ماذا يعني عدم رفع سقف الدين الأميركي للاقتصاد العالمي؟

2021.10.07 - 07:55
Facebook Share
طباعة

تقف الولايات المتحدة في مفترق طرق هام هذه الأيام، مع خوض المشرعين في الكونغرس معركة حول رفع سقف الدين الفيدرالي، فيما حذر مسؤولون اقتصاديون في البيت الأبيض من "أزمة مالية عالمية" محتملة وتداعيات خطيرة على معيشة ملايين الأميركيين إذا لم يتوصل المشرعون من الحزبين الكبيرين إلى اتفاق.

وحذر تقرير لمجلس المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض نشر، الأربعاء، من أن تخلف الولايات المتحدة عن سداد التزامتها في حال فشل المشرعين في التوصل إلى اتفاق "سيوجه ضربة مدمرة ستشعر بها العائلات والشركات والاقتصاد الأميركي والعالمي لعقود قادمة".

لكن الخبير الاقتصادي الأميركي، باولو فون سيراش، استبعد حدوث سيناريو دخول الولايات المتحدة في حالة تخلف عن السداد، مشيرا إلى أن هذا سيناريو "لا يمكن التفكير فيه وكارثي ولن يحدث على الإطلاق، لكن إذا سمح أي شخص بحدوث ذلك سيعني توجيه ضربة قاتلة للولايات المتحدة".

وأضاف في تصريحات لموقع الحرة: "نحن لسنا الأرجنتين، التي تخلفت عن السداد أكثر من مرة، بسبب فشل الحكومة في الاتفاق على الالتزام بسداد ديونها، ما تسبب في دمار هائل للبلاد".

وتوقع الخبير في معهد السياسة العالمية أن يقوم الكونغرس في نهاية المطاف بالتوصل إلى اتفاق لرفع سقف الدين.

ويأتي صدور تقرير مستشاري البيت الأبيض فيما تصاعدت الضغوط على المشرعين من أجل سرعة التوصل إلى اتفاق حول رفع سقف الدين العام، وهو الحد الأقصى للاقتراض للبلاد، والمحدد حاليا عند 28.4 تريليون دولار, وسيتم بلوغ هذا الحد في 18 تشرين الاول الجاري.

وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد صرح أثناء استقباله مسؤولين كبار في بنوك وشركات، الثلاثاء، بضرورة تجنب "الكارثة الاقتصادية التي قد تنجم" عن تخلف أكبر قوة اقتصادية في العالم عن سداد ديونها.

وأعد زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، السيناتور تشاك شومر، رغبته في إجراء تصويت على نص يعلّق العمل بهذا السقف حتى كانون الاول 2022، لكن الجمهوريون يعمدون إلى قطع الطريق على هذا التصويت.

وقال شومر: "لم يفت الأوان بعد، لكننا نقترب (من فوات الأوان) بشكل خطر"، محذرا من أن وكالات التصنيف الائتماني يمكن أن تخفض تصنيف الولايات المتحدة "قريبا جدا".

ويقول الخبير الاقتصادي سيراش لموقع الحرة: "إذا لم تسدد الولايات المتحدة ديونها لمشتري سندات الخزانة الأميركية، سيعني ذلك أنها تخلفت عن السداد، وهو ما يعادل الإفلاس بالمعنى الاقتصادي".

وحذر تقرير البيت الأبيض من أن الاقتصاد العالمي، الذي يعتمد على اقتصاد أميركي قوي، سوف ينزلق في أزمة مالية قد تؤدي إلى حدوث "ركود"، مشيرا إلى أن سندات الخزانة الأميركية هي أصول الأمان المعيارية في العالم، وأسعار فائدتها هي أساس تسعير أعداد لا تحصى من المنتجات والمعاملات المالية في جميع أنحاء العالم. وقال: "ستفقد الأسواق المالية الثقة في الولايات المتحدة".

وحذر المسؤولون في التقرير من أن "الدولار الأميركي هو أيضا العملة الاحتياطية الأولى في العالم، والتخلف عن السداد سوف يرسل موجات من الصدمة عبر الأسواق المالية العالمية، ومن المرجح أن يتسبب في تجميد أسواق الائتمان في جميع أنحاء العالم وانهيار أسواق الأسهم، ومن المرجح أن يبدأ أرباب العمل في جميع أنحاء العالم في تسريح العمال".

وكتبوا أن احتمال حدوث ركود عالمي يمكن أن يكون أسوأ من الأزمة المالية، لعام 2008، لأنه سيأتي بينما تستمر بلدان العالم في مكافحة جائحة كورونا.

وكانت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، قد كتبت في مقال بصحيفة "وول ستريت جورنال" أن التخلف عن السداد "قد يؤدي إلى أزمة مالية تاريخية من شأنها أن تزيد من الضرر الناجم عن حالة الطوارئ الصحية العامة المستمرة".

ويقول الخبير الأميركي لموقع الحرة إن "الكثير من ديون الولايات المتحدة مملوكة لأجانب، وإذا تخلفت عن سداد التزاماتها فإن هذه السندات ستكون لا قيمة لها، وستتكون مجرد أوراق بلا قيمة، لأن الولايات المتحدة ستكون في وضع تخلف عن السداد".

