تونس: انشقاقات عن حركة النهضة وقرارات سعيد تثير المخاوف

اعداد جوسلين معوض

2021.09.25 - 02:41
Facebook Share
طباعة

استقال 113 عضوا من حركة النهضة التونسية بينهم قياديون من الحزب، موضحين إن ذلك يأتي اعترافا منهم بالفشل في إصلاحه يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه البلاد أزمة سياسية غير مسبوقة، وسط مخاوف وتحذيرات من مخاطر احتكار الرئيس قيس سعيد لجميع السلطات بعد قراراته الاخيرة.
ومن بين الموقعين على البيان نواب وأعضاء سابقون في المجلس التأسيسي وأعضاء في مجلس الشورى ومسؤولون في الجهات، بسبب ما اعتبروه إخفاقا في معركة الإصلاح الداخلي للحزب.
وحمّل بيان المستقيلين قيادة الحركة المسؤولية عما وصفوها بالخيارات السياسية الخاطئة للحركة التي أدت إلى عزلتها وعدم نجاحها في الانخراط الفاعل في أي جبهة مشتركة لمقاومة الخطر الاستبدادي الداهم الذي تمثله قرارات 22 أيلول/سبتمبر 2021، وفق تعبير البيان.
وقال الموقعون على البيان إنهم أعلنوا استقالتهم من حركة النهضة، مع تخيير تغليب التزامهم الوطني بالدفاع عن الديمقراطية التي ضحى من أجلها أجيال من المناضلين والمناضلات.. متحررين من الإكراهات المكبلة التي أصبح يمثلها حزب حركة النهضة.
ومن بين الموقعين على بيان الاستقالة قيادات من الصف الأول مثل عبد اللطيف المكي وسمير ديلو ومحمد بن سالم، وعدد من أعضاء البرلمان المعلقة أعماله على غرار جميلة الكسيكسي والتومي الحمروني ورباب اللطيف ونسيبة بن علي، وعدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي مثل آمال عزوز، وعدد من أعضاء المجلس الشورى الوطني ومجالس الشورى الجهوية والمكاتب الجهوية والمحلية.
كما حمّل البيان رئيس الحركة راشد الغنوشي مسؤولية مما آلت إليه الأوضاع، وقال إن قرارات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز الماضي وما تلاها من إجراءات في 22 سبتمبر/أيلول الحالي تؤكد الانقلاب، ولم تكن لتجد الترحيب من فئات واسعة من الشعب التونسي لولا الصورة المترهلة التي تدحرج لها البرلمان بسبب انحراف وشعبوية بعض منتسبيه، وبسبب الإدارة الفاشلة لرئيسه (الغنوشي) الذي رفض كل النصائح بعدم الترشح لرئاسته تفاديا لتغذية الاحتقان والاصطفاف والتعطيل.
ويرى مراقبون ان ما حدث في حركة النهضة يعد أكبر أزمة داخلية تشهدها الحركة منذ نشأتها، مشيرا إلى أن هذه الأزمة تعود إلى ما قبل 25 يوليو/تموز الماضي، لكنها خرجت للعلن بعد هذا التاريخ بشكل واضح.
من جانبه، قال الاتحاد التونسي للشغل أمس الجمعة إن احتكار الرئيس سعيد تعديل الدستور والقانون الانتخابي خطر على الديمقراطية. وحذر بيان للاتحاد من مخاطر حصر السلطات في يد الرئيس في غياب الهياكل الدستورية.
وأعرب الاتحاد عن رفضه استمرار التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس وتحويلها إلى حالة دائمة.
وأضاف أنه لا يوجد حل للأزمة في البلاد سوى بالحوار.
من جانبه، قال فريق الرئيس التونسي إن البلاد تمر الآن بمرحلة استثنائية، وليست في نظام رئاسي، مشيرا إلى أن الدستور سينقح لإصلاح الخلل في توزيع السلطات.
هذا، ووصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش"الحقوقية قرار سعيد الحكم عبر المراسيم بأنه يشكل أخطر تهديد مؤسسي للديمقراطية بالبلاد.
وقالت إن ديمقراطية تونس البالغة من العمر 10 سنوات تعيش أكثر لحظاتها خطورة.
من جانبها، أعربت الخارجية الأميركية عن قلقها من استمرار الإجراءات التي يتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد.
