بحث: الانسحاب الأمريكي من العراق.. هل انتهت الحرب؟

2021.08.06 - 04:52
Facebook Share
طباعة

           تناولت معظم مراكز الدراسات والأبحاث والصحف في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة, مسألة الانسحاب الأمريكي من العراق, وإنهاء المهام القتاليَّة فيه, حيث تساءل "Kirsten Fontenrose"و  "Andrew L. Peek" و"Abbas Kadhim"في مركز Atlantic council"" للدراسات هل انتهىت الحرب على العراق, أنَّ الرئيس الأمريكي جو بايدن, ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي, أعلنا أنَّ المهمَّة القتاليَّة الأمريكيَّة في العراق, ستنتهي بحلول نهاية العام, مع انتقال الجيش الأمريكي رسميَّاً إلى دور "استشاري" مع القوَّات العراقيَّة، وقال المحلَّلين أنَّ الانسحاب من العراق على نقيض الانسحاب من أفغانستان, هو بمثابة إعادة التوازن، وإزالة القوَّات المقاتلة, واستبدالها بمدرِّبين سيستمرون في بناء قدرات الأجهزة الأمنيَّة العراقيَّة, بينما تصف تحليلات أخرى الإعلان بأنَّه "خدعة دبلوماسيَّة مفيدة" لإدارة بايدن([1]).

          وتوقَّع الخبراء أنَّ توقيت الإعلان هو بلا شك لتقديم الانتخابات البرلمانيَّة العراقيَّة في أكتوبر, وتجنُّب وضع الكاظمي في مأزق, وتوضح أنَّ الاتفاق الذي تمَّ التوصل إليه هذا الأسبوع بين القادة الأمريكيِّين والعراقيِّين "يحافظ على مكانة رئيس الوزراء, ويَسمح للولايات المتَّحدة بتشكيل انسحابها بما يرضي" القيادة المركزيَّة الأمريكيَّة والقوَّات العراقيَّة, كما أنَّ تنحية القضايا الخلافيَّة المتعلِّقة بالوجود العسكري الأمريكي, ستحسن العلاقات الدبلوماسيَّة بين البلدين.
          وعن دور القوَّات الأمريكيَّة بعد الانسحاب, قالت تقرير "Cbs news" أنَّ دور القوَّات الأمريكيَّة سينتقل إلى دور تقديم المشورة, والمساعدة للعراقيِّين في قتالهم ضد داعش, حيث قال بايدن: "نحن ملتزمون أيضًا بتعاوننا الأمني, معركتنا المشتركة ضد داعش أمر بالغ الأهميَّة لاستقرار المنطقة, وستستمر مهمَّتنا لمكافحة الإرهاب, حتى مع انتقالنا إلى هذه المرحلة الجديدة التي سنتحدث عنها"([2]), وعن الدور أيضاً قالت "Jared Szuba" في تقرير لها في "al monitor" أنَّ الرئيس الأمريكي قال أنَّ دورهم في العراق, لمواصلة التدريب, والمساعدة والتعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عند ظهوره, وكذلك تبادل المعلومات الاستخباراتيَّة، وجاء في بيان بايدن, أنَّ الولايات المتَّحِدة تعتزم مواصلة دعمها لقوَّات الأمن العراقيَّة، بما في ذلك البشمركة، لبناء قدرتها على التعامل مع التهديدات المستقبليَّة"([3]).
          وهذا ما أكَّدت عليه السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض "جين بساكي" أنَّ الأمر "يتعلَّق بالانتقال إلى قدرة تقديم المشورة, والتدريب بشكل أكبر", وقالت "Elizabeth Crisp" في News Week"", أنَّه من غير الواضح, عدد أفراد الجيش الأمريكي, الذين سيبقون في العراق, وما إذا كان بعض الأفراد العسكريِّين الذين يقومون حاليًا بأدوار قتاليَّة, سيتحوَّلون إلى الأدوار الاستراتيجيَّة الجديدة, وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض "جين بساكي": "ستكون الأرقام مدفوعة بما هو مطلوب للمهمَّة بمرور الوقت", لكن أشار بعض الخبراء, أنَّ البيت الأبيض لم يقدِّم تفاصيل إضافيَّة, حول التحوُّل المزعوم من المهام القتاليَّة إلى المهام الأمنيَّة والتدريبيَّة([4]).
