هل حُلّت فعلًا أزمة لبنان مع المملكة العربية السعودية. أم أنه حلّ ‏مشروط؟

2021.12.06 - 07:21
Facebook Share
طباعة

 كتبت صحيفة " الديار " تقول : شهر مضى على توقيع وزير الإعلام السابق جورج قرداحي إستقالته (3 تشرين الثاني)، إلا أنه لم يتم ‏تقديمها رسميًا إلا في الثالث من شهر الجاري وذلك تزامنًا مع جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ‏إلى الخليج العربي‎.‎

سيناريو فرنسي
هذا التزامن بين الحدثين يطرح العديد من الفرضيات وعلى رأسها فرضية سيناريو فرنسي ينصّ على ‏تدعيم إقتراح فرنسي بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين لبنان والمملكة العربية السعودية والإمارات وهو ما ‏يعني عودة السفراء إلى مراكزهم، في مقابل إلتزام المسؤولين اللبنانيين بإجراء الإصلاحات السياسية ‏والإقتصادية والمالية اللازمة للحصول على ثقة المجتمع الدولي والدول العربية.‏
من جهته، شدّد البيان السعودي - الفرنسي المُشترك على ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء ‏إصلاحات شاملة، لا سيما الإلتزام بإتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان، ‏وأكدا على ضرورة حصر السلاح على مؤسسات الدولة الشرعية. كما تم التأكيد على حرص السعودية ‏وفرنسا على أمن لبنان واستقراره.‏
والظاهر أن هذا السيناريو أخذ طريقه حيث تم إجراء إتصال هاتفي مُشترك ضمّ كلا من ولي العهد ‏السعودي محمد بن سلمان، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي حيث تمّ ‏الحديث فيه عن نقطة مفصلية وفرصة أخيرة في إعادة بناء العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية.‏
وبحسب وكالة الأنباء السعودية أبدى الرئيس ميقاتي "تقدير لبنان لما تقوم به المملكة العربية السعودية ‏وفرنسا من جهود كبيرة للوقوف إلى جانب الشعب اللبناني" وأكد إلتزام الحكومة اللبنانية "إتخاذ كل ما ‏من شأنه تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون، ورفض كل ما من شأنه ‏الإساءة إلى أمنها واستقرارها".‏
قد يعتقد البعض أن المُشكلة حُلّت وإنتهت الأزمة وبالتالي سنشهد تحولًا جذريًا في هذه العلاقات إبتداءً من ‏عودة السفراء وصولًا إلى وضع المملكة العربية السعودية وديعة بعشرة مليارات دولار أميركي في ‏المصرف المركزي. إلا أن هذا الأمر هو غير صحيح نظرًا إلى التعقيدات الكبيرة التي تعترض قدرة ‏الحكومة على العمل سواء داخليًا أو خارجيًا.‏
ميقاتي وتوكيل القوى السياسية
مُشكلة الرئيس ميقاتي أنه وعلى الرغم من كونه رئيساً للحكومة اللبنانية، إلا أنه لا يحمل توكيلا من القوى ‏السياسية خصوصًا قوى محور المقاومة للتفاوض بإسم لبنان مع المملكة العربية السعودية. لا بل أبعد من ‏ذلك، البيان الفرنسي السعودي المُشترك تحدّث عن "ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية" ‏وهو ما يعني بشكلٍ مباشر سلاح المقاومة. فهل يملك الرئيس ميقاتي توكيلا للتفاوض على السلاح؟ ‏الجواب بالطبع لا!‏
