كتب بشار نرش:في أسباب الانتكاسة السياسية الليبية

2021.07.08 - 12:24
Facebook Share
طباعة

بعد فشل جولة ملتقى الحوار السياسي الليبي، الأسبوع الحالي في جنيف، والتي خصصت لإقرار قاعدة دستورية تُبنى عليها الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية المقرّرة في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، دخل المسار السياسي الليبي، بعد مرحلة الانفراج الماضية، نفق التعقيد السياسي من جديد، بعد التباين الواضح في وجهات النظر بين أعضاء الملتقى، أدّى إلى تعالي الأصوات وتقاذف الاتهامات بين الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي الليبي، خوفاً من العودة إلى نقطة الصفر، في حال عدم التمكّن من التوصّل إلى تفاهماتٍ سياسيةٍ نهائيةٍ تُرضي الأطراف الليبية المتصارعة، وتنال مباركة القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة الليبية. فما عكسته مداولات الجولة الأخيرة من الملتقى، وما نتج عنها من تباين واضح في وجهات النظر بين أعضائه، سبب انتكاسة سياسية مقلقة داخلياً، وإلى حدٍّ ما خارجياً، يمكن إرجاعها إلى مجموعة من الأسباب، منها ما يتعلّق بالقوى السياسية الليبية المشاركة في الملتقى، ومنها ما يتعلّق بالقوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة الليبية، ومنها ما يتعلّق ببعثة الأمم المتحدة.

دخل المسار السياسي الليبي، بعد مرحلة الانفراج الماضية، نفق التعقيد السياسي من جديد

من جهةٍ، يمكن القول إنّ عدم التوازن في التمثيل السياسي والمجتمعي في قائمة الملتقى التي تضم 75 شخصية ليبية، واستبعاد بعض الشخصيات الوطنية الفاعلة، يمثل أحد أهم أسباب هذه الانتكاسة، وقد نال هذا الأمر بالذات انتقادا كثيرا من قبل قوى ليبية وليبيين عديدين اعترضوا على المعايير المعتمدة من البعثة الأممية لاختيار ممثلين عن الأطراف والمكونات والتيارات المشاركة في مسار جنيف للحل السياسي، ورأوا فيه تحيّزاً من البعثة لبعض القوى الداخلية الفاعلة في الأزمة.

ويدرك متتبع المشهد السياسي الليبي منذ إسقاط معمر القذافي أنّ ما يظهر للعلن من مواقف وسجالات ما هو إلا قليل من "المناكفات السياسية" و"لعبة مصالح" التي يبرز فيها دور "المال السياسي" والولاءات للخارج، كأحد المحرّكات الأساسية في اللقاءات والتحرّكات السياسية الليبية من دون إقامة أي اعتبارٍ لمصلحة الدولة، أو لمعاناة الليبيين، ما تجلّى بوضوح في مداولات الملتقى الساسي، والتي برزت فيها ثلاثة تيارات أساسية، حمل فيها كل تيار تصوّراً خاصاً به، فيما يتعلق بالقاعدة الدستورية بما يتناسب مع مصالحه الجهوية أو القبلية أو الأيديولوجية، أو حتى مصلحة الطرف الخارجي المرتبط معه، فكل فريقٍ من فرقاء الأزمة الليبية دخل الملتقى بشروط مسبقة، تعبّر عن الجهات والأجندات التي تقف وراءه.

ما تأسس على ارتباك المواقف بسبب تناقض المصالح لا يمكن أن يؤدّي إلى ثبات الرؤية في تشكيل الحلول الملائمة

يضاف إلى ذلك إدارة البعثة الأممية المرتبكة للاجتماع، ومحاولتها توريط المجتمعين في جنيف في شروط الترشح للرئاسة، في تبنّيها مقترحاً لممثلين عن القيادة العامة التابعة لخليفة حفتر يقضي بالذهاب إلى انتخابات رئاسية مباشرة على أن يسمح لأعضاء المؤسسة العسكرية بالترشّح للرئاسة، من دون الاستقالة، بخلاف ما جاء في مقترح القاعدة الدستورية للجنة القانونية. وبالتالي، رأى محللون ومتابعون كثيرون أن البعثة لم تكن على قدر عالٍ من المسؤولية والحيادية في إدارتها الملتقى، بعد تبنّيها طروحاتٍ تسعى إلى تفصيل القاعدة الدستورية بما يتناسب مع بعض الشخصيات والأسماء الليبية الإشكالية، كاللواء خليفة حفتر الذي يرفض التنازل عن جنسيته الأميركية، وعن بزّته العسكرية مقابل الترشّح للرئاسة، وسيف الإسلام القذافي المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية.

ويمكن القول إنّ عدم توفر الإجماع الإقليمي والدولي في قضية الحل السياسي للأزمة الليبية، وتضارب مصالح الدول الراعية لها، واستغلال ليبيا ورقةً في لعبة التوازنات، يمثل كذلك أحد أهم أسباب هذه الانتكاسة، فالصورة الرائجة بوجود إجماع إقليمي ودولي للحل السياسي في ليبيا ليست صحيحة، فهي صورةٌ خادعةٌ ظاهرها الحل، وباطنها بقاء الوضع على ما هو عليه.

قوى شاركت في مؤتمر جنيف تعمل على محاولة الاستثمار في استمرار الأزمة الليبية

 

لذا يمكن القول إنّ ما تأسّس على ارتباك المواقف بسبب تناقض المصالح لا يمكن أن يؤدّي إلى ثبات الرؤية في تشكيل الحلول الملائمة، فاجتماع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة الليبية في برلين 1 و2 واتفاقها على خريطة الطريق الخاصة بالحل السياسي للأزمة في ليبيا غير كافٍ وحده، فهذه القوى لم تحدّد آليات معينة، أو وسائل عملية لتنفيذ بنود خريطة الطريق وإنهاء الأزمة، كما أنّ هناك قوى شاركت في المؤتمر لا تزال تعمل على محاولة الاستثمار في استمرار الأزمة الليبية، بغرض تحقيق المكاسب من خلال تأجيج الحروب والاصطفافات المناطقية والجهوية والأيديولوجية.

وبالتالي، يمكن القول إن التباين بشأن القاعدة الدستورية أعطى تفسيراً ظاهرياً للانتكاسة السياسية الليبية، بينما يمكن إرجاع الأسباب الحقيقية للانتكاسة إلى الاصطفاف السياسي والانقسام الداخلي المسنود خارجياً إلى جانب الإدارة المرتبكة للاجتماع من البعثة الأممية، فكل هذه الأسباب شكّلت عوامل أساسية حالت دون اعتماد قانون انتخابي وقاعدة دستورية لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهو ما يشكّل فشلاً لملتقى الحوار ومؤتمر برلين في تنفيذ أهم بند للحل السياسي في ليبيا، الانتخابات التي ينتظرها الشعب الليبي بفارغ الصبر لتحقيق الانتقال السياسي، خصوصا وأن المهلة المحدّدة لإقرار القاعدة الدستورية والمحددة في 1 يونيو/ حزيران قد تم تجاوزها، ما يجعل من الموقف الليبي شديد التعقيد في ظل أزمة الثقة بين مختلف الأطراف الداخلية وتعدّد الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة الليبية، وغرقها في تفاصيل الصراع المحتدم بين مشاريعها السياسية. 

المصدر:https://www.alaraby.co.uk/opinion/

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 1