المقابل، أكد الرئيس اللبناني «التزام لبنان بوضع خطة إصلاحية قابلة للتنفيذ والتعاون مع صندوق النقد الدولي من أجل إقرارها بسرعة من خلال المحادثات التي ستجري بين الجانبين اللبناني والدولي».


وكانت حكومة الرئيس حسان دياب قد أقرت في 30 أبريل (نيسان) من العام الماضي خطتها الاقتصادية - المالية وتضمنت إصلاحات طالت إدارة الدولة، والسياسة المالية، والقطاع المالي، والمصرف المركزي، والحساب الجاري، وميزان المدفوعات. وبدأت المفاوضات مع ممثلي صندوق النقد الدولي في مايو (أيار) من العام الماضي، لكن برز اختلاف في الأرقام المتعلقة بالقطاع المالي والمصرفي بين أرقام مصرف لبنان وأرقام وزارة المالية.


وتوقفت المفاوضات مع استقالة حكومة حسان دياب في أغسطس (آب) من عام 2020 واستكملت خلال الفترة القليلة الماضية، وانتهت أمس الثلاثاء بالاتفاق.

وصندوق النقد الدولي هو مصرف أو تعاونية مصرفيّة دوليّة تمارس مهام المصرف المركزي الدولي. ويقدم الصندوق نفسه، كما ورد في تقريره السنوي لعام 2021، بأنه منظّمة تهدف إلى «تعزيز التعاون النقدي العالمي»، وأن مهمّته «ضمان استقرار النظام النقدي الدولي». 


وفي سبيل هذه المهمة يُمارس الصندوق ثلاثة أدوار أساسية: «الرقابة الاقتصادية، الإقراض، التنمية». ومن الواضح أن عمل الصندوق مماثل لعمل الوسيط المالي في تعاملاته مع الزبائن، أي يقرض الدول ويموّل هذه العمليات من اشتراكات الأعضاء بعد ضمان استرجاع الأموال من خلال ممارسة دور رقابيٍّ على المقترضين لتنفيذ الشروط التي يراها مناسبة.


اللّافت هو اتّساع نطاق المشروطيّة في المنطقة العربيّة منذ عام 2011. فقد بلغ عدد الشروط المرتبطة بتمويل الصّندوق للدول العربيّة بين عامَي 2011 و2014 نحو 331 شرطاً، فيما بلغت قيمة القروض لهذه البلدان 15.43 مليار دولار أميركي خلال الفترة الزمنيّة نفسها. ومن المُؤكّد أنّ عدد الشروط قد ارتفع أضعافاً في المرحلة التي تلت عام 2014، لأنّ دولاً عديدة في المنطقة، ولا سيّما المغرب ومصر والعراق والأردن وتونس، قد حصلت على قروض من الصندوق في عام 2016.


وبالرغم من إشارة بعض خبراء الاقتصاد على أهمية التفاوض و الاقتراض من صندوق النقد الدولي لخروج لبنان من أزمته، لكن لا يمكن التغافل عن الشروط التي يضعها الصندوق أمام منح هذه القروض للبلدان المتعثرة اقتصاديا،   وتتضمن هذه الشروط إصلاحات إلزاميّة في عدّة مجالات من بينها:" خفوضات كبيرة في النفقات الحكومية، توسيع القاعدة الضريبيّة مع فرض ضرائب جديدة لا سيّما غير المباشرة منها، تحقيق الاستقرار في سعر الصرف مع تبنّي معدّلات فائدة أعلى. تحرير التّجارة من خلال إزالة الحواجز غير الجمركية، تحرير قوانين الملكيّة، إلغاء قيود علاقات العمل كما القيود الماليّة، وخصخصة الشّركات المملوكة للدولة".


ويشير خبراء اقتصاد إلى أنه بالرغم من أهمية التفاوض الذي تجريه لبنان مع صندوق النقد الدولي في محاولة للخروج من أزمته الاقتصادية، لكن أيّ شراكة مرتقبة بين لبنان وصندوق النقد الدولي لا تُراعي الأولويات مثل الصحة والتعليم ستترتّب عليها في الغالب إشكاليّةٌ تتعلّق بتجريد المجتمع من أهم وأبرز حقوقِه.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 3