مستقبل أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي (ح2)

2021.07.19 - 01:47
Facebook Share
طباعة

أولاً). روسيا:
تحدَّث تقرير "Atlantic council" أنَّ روسيا تسعى باستمرار لتوسيع نفوذها في آسيا الوسطى, حيث انخراط في عمليَّة السلام الأفغانيَّة, وشاركت في البرامج الإقليميَّة "سيما مجموعة Troika-plus" المكوَّنة من الولايات المتَّحدة وروسيا والصين وباكستان, فبالنسبة لها تُعتبر أفغانستان أكبر تهديد لها من ناحية الأمن, والتطرُّف الديني, والمخدِّرات, وقال التقرير تعتبر روسيا رحيل الولايات المتَّحدة فرصة لتنشيط دورها, وتوسيع قوَّتها, من خلال بناء تحالفات في المنطقة( ), وفي وقت سابق توقَّع الجنرال "ألكسندر ليبيد" أنَّ طالبان، إذا لم تتوقَّف، ستصل قريبًا إلى مدينة "سامارا" الروسيَّة, وفي العام 2009م، صرَّح الممثَّل الدائم لروسيا في حلف الناتو، "ديمتري روجوزين" ، أنَّه إذا هُزمت قوَّات التحالف، فقد تقع طالبان في الإغراء وتضرب الشمال، ثم تتحرَّك نحو آسيا الوسطى، ما سيشكل لاحقًا تهديدًا كبيرًا لروسيا, كما اعترافت طالبان باستقلال جمهوريَّة الشيشان (إشكيريا) في يناير 2000م, وافتتاح سفارة الشيشان في كابول نتيجة زيارة "زليمخان يندربييف" إلى أفغانستان "الذي كان رئيسًا بالنيابة لجمهوريَّة الشيشان الانفصاليَّة إيشكريا بين 1996 و1997م"، ما زاد من تشدُّيد الموقف الروسي ضد طالبان.
وصرَّح الممثِّل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أفغانستان, أنَّه عندما تمَّ طرد قوَّات طالبان في العام 2001م، انخفض مستوى النشاط الإرهابي إلى الصفر في أفغانستان، "ولكن الآن، نتيجة للوجود الأمريكي الهائل" هناك تهديد استراتيجي لروسيا والصين والهند وآسيا الوسطى، وإيران, ووفقًا للباحث الروسي "أركادي دوبنوف"، فإنَّ الاتصال بين موسكو وطالبان قائم منذ التسعينيَّات, وأدت محاولات طالبان في التسعينيَّات للتواصل مع موسكو إلى اجتماع مغلق واحد لدبلوماسيِّين روس مع ممثل زعيم طالبان السابق "الملا عمر" في عشق أباد, ولم يكن لهذا الاجتماع أي نتيجة لأنَّ طالبان طلبت من الحكومة الروسيَّة المساعدة في استبدال ممثِّل أفغانستان لدى الأمم المتحدة بممثِّل من طالبان, الأمر الذي لم يتم.
لكن بعد التطوُّرات الأخيرة, تعمل روسيا على إيجاد أو تفعيل طرق للعمل مع طالبان، والتي يَتوقَّع الكثيرون أن تتولَّى السلطة "سواء بشكل رسمي أو غير رسمي" في أفغانستان الجديدة, حيث يسعى الرئيس فلاديمير بوتين, حسب تقرير "Eltaf Najafizada" و "Faseeh Mangi" و""Sudhi Ranjan Sen في "Bloomberg", للحصول على تأكيدات من طالبان بأنَّها ستحترم حدود دول آسيا الوسطى( ), فبحلول العام 2009م، كانت هناك مؤشِّرات في وسائل الإعلام الروسيَّة على أنَّ روسيا تسعى إلى إقامة علاقات مع بعض مجموعات طالبان في أفغانستان، وكانت هناك دعوات من خبراء روس بشأن أهميَّة تحسين العلاقات، ليس فقط مع ممثِّلي الحكومة ولكن أيضًا مع مجموعات البشتون المختلفة, علاوة على ذلك، في مايو 2009م، شاركت مجموعة من الأفغان المشتبه في أنَّ لهم صلات مع طالبان في "المنتدى الروسي الأفغاني" الذي نظَّمته منظَّمة غير حكوميَّة روسيَّة في موسكو.
