كتب أحمد مصطفى: تنمية مصر

2021.09.03 - 09:39
Facebook Share
طباعة

جاء التوقيع على مشروع ربط أقصى شرق الدلتا بأقصى الشمال الغربي في مصر بخط سكة حديد حديث بكلفة تقارب خمسة مليارات دولار مؤشرا على استمرار الحكومة المصرية في خطط البنية التحتية دون التفات لبعض الانتقادات هنا وهناك.


وإذا كانت الدولة المصرية تعمل أيضا على مشروعات خدمات اجتماعية بشكل مواز، إلا أن الاهتمام بالبنية الأساسية من شبكات النقل والمواصلات والتعمير والإنشاء ومحطات توليد الطاقة يعد أولوية للإدارة المصرية الحالية.


تبدو تلك المشروعات وكأن الدولة تعمل لصالح رجال الأعمال والمستثمرين، وهذا صحيح. فبدون تلك الاستثمارات في مشروعات البنية الأساسية تلك لن تشهد أي تدفق للاستثمار المباشر الذي تستهدفه مصر وتحتاجه بشدة، ليس فقط من أجل تعزيز فرص النمو الاقتصادي القوي وإنما أيضا لتوفير فرص العمل التي تمتص البطالة وبما يسهم في تحسين مستوى معيشة قطاع أوسع من المصريين. لكن المشكلة أن الدولة ليس لديها "موصل" جيد لرسالتها الأساسية، بأن تلك المشروعات ضرورية لمصلحة المئة مليون مصري وليس لفئة معينة، وأن القيام بها ليس ترفا بل هو واجب تأخر لعقود من الزمن أهملت فيه وكانت سببا في عدم إقبال المستثمرين العرب والأجانب على العمل في مصر.


وشكا الرئيس المصري نفسه أكثر من مرة من مشكلة الإعلام في مصر، بل إنه أحيانا ما يضطر للمشاركة مباشرة في منافذ إعلامية ليوصل رسالة معينة. ومن الواضح أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا يوازيها تنمية لقطاع الإعلام والثقافة وغيره من قنوات تشكيل الرأي العام. وهذا ما يترك مساحة واسعة للمشككين، غالبا لأغراض انتهازية مدمرة (مثل الإخوان وغيرهم)، لإثارة البلبلة عبر وسائل التواصل على الانترنت وغيرها.


لكن الحقيقة، أن الأمر لا يقتصر على أعداء مصر أو من لا يريدون لها خيرا حتى من بعض المصريين الشاردين. فهؤلاء لديهم مشكلة مع الحكم في مصر ويسعون بكل السبل، ولو بالتزييف والتضليل، لانتقاده وتأليب الناس عليه. إنما ما يهم هو قطاع آخر من المصريين الذين لا يرون فيما يتم من تنمية في مصر ما يفيدهم، وبالتالي يقعون فريس للتضليل. وللأسف يسهم الإعلام المصري بالفجاجة "الإعلانية" التي يواجه بها إشاعات المغرضين في "تنفير" تلك الشريحة من المصريين من رسالة ذلك الإعلام. وربما هذا ما يدفع بالرئيس المصري لأن يخاطب الناس مباشرة بنفسه بين حين وآخر. لكن ذلك أمر غير مستدام بالطبع ولا يمكن أن يكون بديلا لقطاع كامل فيه استثمارات بالمليارات.


وما بين الأعداء والمغرضين، هناك شريحة من المصريين الذين لا يمكن التشكيك في وطنيتهم ورغبتهم في أن تكون بلدهم في أفضل حال. هؤلاء للأسف هم من يعتمد عليهم المغرضون المضللون الكذابون كالإخوان وغيرهم. ومرة أخرى يدفع الإعلام المصري بهؤلاء أكثر ناحية خانة الأعداء بدلا من تقريبهم والاستفادة من وجود أصوات وطنية، وإن كانت تنتقد طالما النقد في إطار المصلحة العامة والإصلاح الضروري للتنمية.


صحيح أن كل تلك الشرائح لا تنتقص في الحقيقة من القبول العام والدعم الشعبي الذي يتمتع به الحكم في مصر، لكن مشروعات التنمية الهائلة التي تتم تحتاج إلى ما هو أكثر. وتحديدا توصيل الرسالة بإقناع (وليس بفجاجة إعلانية منفرة) بأن كل تلك المشروعات هي لمصلحة الجميع وعلى المدى الطويل حتى إن لم تبد فوائدها المباشرة على حياة الناس العادية فورا.


طبعا مع الفارق في المقارنة، طرحت الإدارة الأميركية الجديدة حزم إنفاق استثماري بنحو سبعة تريليونات دولار في غضون الأشهر الأخيرة تمويلها كله تقريبا بالاقتراض. تستهدف كلها مشروعات البنية التحتية وخدمات اجتماعية. ورغم أصوات المعارضين من أن ذلك الانفاق سيرفع حجم الدين العام إلا أن أحدا لا يستطيع انكار الحالة المتردية للطرق والجسور وشبكات الكهرباء والمياه وغيرها والحاجة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة. لذلك، تجد أغلبية الأميركيين مؤيدين لاستدانة الحكومة للإنفاق على تلك المشروعات. وحتى الإعلام المناوئ للرئيس وحزبه لا يغفل فرص العمل بمئات الآلاف التي توفرها تلك المشروعات، ويتحدث عن توسيع الطبقة الوسطى في المجتمع الأميركي.. الخ. كل ذلك الطرح الموضوعي يدحض بسهولة فبركات الدعاية السياسية لمنافذ إعلامية تميل نحو الطرف الآخر المعارض سياسيا للإدارة الحالية.


لم أر مثلا في الإعلام المصري تغطية جيدة وموضوعية (وليست بيانات إعلانية وترويجية فجة منفرة) لمشروعات استصلاح مساحات واسعة من أراضي الظهير الصحراوي لدلتا النيل شمال مصر أو مشروعات مماثلة في صعيد مصر. ولم ينقل أحد رسالة مقنعة عن عدد فرص العمل التي توفرها المشروعات الحالية في مجال البنية التحتية، ولا عن المقاولين والشركات الصغيرة والمتوسطة التي تستفيد من العمل في تلك المشروعات.


لا يمكن أيضا إغفال حقيقة أن الناس العادية في مصر لم تعد تثق في البيروقراطية الحكومية التي اهترأت على مدى عقود، ولم تكن صورة الحكم لدى قطاع واسع من الجماهير سوى الفساد الذي تمثله الادارات المحلية في الريف والحضر. بالتالي لا يمكن لأي رسالة إعلامية أن تنجح إذا بالغت في خاطبت هذا الجمهور بمبالغة في أساليب قديمة تؤتي في الأغلب نتائج عكسية.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط 


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 9