وهذا الأمر يمكن ترجمته إلى "خسائر مالية ضخمة لأي شخص لديه سندات خزانة أميركية في أي مكان في العالم"، وفق المحلل.

وأضاف "ستكون هناك تداعيات متتالية للأزمة: سيحدث تشنج لأنظمة الدفع في العالم، وسوف ينهار الاقتصاد الأميركي، ومعه اقتصاد العالم، لأن الولايات المتحدة لاتزال أكبر اقتصاد دولي".

الملايين في خطر
ويقول تقرير البيت الأبيض إنه إذا فشل الكونغرس في اتخاذ إجراء، فقد يستغرق الأمر عقودا حتى تتعافى الولايات المتحدة تماما.

ويشير إلى أن التصنيف الائتماني للولايات المتحدة سينخفض، وسترتفع أسعار الفائدة على نطاق واسع للعديد من القروض الاستهلاكية، ما يجعل منتجات مثل قروض السيارات والرهون العقارية أكثر تكلفة.

كانت شركة الخدمات المالية "مودي" قد ذكرت في تقرير، الثلاثاء، حول تداعيات التخلف عن السداد، إنه حتى لو تم حل الأزمة بسرعة، فإن الأميركيين سوف يدفعون ثمن التخلف عن السداد لأجيال.

وأظهر تحليلها أنه سيتم فقدان ما يقرب من ستة ملايين وظيفة، وسيرتفع معدل البطالة مرة أخرى إلى ما يقرب من 9 في المئة ، وستنخفض أسعار الأسهم بمقدار الثلث تقريبا، ما يؤدي إلى القضاء على 15 تريليون دولار من ثروات الأسر.

كانت الولايات المتحدة قد اصطدمت بأزمة تتعلق بالتوصل إلى اتفاق لرفع سقف الدين، في كانون الاول 2012. وفي كانون الثاني 2013، سمح الكونغرس للحكومة بتخطي هذا السقف حتى 18 ايار.

ويقول تقرير البيت الأبيض إنه في الفترة التي سبقت أزمة سقف الديون في تلك الفترة، ارتفعت مقاييس مخاطر السوق باستمرار، وتراجعت ثقة المستهلك، وارتفعت معدلات الرهن العقاري بما يتراوح بين 0.7 و 0.8 نقطة مئوية لمدة شهرين، ولم تنخفض إلا ببطء بعد ذلك.

وارتفعت أسعار قروض السيارات والقروض الشخصية والمنتجات المالية الاستهلاكية الأخرى، واستمرت في الارتفاع على الرغم من تحرك الكونغرس لتجنب التخلف عن السداد في الوقت المناسب، أي قبل أن تستنفد وزارة الخزانة أموالها ووسائل تمويلها الأخرى.

ومن بين المخاوف التي ذكرها التقرير عدم تسديد المدفوعات الفيدرالية أو تأخيرها للمستحقين، ما سيؤدي إلى عدم قدرة الملايين من توفير الطعام لأنفسهم وأسرهم أو دفع الإيجارات.

ويورد التقرير عدة أمثلة على الأشخاص الذين سيفقدون المدفوعات التي يعتمدون عليها في حياتهم المعيشية، مثل المتقاعدين والمستفيدين من الرعاية الطبية والآخرين الذين يعملون في الوظائف الأساسية للحكومة الفيدرالية، مثل تسليم البريد، والخدمات القنصلية في الخارج، ومراقبة الحركة الجوية، والجيش، والمتنزهات الوطنية.

وفي هذا الجدول الوارد في بيان البيت الأبيض، يتبين أنه في عام 2015، اعتمد حوالي 12 مليون شخص على رواتب الضمان الاجتماعي باعتبارها مصدر الدخل الرئيسي. ويبين الجدول أن متوسط الراتب التقاعدي هو 1600 دولار شهريا.

وهناك نحو 150 مليون شخص يعتمدون على برنامجي الرعاية الصحية الحكومية "ميديكير" و"ميديكيد" فضلا عن ملايين الأطفال الذين يحتاجون لبرنامج خاص بهم للرعاية. ويحذر مشتارو البيت الأبيض من أن "الملايين قد يجدون أنفسهم بدون تغطية صحية".

ووقد يتوقف اعتماد الأدوية واللقاحات لأنه لن يكون هناك تمويل.

ونظام الرعاية الصحية العامة أيضا، الذي تحتاج إليه البلاد بشدة في ظل أزمة كورونا، "لن يكون قادرا على العمل بشكل ملائم".

وقد يحدث "تعطيل لدفع رواتب 1.4 مليون من الأفراد العسكريين العاملين وأسرهم، وقد يتم تعليق عمليات نشر الجنود وصيانة المعدات وشراء الإمدادات للجيش".

ويقول التقرير: "من المرجح أن تكون قدرة الحكومة الفيدرالية على توفير الدفاع الوطني، والاستجابة للوباء، والخدمات اليومية، معطلة بشدة".

ويشير موقع فوربس إلى أن الولايات الأميركية ستكون معرضة للخطر بشكل خاص، لأن التمويل الفيدرالي يمثل ما يقرب من ثلث الإنفاق الحكومي على المستوى الوطني.
المصدر: الحرة 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 7