وحسب تقارير سابقة قال "Nurlan Aliyevoctober" في مركز "war on the rocks", إنَّ روسيا دفعت مكافآت لطالبان لقتل جنود الولايات المتَّحدة وحلفائها, كما أن أفغانستان لا تزال موقعاً للمنافسة بين روسيا والغرب, ويتمثَّل الهدف الإضافي للسياسة الروسيَّة في الحفاظ على أفغانستان كدولة محايدة لا يمكن استخدامها كنقطة انطلاق من قبل القوى الأخرى، خاصة الولايات المتَّحدة، ضد روسيا( ), كما تعمل موسكو على تطوير العلاقات مع الجماعات العرقيَّة البشتونيَّة, وفي هذا الصدد، تنظر موسكو إلى تطوير العلاقات مع طالبان على أنَّه أحد الجوانب المهمَّة اللازمة للحرب, وإعادة نفوذها في المنافسة الداخليَّة والدوليَّة في أفغانستان.
وكان الهدف الرئيسي لموسكو فيما يتعلَّق بالعلاقات مع طالبان هو استخدام مجموعاتها المعتدلة ضد منظَّمات مثل القاعدة ثم داعش أو ولاية خراسان الإسلاميَّة في أفغانستان, فقد أرادت موسكو، مستفيدةً من الانقسام بين مقاتلي طالبان الذي نشأ في منتصف عام 2015م بعد أنباء مقتل الملا عمر، الدخول في شراكة مع جماعة طالبان الأكثر عداءً لتنظيم الدولة الإسلاميَّة, ويبدو أنَّ موسكو قرَّرت أنَّ هناك فرصة ضئيلة للولايات المتَّحدة لتحقيق الاستقرار في أفغانستان، وأنَّ طالبان ستكون على الأرجح قوَّة مهيمنة في المستقبل المنظور, كما أثَّر التدهور المستمر للعلاقات بين روسيا والولايات المتَّحدة بعد تدخل موسكو في أوكرانيا العام 2014م, على سياسة موسكو تجاه أفغانستان بشكل عام, وعلاقاتها مع طالبان بشكل خاص, في فبراير 2019م, قال لافروف، في تعليقه على العلاقة بين طالبان والحكومة الأفغانيَّة، إنَّ هذه العلاقة حتميَّة، لكنَّه أكَّد أنَّه عندما اجتمع ممثلو الولايات المتَّحدة وطالبان مؤخرًا في قطر، لم يتم إبلاغ روسيا ودول المنطقة.
وفي أوائل العام 2018م، صرَّح قائد القوات الأمريكيَّة في أفغانستان، الجنرال "جون نيكلسون"، أنَّ روسيا تدعم طالبان وتزوَّدها بالأسلحة، لكنَّه لم يستطع تحديد الكميَّة, ونفت روسيا ذلك، ونفت المزاعم الأخيرة بشأن منح طالبان لقتلى القوات الأمريكيَّة, وحسب التقارير زادت موسكو الدعم الدبلوماسي لحركة طالبان في السنوات الأخيرة, على سبيل المثال، في مارس 2020م، شنَّت الولايات المتحدة غارات جوية في مقاطعة هلمند لوقف هجمات طالبان على الجيش الأفغاني, ووصفت وزارة الخارجية الروسيَّة الضربات الجويَّة بأنَّها انتهاك للاتفاقيَّة الموقَّعة في قطر, في الوقت الحالي، تدعم روسيا حتى رفع العقوبات عن طالبان في الأمم المتَّحدة, وبالإضافة لطالبان, تعمل موسكو على تطوير العلاقات مع الجماعات العرقيَّة البشتونيَّة, وفي هذا الصدد، تنظر موسكو إلى تطوير العلاقات مع طالبان على أنَّه أحد الجوانب المهمَّة اللازمة للحرب, وإعادة نفوذها في المنافسة الداخليَّة والدوليَّة في أفغانستان, علاوة على ذلك.
