كارتيل المحروقات في لبنان... شركات بغطاء سياسيّ

ناديا الحلاق

2021.08.24 - 09:12
Facebook Share
طباعة

 يعاني المواطن اللّبناني منذ أشهر، أزمة محروقات خانقة، بسبب ابتزاز أحد أهم قطاعات الاستهلاك، قطاع المحروقات، وتفاقمت حدّتها، بعد أن دفع المصرف المركزي 800 مليون دولار مقابل الوقود في شهر تموز الماضي، ما أعطى حاكمه رياض سلامة حجّة بإعلان توقفه عن تمويل شراء المحروقات وفق السّعر الرسمي للدّولار، أيّ وقف الدّعم وفتح الباب أمام استيرادها بحسب سعر الدّولار في السّوق الموازية، والذي يقارب 20 ألف ليرة، مؤكداً أنّه من غير الممكن أن تتمّ إعادة دعم استيراد الوقود، ما لم يشرّع البرلمان قانوناً يسمح باستخدام الاحتياطي الإلزامي، الذي قدر قيمته بـ 14 مليار دولار، بعد نضوب العملة الصّعبة.

ويدعم المصرف المركزي أسعار المحروقات من خلال توفير الدّولار بسعر صرف أدنى من السّعر الحقيقي لليرة اللّبنانية، وهو 3900 ليرة للدّولار الواحد، فيما تصدر وزارة الطّاقة جدولا بأسعار بالمحروقات وفق هذا السّعر.

ولا يزال السعر الرّسمي للدّولار محددا بـ 1507 ليرة، في وقت فقدت اللّيرة اللّبنانية أكثر من 95% من قيمتها في السّوق الموازية.

قرار سلامة قوبل باحتجاحات شعبيّة ورفض سياسيّ، و"تقنين" من شركات المحروقات التي خفّضت كميّات التّوزيع، ما زاد من حدّة الأزمة.

وبعد اجتماعات متواصلة، خلص قادة لبنان، إلى تسوية قصيرة الأمد للإبقاء على دعم المحروقات، للحدّ من النقص الكبير في المشتقّات النّفطيّة الذي تعاني منه البلاد.
وتقضي التّسوية، بأن يؤجل رفع الدّعم عن المحروقات حتى نهاية شهر سبتمبر، باعتماد سعر صرف الدّولار 8000 ليرة لشراء المحروقات، على أن تبلغ قيمة الحدّ الأقصى للدّعم 225 مليون دولار لتمويل قيمة الفرق بين سعر صرف الدّولار.

فهل تسوية المركزي، أتت فرصة ذهبية للشّركات المستوردة للنّفط أقوى "كارتيلات لبنان"، للتّفنن بإذلال المواطن، خصوصاً وأنّ قطاع المحروقات يرزح تحت سيطرة بضعة شركات استيراد بغطاء شبه رسمي في سوق حر، منصوص عليه في مقدّمة الدستور اللّبناني. كيف تتقاسم شركات النّفط السّوق اللّبناني؟ ومن هم صنّاع هذه الامبراطوريّات؟ وكيف تتقاطع مصالحهم مع مصالح أصحاب المولّدات الكهربائيّة الخاصّة؟ أسئلة كثيرة تطرحها وكالة أنباء آسيا في تحقيق استقصائي.
الكارتيل يحكم لبنان
رئيس الاتّحاد الوطني لنقابات العمّال والمستخدمين في لبنان، كاسترو عبدالله، يقول، يتشكّل كارتيل المحروقات في لبنان من 14 شركة نفطيّة، تملك جميعها شركات توزيع، والبعض منها يملك محطات وقود، تسيطر على استيراد المشتقات النفطية على أنواعها، وتنطلق من قدراتها التّخزينيّة للكمّيات المستوردة، لتصل إلى حدود السّيطرة على أكثر من نصف محطّات الوقود، التي يقارب عددها الإجمالي 3100 محطّة. هذه المافيات تعمل على هواها في ظلّ غياب القضاء النّزيه والشّفاف.
ويتابع، هذه الشّركات هي الكارتيل المافياوي الذي يحكم لبنان، إنّه شريك في السّلطة الفاسدة، ومحمي من عدد من القوى السّياسيّة، التي تحصل على نسب وأرباح، مقابل الصّفقات، سواء من تحت الطّاولة أو من فوقها.

ويضيف، كما وأنّ هذه المافيات تتحكّم بكمّيات المحروقات التي تدخل البلاد أيضاً، مشيراً إلى عمليّة سرقة ونهب موصوفة للشّعب اللّبناني. لذا نطالب كإتّحاد وطني كسر هذه الاحتكارات وإلغاء الوكالات الحصريّة لشركات النّفط.