وفي مكالمة هاتفية، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية إن واشنطن تردد دعوة الشعب التونسي للرئيس إلى صياغة خطة ذات جدول زمني واضح لعملية إصلاح شاملة، بمشاركة المجتمع المدني والأطراف السياسية المتنوعة.
في السياق، طالب عدد من النواب الأميركيين -في رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن- باتخاذ خطوات دبلوماسية لجعل سعيد يتراجع عن تلك التدابير ويعيد البلاد إلى مسار ديمقراطي يحترم سيادة القانون وفقا للدستور.
وقال أعضاء مجلس النواب إن الرئيس التونسي مارس ضغطا هائلا على الديمقراطية الهشة في تونس من خلال اصطناعه أزمة دستورية.
كما طالب النواب إدارة الرئيس بايدن بتحديد ما إذا كانت قرارات الرئيس التونسي تمثل انقلابا على السلطة وتنتهك شروط المساعدات الأميركية، ودعوا الإدارة إلى حث سعيد على التوقف عن ملاحقة أعضاء البرلمان والنشطاء، وتحديد ما إذا كان سعيد قد لجأ إلى المحكمة العسكرية للتضييق عليهم.
وكان الرئيس التونسي -الذي أعلن قبل شهرين تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولى السلطات في البلاد- أصدر الأربعاء الماضي أمرا رئاسيا عزز به صلاحياته في الدستور على حساب الحكومة والبرلمان.
وأعلن إلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين (قضائية مستقلة)، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وتوليه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة.
من جهته انتقد دبلوماسي إيطالي سابق صمت الغرب المطبق إزاء الأحداث الجارية في تونس، إثر انفراد الرئيس قيس سعيّد بالسلطة في البلاد.
وكتب السفير الإيطالي السابق لدى العراق ماركو كارنيلوس، مقالا في موقع ميدل إيست آي الإخباري البريطاني، استهله بالقول إن تونس قد تبدو دولة ليست ذات أهمية كبيرة على الصعيد الدولي، إلا أنها هي التي انطلقت منها شرارة ثورات الربيع العربي، وفيها تلفظ الآن أنفاسها الأخيرة في أغلب الظن.
ويقول الكاتب إن من سوء الطالع أن "الانتقال السلمي نسبيا" للسلطة في تونس تبعته انتقالات "أشد دموية" في مصر واليمن وليبيا وسوريا، ففي الدول الثلاث الأخيرة دارت حروب أهلية أسفرت عن خسائر بشرية فادحة.
ومع ذلك، فإن كارنيلوس الذي عمل في السابق مبعوثا للحكومة الإيطالية لتنسيق عملية السلام في سوريا والشرق الأوسط، يعتبر أن تونس إلى جانب لبنان "كانتا، وربما لا تزالان، أكثر المجتمعات العربية تقدما".
ولعل هذا -برأيه- قد يفسر انتقالها السلمي النسبي من نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي "الاستبدادي" إلى حكومات تولت مقاليد السلطة بعد انتخابات حرة، اضطلعت فيها حزب حركة النهضة -"المعبر عن جماعة الإخوان المسلمين"- بدور مهم.
وأشار كارنيلوس إلى أن الرئيس سعيِّد -وهو أستاذ جامعي لمادة القانون الدستوري- برر قراره ذاك بأنه استند إلى المادة (80) من الدستور التونسي، الذي أُجيز في عام 2014.
وبحسب السفير الإيطالي السابق في مقاله، فإن تفسير سعيِّد لتلك المادة وتطبيقها يبدو أنه تجاوز كثيرا -برأي العديد من خبراء القانون التونسيين- مغزاها الأصلي.
وليس هناك من مؤشرات تدل على أن التوتر الداخلي الناجم عن "الانقلاب" -كما يصفه كارنيلوس- في تراجع، بل إن سعيّد اقترح حلولا تنطوي على طابع استقطابي، مثل تعليق العمل بالدستور والدعوة لإجراء استفتاء شعبي لإصلاح النظام السياسي.
ويؤكد الكاتب أنه على الرغم من ذلك كله، جاءت ردود المجتمع الدولي"فاترة إلى حد كبير بل التزم الصمت المطبق"، وخاصة الغرب "الذي يجب أن يكون صوته عاليا في مثل هذه المواقف، استنادا إلى القيم التي يتشدق بها". 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 2