          وحول الانسحاب أشار "Rebecca Kheel" في مركز "The Hill" للدراسات أنَّ الإعلان, سيشكِّل نهاية رمزيَّة للمهمَّة القتاليَّة، فمن المتوقع أن تظل العمليَّات العسكريَّة الأمريكيَّة في العراق, دون تغيير إلى حدِّ كبير، حيث كانت القوَّات الأمريكيَّة هناك تقوم بدور تدريبي واستشاري في الغالب منذ سنوات, بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ التمييز بين القوَّات "القتاليَّة" و "غير القتاليَّة" غير واضح([5]), ومع ذلك قال "Michael Rubin" في مركز "aei" للدراسات أنَّ الوضع في العراق, بعد زيارة الكاظمي الأخيرة إلى واشنطن, لن يتغيَّر([6]).
          تحدَّثت "Sofia Melnichuk"و" "Ksenia Melnikovaفي موقع "the frontier post" أنَّ الولايات المتَّحدة تنأى بنفسها بشكل متزايد عن الشرق الأوسط, وتمَّ سحب الكتيبة من أفغانستان، والمهمَّة العسكريَّة في العراق تقترب من نهايتها, وحسب التقرير فإنَّ العراق مهم للغاية بالنسبة للولايات المتَّحِدة في الشرق الأوسط، مع ذلك، لا يوجد حديث عن انسحاب أمريكي كامل من العراق، ويقول "مكسيم سوشكوف"، مدير مركز الدراسات الأمريكيَّة المتقدِّمة في IMI MGIMO، إنَّ منطق المواجهة مع الصين, يُجبر الولايات المتَّحِدة على إعادة التفكير في أهدافها وتحويل التركيز, حيث يمكن أن تكون المواجهة طويلة، ما يعني أنَّها بحاجة إلى أن تكون انتقائيِّة في استخدام الموارد, ولطالما ألقى الشرق الأوسط بثقله على واشنطن، لكن محاولات أوباما وترامب لتحسين الوجود العسكري هناك قوبلت بمقاومة من 1البنتاغون, لكن إذا كنت لا تزال ترسم الخط، فإن النتائج ليست هي الأكثر نجاحاً: حيث لم ينجح الأمريكيُّون في بناء نظام دفاعي يعمل بشكل مستقل في العراق, وبرحيلهم لن يأتي السلام والطمأنينة، والتهديد الإرهابي لم يختف, سيوضح الوقت كيف سيعمل المدرِّبون([7]).
          لكن "دان كالدويل"، كبير مستشاري شركة Concerned Veterans for America، قال إنَّ القوَّات الأمريكيَّة ستظل في خطر, وأضاف "بغض النظر عمَّا إذا كان انتشارهم يسمى مهمَّة قتاليَّة، فإنَّ القوَّات الأمريكيَّة ستظل تتعرَّض لهجوم منتظم, طالما بقيت في العراق, فالوجود العسكري الأمريكي في العراق, ليس ضروريًا لسلامتنا, ويخاطر فقط بخسارة المزيد من الأرواح الأمريكيَّة"([8]).
 أسباب الانسحاب:
          يقول الخبراء أنَّ الإعلان المخطَّط له يعكس أكثر من تحوُّل في المصطلحات وليس تغييراً فعليَّاً للمهمَّة, حيث أنهى التحالف الذي تقوده الولايات المتَّحدة في العراق عمليَّات قتاليَّة العام الماضي, مع انتقاله إلى دور استشاري مقرَّه بغداد إلى جانب القادة العراقيَّين, كما أنَّ الكاظمي، الذي يُنظر إليه في واشنطن على أنَّه أقوى زعيم للعراق منذ عقود، يواجه انتخابات مبكِّرة على مستوى البلاد في أكتوبر / تشرين الأول, وضغوطًا كبيرة من فصائل موالية لإيران لطرد القوَّات الأمريكيَّة من البلاد, حيث بدأت تلك الفصائل برفض صيغة الإعلان, حيث انتقد أعضاء في "عصائب أهل الحق" وجناحها السياسي, الموقف الأخير للقادة العراقيِّين بشأن الدور الأمريكي في البلاد", كما رفض المتحدِّث باسم كتائب حزب الله العراق، "جعفر الحسيني"، أي اتفاق أميركي عراقي يترك أيَّ قوَّات أميركيَّة في البلاد, مهما كان دورها.
