بحث: العلاقات الاسرائيلية الروسية ح1

وكالة أنباء آسيا

2021.07.27 - 10:40
Facebook Share
طباعة

 توطئة:

          سعى الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لتحسين العلاقات مع إسرائيل منذ تبوُّئَه السلطة في آذار/مارس العام 200م، كما وطَّد الطرفان علاقاتَهُما بشكل ملحوظ على عدَّة جبهات, ويعقُد المسؤولون الروس والإسرائيليُّون اجتماعات ومحادثات بصورة منتظمة, ويحافظون على عِدَّة قنوات اتصال مفتوحة([1]), كما تحسَّنت العلاقات الاقتصاديَّة والعسكريَّة بينهما بشكل لافت، رغم مخاوف إسرائيل بشأن العلاقات التي تجمع روسيا بعدوِّها اللدود إيران.
          عند استلام الرئيس بوتين زمام السلطة في آذار/مارس 2000م، سعى لإعادة روسيا كلاعب بارز في الشرق الأوسط, وعملَ مع جميع الأطراف في المنطقة، سواء أكانوا أصدقاء أو خصوماً تقليديِّين, وتضمَّنت هذه السياسة تحسين العلاقات مع إسرائيل, إثر تدهورها في أواخر التسعينيَّات في عهد وزير الخارجيَّة ورئيس الوزراء آنذاك "يفكيني بريماكوف"، الذي كان أكثر تأييداً للمواقف العربيَّة, وكتب البروفسور "مارك كاتز" في دوريَّة "الشرق الأوسط الفصليَّة" العام 2005م: "لا يسعى بوتين إلى إرضاء واشنطن, ولا إلى تلبية أي ضرورات سياسيَّة محليَّة، بل إنَّ سياسة موسكو الجديدة في الشرق الأوسط تنتج عن حسابات بوتين الشخصيَّة للمصالح الروسيَّة، وهي حسابات لا تلقى تأييداً كبيراً في حكومته".
          تشير "آنا بورشفسكايا" في "معهد واشنطن للدِّراسات" إلى محدِّدات التقارب الروسي مع إسرائيل في عهد بوتين, والتي تتمثَّل في الصراع مع جمهوريَّة الشيشان المنشقَّة في شمال القوقاز، ووفقاً لوكالة "تي أس جي إنتل بريف" TSG IntelBrief"، في تشرين الثاني/نوفمبر 2003م، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "أرييل شارون"، الرئيس الروسي بـ "الصديق الفعلي لإسرائيل", العامل الآخر تشديده على تطوير علاقات اقتصاديَّة مع دول الشرق الأوسط وضمنها إسرائيل, وكذلك يعيش في إسرائيل أكثر من مليون متحدِّث باللُّغة الروسيَّة من أصل روسي، وهو أمر مُهم بالنسبة إلى الكرملين, وهناك أسباب أخرى تتعلَّق باعتبارات روسيا المحليَّة وتوازن السياسة الروسيَّة تجاه إسرائيل, نظراً لأنَّ روسيا تضم عدداً كبيراً من السكان المسلمين مقابل عدد صغير من السكان اليهود، وبسبب استمرار معاداة السامية، وتنامي الشعور المناهض للإسلام والمخاوف بشأن الإرهاب, ناهيك عن أسباب تتعلَّق بمساهمة روسية في عمليَّة السلام, وكتبت صحيفة "جيروزاليم بوست" في وقت سابق مقالاً يشير إلى العلاقات الثنائيَّة بين الدولتين والتي وصفتها أنَّها "أحر العلاقات على الإطلاق"([2]).
          وفي العام 2010م، وعلى إِثر ضغوط من الغرب وإسرائيل، جمَّدَت موسكو "ولكنَّها لم تلغِ" عقداً بقيمة 800 مليون دولار مع إيران, لبيع نظام الدفاع الجوي "أس-300" الذي قد يساعد على إسقاط الطائرات الحربيَّة الأمريكيَّة أو الإسرائيليَّة, في حال تعرًُّض المنشآت النوويَّة الإيرانيَّة لضربة جويَّة, وفي المقابل، امتنعت إسرائيل عن انتقاد تصرُّفَات موسكو في الدول القريبة من روسيا, على سبيل المثال، أبقت إسرائيل علناً على موقفها الحيادي حول الأزمة الأوكرانيَّة, ولم تبعْ أسلحة لكييف.