كما تُعتبر مشكلة المخدِّرات مهمَّة لروسيا, حيث تمتلك روسيا أحد أعلى المعدلات في العالم استخدام المخدرات للفرد, ويتدفَّق جزء كبير من تلك المخدرات مباشرة من أفغانستان, وبالتالي هذا الهدف المتمثِّل في القضاء على تهريب المخدرات هو أحد الأسباب التي دفعت المسؤولين الروس في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين, إلى انتقاد القوَّات التي تقودها الولايات المتَّحدة في أفغانستان, لفشلها في مكافحة إنتاج وتوزيع المخدرات, وفي العام 2010م، قدمت روسيا قائمة ببارونات المخدِّرات الأفغان وآسيا الوسطى, وغيرهم من المتورطين في تجارة المخدرات، بالإضافة إلى بيانات عن 175 معملًا للمخدرات تعمل في أفغانستان، إلى مكتب الولايات المتَّحدة للسياسة الوطنية لمكافحة المخدرات وإلى الناتو, وسعت موسكو بعد ذلك إلى القضاء بقوَّة على حقول الخشخاش في أفغانستان, لم ينجح طلب موسكو، حيث لم تكن هناك إمكانيَّات دخل بديلة متاحة للفلَّاحين، كما رفضته كل من الحكومة الأفغانيَّة والتحالف بقيادة الولايات المتَّحدة, مع ذلك، في أكتوبر 2010م، أجرت الولايات المتَّحدة وروسيا عمليَّة مشتركة رمزيَّة لتدمير أربعة مختبرات بالقرب من الحدود الباكستانيَّة, ودوافع موسكو على هذه الجبهة ليست صحيَّة فقط: فهي تستخدم مشكلة إنتاج المخدرات في أفغانستان في "مواجهات معلوماتيَّة" مع الولايات المتَّحدة، كما يتضح من التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مسؤول في وزارة الخارجيَّة الروسيَّة متهمًا المخابرات الأمريكيَّة مجتمعةً بالمشاركة في الاتجار بالمخدِّرات.
وحسب تقرير "Ayaz Gul" في موقع "voa news" تجادل روسيا أنَّ العمليَّات العسكرية التي تقوم بها القوَّات الدوليَّة بقيادة الولايات المتَّحدة وشركاؤها الأفغان, لم تُضعف حركة طالبان, ولكنَّها خلقت بدلاً من ذلك مناطق غير خاضعة للحكم, حيث يمكن للجماعات الإرهابيَّة مثل داعش، أن تؤسِّس موطئ قدم لها, وأخبر سفير روسيا لدى الأمم المتحدة "فيتالي تشوركين"، مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة أنَّ الوضع الأمني المتدهور شجَّع مقاتلي داعش الفارين من سورية والعراق للبحث عن مأوى في أفغانستان, وقال إنَّهم سيشكِّلون في النهاية تهديدًا لروسيا من خلال دول آسيا الوسطى المجاورة, وقال هناك أيضًا معلومات حول وجود معسكرات داعش في المرافئ الآمنة في أفغانستان, حيث يتم تدريب أشخاص من دول آسيا الوسطى وجمهوريَّات شمال القوقاز, وحيث وصلت بالفعل 700 عائلة إرهابيَّة قادمة من سورية", وحول العلاقة مع طالبان, رفض تشوركين مجددًا المخاوف الأفغانيَّة والأمريكيَّة من أنَّ علاقات موسكو العلنيَّة مع طالبان, تهدف إلى تقويض الجهود الدوليَّة الرامية إلى إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان, وقال إنَّ "اتصالاتنا مع ممثلي طالبان تقتصر على مهمَّة توفير الأمن للمواطنين الروس في أفغانستان, وتَهدف أيضاً إلى دفع طالبان نحو الانضمام إلى عمليَّة المصالحة الوطنيَّة"( ).
وقالت "نيفديتا كابور" في Orfonline"" إنَّ المصالح الأمنيَّة والجيوسياسيَّة لروسيا تجعلها طرفًا مهتمًا باستقرار أفغانستان. ووضع حد للنزاع المسلح في المنطقة, ولم تبدأ روسيا في اتخاذ نهج أكثر نشاطًا في الشؤون الأفغانيَّة إلَّا في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، مدفوعًا بانسحاب أمريكي وشيك وتقارير عن ظهور داعش في البلاد, وبالإضافة للتواصل مع طالبان, وسَّعت موسكو اتصالاتها إلى ما وراء الروابط التقليديَّة مع الأوزبك والطاجيك, والَّتي تتميَّز بعلاقات وثيقة مع التحالف الشمالي, لتشمل البشتون الأفغان, نظرًا لأنَّ البشتون يشكلون حوالي 42 في المائة من السكان الأفغان, ويسيطرون أيضًا على صفوف طالبان، فقد شكَّلت هذه الخطوة من قبل روسيا "نهجًا أكثر تنوعًا على المستوى الوطني".