البعض يتوقّع أن تتمّ الدعوة إلى جلسة حوار وطنية للبحث في إستراتيجية دفاعية تبحث بموضوع السلاح ‏خصوصًا أن الرئيس الفرنسي ماكرون تعهد لولي العهد السعودي بأن "ترعى باريس حواراً لبنانياً ‏يتضمن نقاشاً حول ملفات إصلاحية تراعي هواجس الدول العربية الأخرى، وأنه سيجري اتصالات مع كل ‏القوى، ومن ضمنها حزب الله".‏
ويبقى السؤال: أي طاولة حوار سيتم الدعوة إليها؟ وأي تعهدات من قبل القوى السياسية تستطيع باريس ‏إنتزاعها من هذه القوى وهي التي - أي القوى السياسية - لم تلتزم بالمهلة الفرنسية بتشكيل حكومة في ‏مدّة أسبوعين حين تمّ تكليف السفير مصطفى أديب تشكيل حكومة في أيلول 2020؟ وأي تأثير لماكرون ‏على هذه الطاولة في ظل قرب الإنتخابات الرئاسية الفرنسية والتي - وإن كان الأكثر ترجيحًا لربحها - لا ‏يضمن نتائجها؟
إحد التحليلات يقول أن الرئيس ماكرون يستطيع رعاية مثل هذا المؤتمر نظرًا إلى أنه سيُعيد تعويم الطبقة ‏السياسية وفي المقابل سيكون هناك إستفادة لماكرون على صعيد الإنتخابات الرئاسية. إلا أن هذا التحليل ‏يشوبه نقص عملًا بمبدأ أن الموضوع الرئيسي في الإنتخابات الرئاسية الفرنسية هو موضوع الهجرة، ‏وبالتالي فإن تأثير نجاح ماكرون بإخراج لبنان من نفقه المُظلم يبقى محدودًا.‏
إلا أن التعمّق أكثر في اللعبة يُظهر إلى العلن أن الهدف الرئيسي لماكرون يبقى بدون أدنى شكّ العقود ‏التجارية التي توقّعها الشركات الفرنسية مع الدول العربية، وإستطرادًا مع لبنان، وهو ما يُمكن إستغلاله ‏في الإنتخابات الرئاسية من خلال اللعب على البطالة المُتدنّية في وقت تجتاح فيه كورونا في موجتها التي ‏قد تكون من الأصعب على الإقتصادات العالمية.‏
بغض النظر عن هذه التحاليل، عقد أي طاولة حوار حول موضوع الإستراتيجية الدفاعية ومصير سلاح ‏المقاومة هو رهينة عوامل داخلية ولكن أيضًا خارجية. فالمملكة العربية السعودية لن تقبل بأقلّ من وقف ‏ما تُسمّيه "تدخّل حزب الله في اليمن"، والولايات المُتحدة الأميركية تُريد وقف ما تُسمّيه "أي تهديد للدوّلة ‏الصهيونية". أما بعض الدول الكبرى الأخرى، فترى في هذا السلاح عنصر توازن أو عائقا أمام ‏السياسات الأميركية في المنطقة.‏
إذًا ومما تقدّم نرى أن تعهد ميقاتي بإلتزام حكومته إجراءات الإصلاحات السياسية والإقتصادية، ما هو إلا ‏مُقدّمة لعودة السفراء في أحسن الأحوال. الواقع على الأرض يقول أن شيئًا لم يتغيّر حتى على صعيد ‏الإصلاحات الإقتصادية والمالية البحتة هناك تعقيدات، فكيف الحال عن ضبط الحدود وغيرها من الملفات ‏الحيوية بالنسبة لبعض القوى السياسية؟
الحكومة وملف التحقيقات
عمليًا، إستقالة الوزير قرداحي حلّت أزمة الرئيس ميقاتي بالدرجة الأولى من خلال إستبعاد سيناريو إنعقاد ‏جلسة يتلو مُقرارتها وزير "أهان" المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المُتحدة في تصريح ‏له في آب الماضي، وهو أمر مُحرجّ جدًا للرئيس ميقاتي الذي صرّح من الصرح البطرياركي أن قبلته ‏السياسية والدينية هي المملكة العربية السعودية.‏