          ورغم ذلك التقارب يعرف المسؤولون في موسكو وإسرائيل, أنَّه حتى في القضايا الجيوستراتيجيَّة، لا توجد طريقة للتغلُّب على بعضهم البعض, ولا يمكن لبوتين أن يرقى إلى مستوى ادعائه بأنَّه قوَّة إقليميَّة في الشرق الأوسط, إلَّا من خلال الحفاظ على التنسيق الوثيق مع إسرائيل, وبالنسبة لإسرائيل، تعتبر روسيا أحد أهم الجهات الفاعلة عندما يتعلَّق الأمر بأمنها, وخاصَّة فيما يتعلَّق بسورية وإيران وحزب الله, فهما المشكلة الفعليَّة بين الطرفين, فبالنسبة لإسرائيل, لطالما أنَّ الحكومة الروسيَّة دعمت أعداء إسرائيل المُعلنين في المنطقة، حيث يعي الإسرائيليُّون أنَّ أيَّ علاقة جيِّدة بين روسيا وإسرائيل لن تُقنع بوتين بالتخلي عن مصالحه الجيوسياسيَّة, والابتعاد تمامًا عن شركائه الإقليميِّين, بالمقابل؛ فإنَّ دفاع إسرائيل خارج حدودها يهدِّد قدرة حلفاء بوتين على التصرُّف، وبالتالي إضعاف موقف روسيا في الشرق الأوسط, وبالتالي سيتم الحديث عن تلك العلاقة, والمحدِّدات لتلك العلاقة:
أوَّلًا). العلاقة الإسرائيليَّة الروسيَّة:
1. تاريخ العلاقات الروسيَّة الإسرائيليَّة:
          عندما خرجت روسيا من رَحم الاتحاد السوفيتي المنهار في ديسمبر 1991م، ورثت علاقة مشحونة مع إسرائيل, وعلى الرغم من أنَّ الاتحاد السوفيتي كان من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل العام 1948م، إلَّا أنَّ العلاقات تدهورت بسرعة في ظل الحرب الباردة, بينما كانت إسرائيل الجديدة تميل بشدَّة نحو الولايات المتَّحدة، ووسَّعت بدورها موسكو علاقاتها مع جيرانها العرب, ثم قَطع الكرملين العلاقات الدبلوماسيَّة تمامًا بعد حرب الأيام الستَّة عام 1967م؛ تم استعادتها في أكتوبر 1991م، ثم تابعها الاتحاد الروسي.
          منذ أن تولَّى منصبه، قدَّم بوتين نفسه على أنَّه حامي الأقليَّة اليهوديَّة في روسيا, وفي أوروبا ككل, وبذلك، يلمِّح بشكل خاص إلى كفاح الاتحاد السوفيتي ضد الفاشيَّة, كما يتَّضح من زياراته إلى النصب التذكاريَّة للهولوكوست, ولقاءاته مع قدامى المحاربين الروس اليهود في الحرب العالميَّة الثانية, وافتتح أكبر متحف يهودي في العالم في موسكو العام 2012م, وفي سياق ما يسمى بأزمة الهجرة دعا بوتين اليهود الذين يعيشون في أوروبا الغربيَّة إلى الهجرة إلى روسيا هربًا من معاداة السامية المتزايدة, كما أقرَّ الإعلان الروسي الإسرائيلي لعام 2016م, بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس العلاقات الدبلوماسيَّة بأهميَّة الدور الذي يلعبه السكَّان اليهود في التاريخ والثقافة الروسيَّة.
          وأدَّى التصوُّر المشترك لخطر الإرهاب الإسلامي لتقارب روسي إسرائيلي, منذ الانتفاضة الثانية العام 2000-2005م، حيث أيَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "أرييل شارون" الخط الروسي القائل بأنَّ الانفصاليَّة الشيشانيَّة كانت بمثابة إرهاب, وقارنها مع أفعال الفلسطينيِّين([3]).
          ومنذ ذلك الحين، عمل الجانبان على تعميق علاقتهما تباعا على المستويات المجتمعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة, وكان التدخُّل العسكري الروسي في الصراع السوري في أيلول / سبتمبر 2015م, بمثابة مرحلة جديدة في تلك العلاقات([4]).