          وهذا ما أكَّده الباحث في قسم الأمن القومي في واشنطن Jamie McIntyre"" في مركز "Washington examiner" للدراسات, حيث قال أنَّ التحرُّك لإعلان رحيل القوات "المقاتلة" يعتبر رمزيَّاً لحدٍ كبير، نظرًا لأنَّ القوَّات الأمريكيَّة لم تَعد ترافق القوَّات العراقيَّة أثناء ملاحقة فلول داعش، لكن الكاظمي يتعرض لضغوط من الأحزاب السياسية الشيعيَّة العراقيَّة لإنهاء المهمَّة الأمريكيَّة, خاص بعد أن قتلت غارة جويَّة بطائرة دون طيَّار, الجنرال الإيراني الكبير قاسم سليماني, وقائد الميليشيا العراقيَّة أبو مهدي المهندس([9]).
          وأشار بعض المحلِّلين أنَّه وعلى الرغم من كونه انسحاباً رمزيَّاً إلى حدِّ كبير ، فإنَّه محاولة من جانب بايدن, لوضع حقبة ما بعد 11 سبتمبر خلف الولايات المتَّحدة, حيث تتحوَّل إلى التركيز على المنافسة مع الصين, كما أنَّ القوَّات الأمريكيَّة على وشك الانتهاء من الانسحاب من أفغانستان, بعد ما يقرب من 20 عاماً.
          وعن الأسباب تقول "ميشيل فلورنوي"، المسؤولة السابقة في البنتاغون, والتي كانت ذات يوم مرشَّحة رئيسيَّة كوزير دفاع بايدن: "على الرغم من المناقشات حول إعطاء الأولويَّة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإنَّنا لم نحول في الواقع كل هذا القدر من ثقلنا للعمل في هذا الاتجاه", حيث أنَّ القواعد الأمريكيَّة توسَّعت في قاعدة العيديد في قطر, كما أنَّ البنتاغون يقوم بتقييم قوَّاته العسكريَّة في جميع أنحاء العالم, وهناك علامات على "التقليم" في جميع أنحاء المنطقة, حيث سحبت إدارة بايدن ثماني بطاريات دفاع صاروخي باتريوت من العراق والكويت والأردن والمملكة العربيَّة السعوديَّة، ودرع صاروخي منفصل من المملكة العربيَّة السعوديَّة, وبالتالي فالنقطة الرئيسيَّة ليست مجرَّد تحرير القوَّات العسكريَّة، وتخصيص المزيد من الوقت للتدريب في الداخل، ولكن أيضاً لتغيير طبيعة الوجود الأمريكي بطرق أعمق.
          وتقول "بيكا واسر" في مركز الأمن الأمريكي الجديد، في واشنطن: "هناك دفعة تتجه بعيدًا عن القواعد الكبرى، لأن الأكبر لم يعد مطلوبًا بعد الآن, وبدلاً من ذلك، يريد البنتاغون أن يتحوَّل إلى ما يسمى "المواقع الموزَّعة" أي قواعد أصغر, منتشرة على مساحة أكبر، وبالتالي فهي أكثر قدرة على مقاومة الهجمات الصاروخيَّة, مثل وابل غارات إيرانيَّة على القوات الأمريكيَّة في العراق, الذي أعقب اغتيال سليماني"([10]).
          ويقول "جوزيف فوتيل"، الجنرال الأمريكي المتقاعد، والذي ترأَّس مركز البنتاغون بالقيادة, وهو الآن في معهد دراسات الشرق الأوسط: "إنَّ المستقبل سيشمل تقديم المشورة للشركاء الإقليميِّين, ومساعدتهم للقيام بالأعباء الثقيلة، مع زيادة القوَّات الأمريكيَّة لوجودها عند الحاجة فقط, وهذا لا يتطلَّب آلافًا وآلافًا من القوات, بل يمكننا القيام بذلك بطريقة مستدامة للغاية".