الجمارك الفاسد
ويأسف عبدالله لدور الجمارك اللبنانيّة المتخاذل، المشارك في تغطية صفقات المحروقات، والتّلاعب في التّصريح عن كميّاتها الحقيقيّة، أثناء الكشف عند دخولها لبنان. ويتساءل، من يقوم بعمليّة المراقبة والإشراف على حمولات البواخر؟ طبعاً عناصر الجمارك، الذين تمّ توظيفهم من قبل مسؤولين نافذين وأحزاب سياسيّة وعصابات ورجال أعمال فاسدين.
ويضيف، حتى عمليّات الكشف على محطات الوقود تخضع للمحسوبيّات والمناطقيّة، ولا تخلو من علمليّات الغشّ والتّلاعب، واللافت أنّ معظم الكشوفات التي تحصل اليوم على المحطّات، تتمّ من خلال موظفين تابعين مباشرة لشركات المحروقات، أي أنهم تلقوا أوامرهم من أسيادهم، بدليل أنّ معظم المحطّات تفتح خطاً واحداً لتعبئة البنزين، علماً أنّ كلّ محطة تحتوي على 5 خزانات، وهو ما يؤكد تواطؤ المراقبين.
أصحاب المولدات شركاء
ولايبرّأ عبدالله، كارتيلات المولّدات الكهربائيّة، ويعتبرها أيضاً شريكاً في الجريمة، كونها مرتبطة بالطّبقة السّياسيّة التي فشلت بتأمين الكهرباء للمواطنين، لا بل وتآمرت مع أصحاب شركات المحروقات، لتقاسم الأرباح معهم والمقدرة سنوياً بنحو 1.5 مليار دولار.
ويردف، شركات المحروقات وأصحاب المولدات وجهان لعملة واحدة، يحصلون على المازوت لمولداتهم على السّعر المدعوم ويخزنوه في مستودعاتهم، يوهمون اللّبنانيين بشرائه من السّوق السّوداء، ومن ثمّ يتاجرون به.
ويضيف، كما ويرفع أصحاب المولدات أسعار الاشتراكات على المواطنين، ويتحكمون بساعات التّشغيل بحجّة شحّ المازوت. وسط غياب رقابة الدّولة وعجزها عن تأمين الكهرباء، لافتاً إلى أنّ المولدات الكهربائيّة تابعة للتّيارات والأحزاب السياسيّة في المناطق. ويقول عبدالله، سرقة المازوت والبنزين بالنسبة لهذه الكارتيلات أمر مربح، لذلك يعرقلون دخول النّفط العراقي الى لبنان.
واكثر من ذلك فإن أصحاب المولدات يعمدون إلى سرقة كهرباء الدولة ويوزعةنها على كابلاتهم.
عبدالله يشدّد على ضرورة تحويل هذه المافيات إلى المحاكمة والمقاضاة، على أن تكون المولدات الكهربائيّة ومحطّات الوقود حصراً بيد البلديّات، رغم أن جزء منها شركاء أيضاً في الجريمة.
ضوء أخضر بالتّخزين
وعن قرار دعم المحروقات المؤقت وشرائها على أساس 8000 ليرة للدولار يقول، بهذا القرارسيصرف المسؤولون 250 مليون دولار لدعم المحروقات، في المقابل سيمددون لكباشهم الحكومي. أمّا أصحاب المحطات سيقومون بمزيد من التّخزين، ما يعزّز السّوق السوداء. جميعهم فاسدون ومتورطون في نهب المال العام والخاصّ وتهريبه الى الخارج وجميعهم مسؤولون عن تجويع الشّعب اللّبناني.