لكن تبقى المُشكلة الثانية التي تمنع إنعقاد جلسة لمجلس الوزراء وهي مُشكلة القاضي بيطار وتحقيقاته ‏بتفجيرات مرفأ بيروت. فهذا الملف لم يصل إلى خواتيمه على الرغم من الإتفاق الثلاثي بين الرؤساء ‏ميشال عون، ونبيه برّي، ونجيب ميقاتي في مراسيم عيد الإستقلال والذي ينصّ على أن يُصوّت المجلس ‏النيابي على قانون يمنع فيه على القضاء مُحاكمة النواب والرؤساء وحصرها بالهيئة العليا لمحاكمة ‏الرؤساء والوزارء. وهو مخرج قد يفكّ الحصار عن إجتماعات حكومة ميقاتي ولكنه ينتظر موافقة التيار ‏الوطني الحرّ على تأمين النصاب والتصويت عليه. وتُشير المعلومات إلى أن التيار الوطني الحرّ وافق ‏على تأمين النصاب لكنه لا يوافق على التصويت على هذا القانون خوفًا من الثمن السياسي الذي قد يدفعه ‏على بعد أشهر من الإنتخابات النيابية. وبالتالي تتحدّث بعض الأوساط عن ضمانات تُقدّمها القوى السياسية ‏الأخرى للتيار للقبول بهذا التصويت وعلى رأسها قبول الطعن بقانون الإنتخابات.‏
هذا القانون إذا ما تمّ التصويت عليه، سيكفّ يدّ القاضي بيطار عن ملاحقة النواب والوزراء في إطار ‏التحقيقات التي يُجريها في ملف تفجير مرفأ بيروت. وبالتالي فإن مصير حكومة الرئيس ميقاتي مُعلّق على ‏جلسة المجلس النيابي غدًا والتي قد تشهد تطوّرات كبيرة خصوصًا فيما يخصّ قانون الكابيتال كنترول.‏
قانون "الكابيتال كنترول"‏
أحد أهم البنود الواردة على جدول أعمال المجلس النيابي غدًا، قانون الكابيتال كنترول بصيغة جديدة ‏أثارت إعتراض بعض القوى السياسية. هذا الأمر يفرض سنياريو من إثنين: الأول وينصّ على كسر ‏نصاب الجلسة لحظة طرح بند قانون الكابيتال كنترول؛ والثاني ينصّ على نقاشات حادّة قد تتطوّر إلى ‏مواجهة بين بعض النواب وبعض أعضاء لجنة المال والموازنة.‏
التحليل يُظهر أن وضع المصارف اللبنانية من ناحية السيولة المُتوفرة بالعملة الصعبة، تمنع أي قدرة على ‏وضع أرقام في القانون خوفًا من إفلاس المصرف الذي يرفض التحويل وبالتالي تطيير الإلتزامات تجاه ‏مودعي المصرف. وبالتالي وبحسب أحد النواب، لا يُمكن إعطاء سلطة البتّ في قدرة المصرف على ‏التحويل إلا إلى المصرف المركزي.‏
ويقول مصدر مُطّلع على ملف قانون الكابيتال كونترول لجريدة "الديار" أن الصيغة المطّروحة للمشروع ‏تحظى برضى صندوق النقد الدولي خصوصًا من ناحية الضوابط على التحاويل، وهو ما سرّع البتّ فيه ‏ودفع إلى طرحه على جدول أعمال مجلس النواب غدًا.‏
تقرير "موديز"‏
بالتزامن مع التوافق الذي طال مشروع قانون الكابيتال كنترول، أصدرت وكالة التصنيف الإئتماني ‏‏"موديز" تقريرًا رجّحت فيه خروج نحو 9.5 مليار دولار أميركي من الودائع المصرفية منذ بدء الأزمة ‏في العام 2019 وحتى اليوم. وبحسب التقرير، فإنه "على الرغم من القيود غير الرسمية على التحاويل ‏مع نهاية عام 2019 فإن نحو 5.4 مليار دولار من ودائع غير المقيمين بالعملة الأجنبية خرجت من لبنان ‏خلال الفترة الممتدة بين شهر كانون الثاني 2020 وشهر أيلول 2021 مع ارتفاع هذا الرقم إلى 9.5 ‏مليار دولار إذا تم شمل عام 2019". ويعتقد العديد من المُحلّلين أن بعض السياسيين النافذين هم ‏المُستفيدون الأوائل من هذه التحويلات.‏
فهل يوقف قانون الكابيتال كنترول الإستنسابية في التحاويل إلى الخارج؟
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 1