          اجتماعيَّاً, ووجَدَ استطلاع في ليفادا في العام 2017م, أنَّ 57 بالمائة من الروس لديهم موقف إيجابي أو إيجابي للغاية تجاه إسرائيل, وأحد أسباب التعاطف تلك, صورة قدَّمها الإعلام والقيادة السياسيَّة, والدور الذي تلعبه الاتصالات الخاصَّة المتنامية والتبادل غير الرسمي بين المجتمعين, حيث أصبحت إسرائيل وجهة شهيرة للسياح الروس وسائحي العلاج, وزادت زيارات الحُجَّاج الأرثوذكس الروس أيضًا منذ العام 2008م، كما تعزَّزت الروابط الاجتماعيَّة والثقافيَّة بين روسيا وإسرائيل, بفعل الهجرة اليهوديَّة إلى إسرائيل, وتكمن الجذور العائليَّة لمعظم رؤساء الوزراء الإسرائيليِّين حتى الآن في أراضي الإمبراطوريَّة الروسيَّة السابقة, وبالتالي ساعدت هذه الروابط المجتمعيَّة العميقة القيادتين الروسيَّة والإسرائيليَّة على تعزيز التقارب.
          تجاريَّاً, عزِّزت العلاقات التجاريَّة بين البلدين منذ العام 1994م, كما ينعكس في اتفاقيَّات أبحاث الفضاء 2011م، والتكنولوجيا النوويَّة 2013م, وتكنولوجيا النانو 2016م,  ومنذ العام 2016م، كانت المفاوضات جارية أيضاً حول اتفاقيَّة التجارة الحرَّة بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي - مشروع التكامل الاقتصادي الذي تقوده روسيا مع كازاخستان وقيرغيزستان وأرمينيا وبيلاروسيا - وإسرائيل.
          ونمت التجارة بشكل هائل منذ استعادة العلاقات، وبلغ حجمها 2.5 مليار دولار في العام 2017م, بينما تصدِّر روسيا إلى حد كبير الموارد إلى إسرائيل 40 في المائة من النفط ، و32 في المائة من المعادن النفيسة، فإنَّ وارداتها الرئيسيَّة هي المنتجات الزراعيَّة 36 في المائة، والآلات 28 في المائة, والمواد الكيميائيَّة 22 في المائة, تشير الأرقام إلى أنَّ إسرائيل كانت تستفيد بشكل غير مباشر من العقوبات الروسيَّة المضادَّة على المنتجات الزراعيَّة الأوروبيَّة, كما يتم التعاون بين البلدين في مجال الطاقة, حيث يتعاون الطرفان في حقل ليفياثان للغاز قبالة السواحل الفلسطينيَّة, وتمَّ إبرام اتفاقيَّات تعاون بين الشركات والمؤسَّسات البحثيَّة الإسرائيليَّة ومعهد تكنولوجيا النانو الحكومي الروسي العام 2012م Rosnano"" ومركز الابتكار الروسي 2016م, "Skolkovo".
          ويشير مراقبون أنَّ التقارب الروسي مع إسرائيل لا يزال بعيدًا عن الشراكة الاستراتيجيَّة القائمة على الأهداف المشتركة والثقة المتبادلة, وتظل العلاقة بين البلدين عمليَّة للغاية، مدفوعة بالمصالح, وتتميَّز بتعاون انتقائي, هذه العلاقة مدفوعة حاليًا بالصراع السوري والتطوُّرات بالشرق الأوسط، في حين أنَّ الروابط الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة المحدَّدة أقل حسماً([5]).


[1]- متوفر على الرابط:
https://sputniknews.com/politics/201611081047184484-russia-israel-syria-conflict/
[2]- متوفر على الرابط:
https://www.ippi.org.il/relationship-status-its-complicated-the-russian-israeli-relationship/
[3]- متوفر على الرابط:
https://fanack.com/russia-israel-relationship-transformed-by-syria-conflict/
[4]- متوفر على الرابط:
https://www.swp-berlin.org/en/publication/russia-israel-relationship-transformed-by-syria-conflict/
[5]- متوفر على الرابط:
https://www.swp-berlin.org/fileadmin/contents/products/comments/2018C37_avk_kle.pdf
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 4