ويتابع، هذا القرار أعطى الكارتيلات وكبار المحتكرين وشركات النّفط، الضوء الاخضر لتخزين البنزين والمازوت للمرحلة الثّالثة من رفع الدّعم عن المحروقات أواخر شهر أيلول، بهدف جني ملايين الدّولارات، كل ذلك يجري بالتّنسيق مع حيتان المال أي المصارف والكارتيلات وغرفهم الّسوداء، التي يديرها حاكم مصرف لبنان، الكارتيل الاكبر ومهندس عمليات نهب الشّعب وأموال الخزينة.
وفي الوقت نفسه يريحون الشّعب حوالى الشّهر ونصف الشّهر من الوقوف بالطوابير، قبل أن يقف مجدداً بالطوابير ابتداء من شهر تشرين الاول.
شركات المحروقات "مسيّسة"
من جهته، يقول الباحث الإحصائي عباس الطفيلي، في لبنان، لدينا 3 مجموعات مؤلفة من 11 إلى 17 شركة، مسؤولة عن استيراد المحروقات في لبنان، هذه الشّركات "المافياوية"، تابعة بطريقة مباشرة وغير مباشرة للطّبقة السّياسيّة الفاسدة، التي تستفيد من هذه اللّعبة عبر التّوظيفات والزبائنيّة.
ويصف الشركات التي تستورد النفط بـ "المافيا" حيث تمتلك أو تشغّل أكثر من 80% من البيع بالتّجزئة، وبالتالي لا يمكن معرفة أرباحها الحقيقية بدقة، نظراً إلى طبيعة عمل هذه الشركات إن من خلال طريقة فتح الإعتمادات التي تتمّ في نفس يوم وصول الباخرة، أو من كلفة الاستيراد. وهي شركات، توتال، مدكو، هيبكو، يمين، ليكوي غاز، عيسى بتروليوم، الشّركة العربيّة، وردية، كورال، يونايتد، غاز الشّرق، كوجيكو وغيرها.
الشّركات الأقوى في الكارتيل
ويسمّي الطفيلي الشركات الأقوى من ضمن كارتيل النفط في لبنان وهي، يمين، كورال، وليكوي غاز، المقرّبة من التّيار الوطني الحرّ كونه المسيطر حالياً على وزارة الطّاقة ، ولكن هذا الكارتيل يبدّل جلده وفقاً لمصالحه.
واستوردت هذه الشركات خلال العام 2020 تقريباً ثلث سوق البنزين في لبنان والمقدّر بـ 320 ألف طن ونصف سوق المازوت المقدر بـ 720 ألف طن.
ويبقى السؤال، هل يتسطيع القضاء المختصّ المحاسبة والمساءلة؟ طبعاً لا، كونها تحت سيطرة الأحزاب السّياسيّة.
كارتيل المحروقات يلعب بالكهرباء
وفيما يخصّ قطاع الكهرباء يقول، بين سنوات 1998 و2020، ازداد انتاج الكهرباء في لبنان فقط 270 ميغاواط، لأن هناك كارتيلات تعرقل إقامة هذه المشاريع.
ويضيف تتلاقى مصالح هذه الكارتيلات مع أصحاب المولدات الكهربائيّة الخاصّة، كونهم شركاء في السّرقة والنّهب، فلولا المولدات لا لما استكاعت شركات المحروقات استيراد هذه الكميات الهائلة من المازوت، ما يعني أنّها تعمل تحت غطاء المولدات الكهربائيّة التي تعمل على المازوت والت يمكن استبدالها بتلك التي تعمل على الغاز الطّبيعي.
ويختم، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ احتكار المحروقات خلق أزمة في قطاع النّقل والكهرباء على مدار السنين الماضية، فبدل دعم مشاريع النّقل المشترك، ومعامل انتاج الكهرباء، كان الدعم يصب في خدمة قطاع المحروقات، كي تبقى جماعات القوى النّافذة مستفيدة في قطاعات السّيارات والمصارف وشركات التأمين.

المحروقات المخزّنة بالأرقام
إلى ذلك، يؤكد مصدر أمني، أنّه منذ حوالى الشهر، تعمل القوى الأمنيّة على تكثيف دورياتها، وإجراء عمليّات الكشف على محطات المحروقات، وجمع المعلومات عن المحتكرين، الذين يخزنون كميّات كبيرة من المحروقات المدعومة لبيعها لاحقاً في السّوق السّوداء.

ويتابع المصدر الأمني، تمكّنت القطعات الإقليميّة من الكشف عن 372 محطّة، وقد أُلزم أصحاب المحطّات المخالفة منها بتوزيع المخزون على المواطنين وفق التعرفة الرسمية، وقد بلغت كميّة المحروقات المخزّنة 1،945،640 ليترًا موزّعة على الشكل التالي: 1،674،895 ليترًا من مادّة المازوت، و 270،745 ليترًا من مادّة البنزين.
كما قامت شعبة المعلومات بملاحقة المحتكرين وبالكشف عن المستودعات المخبّأة في عقارات خاصّة وقد تمّ ضبط كميات ضخمة من المحروقات المخزنة تفوق 4،074،115 ليتر عبارة عن 2،805،256 ليترًا من مادة المازوت و1،268،859 ليترًا من مادة البنزين، التي كانت معدّة للبيع في السّوق السّوداء.
ويضيف، كما وتمّ توقيف 81 شخصاً بجرم الاحتكار وتهريب المحروقات، وحجز 16 صهريجاً و18 آلية تُستخدم في عمليات التّهريب والاحتكار، منها سيارات وفانات وشاحنات بيك آب.
وجرى توزيع هذه المضبوطات على المستشفيات والأفران والبلديّات وأصحاب المولدات الكهربائيّة -الذين نفذ المخزون لديهم- وإلى الجمعيّات الخيريّة والمؤسسات الحيوية، التي تحتاج الى تلك المحروقات، بناءً على إشارة القضاء المختصّ، وتعميم النيابة العامّة التمييزيّة.
ويردف، قامت شعبة المعلومات أيضاَ بوضع خطّة عمل، تقضي بمراقبة صهاريج المازوت والبنزين التي يتم نقلها من الشّركات باتجاه المناطق الحدوديّة، والتي أسفرت عن وصول الصهاريج إلى وجهتها المنشودة محمّلة بكميات هائلة تقدّر بــ 18,844،800، منها 10,616،150 من مادة البنزين، و8،228،650 من مادة المازوت، وقد قامت القطعات المختصّة في هذه الشّعبة بمراقبة عمليّة تفريغ وتوزيع الكميّة المذكورة حسب السعر الرّسمي إلى المواطنين والمؤسّسات الحيويّة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 1