مواقف وآراء خبراء مراكز الدراسات حول العالم من الانسحاب:
          في آراء بعض المحلِّلين في العديد من مراكز الدراسات والأبحاث حلول الانسحاب قال "Jan Yumul" في مركز china daily"" للدراسات عن الانسحاب أنَّه يزيد من حدَّة التركيز على المشاكل السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة للبلد, وقال "ناجابوشبا ديفندرا"، المحلل في معهد "مانوهار باريكار" للدراسات والتحليلات الدفاعيَّة، إنَّ الوجود العسكري الأمريكي "أثار المزيد من النزاعات" بين القوَّات الأمريكيَّة والقوَّات المسلَّحة المحليَّة([11]).
          وقال "جاويد إقبال" أستاذ العلوم السياسيَّة, ورئيس قسم دراسات غرب آسيا وشمال إفريقيا في جامعة "عليكرة" الإسلاميَّة في الهند، إنَّ الهجمات على الأفراد الأمريكيِّين هي نتاج أفعال أمريكيَّة, كما أنَّ "التداعيات الدوليَّة للتدخُّل الأمريكي, تَشمل ولادة الدولة الإسلاميَّة "داعش" في العراق وسورية, وتحويل العراق إلى ساحة معركة للصراع الأمريكي الإيراني".
          وقال "ارحمه صديقة"، الزميل الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجيَّة في إسلام أباد في باكستان، إنَّ العراق "يعاني من نكسات مستمرَّة" وأنَّ "عقودًا من الصراع الممزوج بالإهمال" تركت الخدمات العامَّة في حالة يرثى لها.
          وقالت "سوجاتا أشواريا"، الأستاذة المشاركة في مركز دراسات غرب آسيا في جامعة الجامعة الإسلاميَّة في نيودلهي، إنَّ الإعلان الرسمي لسحب القوَّات, قوبل بمقاومة من الجمهوريِّين الأمريكيِّين، الذين كانوا يضغطون على الرئيس جو بايدن لشن هجوم مضاد ضد الميليشيَّات.
          وقالت "يلينا سوبونينا"، عالمة السياسة والخبيرة في مجلس الشؤون الدوليَّة الروسي، إنَّ واشنطن ناضلت منذ فترة طويلة من أجل هذه المنصَّة الاستراتيجيَّة المهمَّة, الإعلانات عن انسحاب القوات في رأيها "حجاب سياسي"، لأنَّه يجب الوفاء بالوعود التي أعطيت للناخبين الأمريكيِّين.
          وقالت "دانيلا كريلوف" الباحثة في مركز الدراسات الشرقيَّة, على الأرجح، سيكون هناك تركيز تقليدي مع الانتقال من دولة عربيَّة إلى أخرى, في هذه الحالة، إلى سورية, حيث ذكرت وزارة الدفاع الروسيَّة مرارًا وتكرارًا أنَّ القوات الأمريكيَّة من العراق انتقلت إلى قواعد في سورية، ومن المحتمل جدَّاً أن يتم نقل المقرَّات ومراكز جمع المعلومات الاستخباريَّة في العراق من الجيش إلى الكتلة الدبلوماسيَّة.


[1]- https://www.al-monitor.com/originals/2021/07/biden-announces-end-us-combat-mission-iraq
[2]- https://www.cbsnews.com/news/joe-biden-iraqi-prime-minister-mustafa-al-kadhimi-military-watch-live-stream-today-2021-07-26/
[3]- https://www.al-monitor.com/originals/2021/07/biden-announces-end-us-combat-mission-iraq
[4]- https://www.newsweek.com/biden-us-combat-troops-will-leave-iraq-end-year-1613301
[5]- https://thehill.com/policy/defense/564820-biden-iraqi-prime-minister-to-announce-end-of-us-combat-mission-in-iraq
[6]- https://www.aei.org/op-eds/iraq-needs-wise-investments-not-empty-economic-promises/
[7] - https://thefrontierpost.com/us-military-is-preparing-to-move-closer-to-russia/
[8] - https://apnews.com/article/joe-biden-government-and-politics-middle-east-iraq-islamic-state-group-9397d9996703d7416f857165072a0a05
[9]- https://www.washingtonexaminer.com/policy/defense-national-security/iraqi-prime-minister-meets-with-biden-seeking-to-rebrand-remaining-us-combat-troops-in-iraq-as-advisers
 
[10]https://www.economist.com/united-states/2021/07/27/why-joe-biden-is-ending-americas-combat-mission-in-iraq
[11]- http://www.chinadaily.com.cn/a/202107/26/WS60fe0c1da310efa1bd6643eb.html
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 9