وحسب "Vinay Kaura" في مركز "Mei" للأبحاث أنَّه بالنظر إلى الخط المتشدِّد للولايات المتَّحدة ضد طالبان، ستظل روسيا، "على الأرجح"، مستبعدة من سياسة بايدن تجاه أفغانستان, ففي حين يتواصل الكرملين مع القيادة العليا لطالبان الأفغانيَّة, وكذلك الشخصيَّات السياسيَّة الأفغانيَّة البارزة المعارضة لحكومة أشرف غني, إلَّا أنَّ أحد الأهداف المهمَّة لخطة الولايات المتَّحدة لتحويل المفاوضات إلى اسطنبول, هو مَنع موسكو من أن تصبح المكان الرئيسي للمفاوضات, كما تحاول الولايات المتَّحدة استرضاء تركيا, حيث تُعتبر تركيا كوسيط للحوار بين الأفغان مفيدة للولايات المتَّحدة, لأنَّ الأولى تتمتَّع بعلاقات مستقرَّة مع إيران والصين وروسيا, علاوة على ذلك، فإنَّ تركيا دولة ذات أغلبيَّة مسلمة وعضو في حلف شمال الأطلسي، وهي عوامل حاسمة فيما يتعلَّق بعمليَّة حل النزاع في أفغانستان, وربَّما تتوقَّع الولايات المتَّحدة أن تتمكَّن تركيا من المساعدة في ربط جميع الفصائل الأفغانيَّة وإقناعها بالحاجة إلى التوصل إلى اتفاق في إطار زمني قصير, وبالنظر إلى قرب باكستان من تركيا, فقد عزَّزوا تعاونهم العسكري والدفاعي في السنوات الأخيرة, كما أنَّ إسلام أباد سترحب أيضًا بالتغيير, رغم رفض طالبان مؤخَّرا تواجد أي قوات أجنبيَّة في أفغانستان, "خاصة تركيا", كما وتنسِّق روسيا مع الهند الوضع في أفغانستان, وأجرى الجانبان مشاورات بشأن الوضع فيها, لكن وحسب التقارير, عملت موسكو مع الهند بقدرة "محدودة للغاية"، والسبب الرئيسي هو إحجام الهند الرسمي عن التعامل مع طالبان, مع ذلك، إذا كان استبعاد روسيا للهند من محادثات موسكو المقترحة بمثابة تكتيك لإرضاء باكستان، فإنَّ اقتراح إدارة بايدن يسعى إلى تضمين الهند في الصيغة المعدَّلة, من خلال إشراكها في صيغة الأمم المتَّحدة، وأرسلت واشنطن إشارة واضحة إلى نيودلهي بأنَّ أمريكا، وليس روسيا، تميل أكثر لمساعدة الهند في الحفاظ على مصالحها في أفغانستان( ).
وتظل موسكو على دراية بالمخاطر المرتبطة بالانسحاب الكامل والمفاجئ الذي يثير احتماليَّة ليس فقط سيطرة طالبان على البلاد، ولكن أيضًا في خلق حالة من عدم الاستقرار على نطاق واسع, وربما تسعى واشنطن لخلق فوضى في المنطقة المحيطة بأفغانستان من خلا ذلك الانسحاب, لما له من تداعيات على أكثر الفرقاء الدولييٍّن شراسة ومواجهة الصين وروسيا وإيران( ).

يتبع...
المصادر:

- https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/how-russia-china-and-iran-will-shape-afghanistans-future/
- https://www.bloomberg.com/news/articles/2021-07-09/taliban-resurgence-raises-terrorism-fears-from-moscow-to-beijing
- https://warontherocks.com/2020/10/russias-contemporary-afghan-policy/
- https://www.voanews.com/east-asia-pacific/china-pakistan-russia-meet-afghanistan-angering-kabul-leaders
- https://www.mei.edu/publications/seats-table-how-other-world-powers-figure-biden-administrations-afghanistan-policy
- https://www.orfonline.org/research/from-war-to-peace-the-regional-stakes-in-afghanistans-future/ 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 9