تقييم عسكري للصراع بين إسرائيل وفلسطين

إعداد - رؤى خضور

2021.05.26 - 04:56
Facebook Share
طباعة


استخدم كل من الصهاينة والفلسطينيين أساليب جديدة في الجولة التي اعتُبرت، وفقاً لمعظم المقاييس، الأشد منذ العام 2014، إذ انتهج الصهاينة من خلال ما أسموه "عملية حارس الأسوار" أسلوباً أكثر عدوانية من جولات القتال السابقة، مقابل تغييرات تكتيكية للفلسطينيين الذين استخدموا ترساناتهم الواسعة لإطلاق الصواريخ بوتيرة ومدى غير مسبوقين، وغالباً ما تم إطلاق العشرات منها في وقت واحد على الهدف ذاته من مواقع مختلفة في غزة في محاولة لاختراق نظام القبة الحديدية الدفاعي الإسرائيلي، وشمل ذلك قصفاً مستمراً على تل أبيب، لا سيما خلال الأسبوع الأول من المواجهة، بالإضافة إلى الضربة التي أصابت خط أنابيب غاز بالقرب من عسقلان، ووصل تهديد الصواريخ إلى حد إغلاق مطار بن غوريون الدولي.

وبعد انتهاء العدوان الإسرائيلي، بدأت تتكشف أوجه القصور والأخطاء المختلفة لجيش وحكومة الاحتلال، إذ وجد الصهاينة أنفسهم أمام "سوء تقدير للوضع" عندما ظنوا أن الفلسطينيين منشغلون برفع الحصار عن غزة ومعالجة القضايا اليومية، وبالتالي لن يجرؤوا على الدخول في مواجهة عسكرية، ولا حتى للدفاع عن القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى المطالبة بإجابات عن هذه القراءة الخاطئة للتوجهات السياسية والعسكرية للجانب الفلسطيني.

حتى عندما حذر محمد الضيف، القائد الأعلى للجماعات الفلسطينية، من تداعيات إعطاء الضوء الأخضر للمستوطنين لاقتحام الأقصى، لم يؤخذ على محمل الجد، لكن الرد الفلسطيني برهن على صدق التهديد وفشل إسرائيل في تقييم الوضع.

شنت إسرائيل عدوانها الأخير بالأسلوب ذاته الذي أنهت به هجومها عام 2014، بضربات جوية على الأبراج السكنية بهدف تخويف الفلسطينيين وإجبارهم على الخضوع، وخلق صدوع في دعم المقاومة الفلسطينية ودفعها للمطالبة بوقف القصف، لكن الفلسطينيين الخارجين من تحت أنقاض مبانيهم لم يرضخوا كما توقع الإسرائيليون، لذلك عندما أعلنت الفصائل الفلسطينية أن نهجها الدفاعي الجديد هو "الرد على القصف بالقنابل"، وأنها ستستهدف مبنى إسرائيلياً مقابل كل مبنى يتم تدميره في غزة، أُخذ الخطر على المباني في عسقلان وتل أبيب على محمل الجد.

علاوة على ذلك، عندما تم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، وقبل أن يدخل حيز التنفيذ، توقع الفلسطينيون أن يرتكب الصهاينة مجزرة قبل حلول ساعة الصفر، وحذرت الفصائل من أنها ستسعى إلى أهداف في جميع أنحاء إسرائيل، بما في ذلك عكا في أقصى شمال البلاد، إذا حدث ذلك، وهذا ما ألغى أي أفكار قد تكون لدى قوات الاحتلال حول إراقة أكبر قدر ممكن من الدماء الفلسطينية قبل بدء وقف إطلاق النار.

وقد روجت وسائل الإعلام الإسرائيلية لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية على أنها قادرة على مواجهة أنواع مختلفة من الصواريخ، ولاسيما نظام الدفاع الصاروخي الشهير "القبة الحديدية"، ومع ذلك، تمكنت الصواريخ التي أُطلقت من غزة من تجاوز جميع أنظمة الدفاع التي تديرها إسرائيل، والتقط مصورون صحفيون فلسطينيون وإسرائيليون صوراً لفشل القبة الحديدية في التصدي للصواريخ.

بدأ جيش الاحتلال بتحليل الأسباب، وعزا البعض ذلك إلى العدد الهائل من الصواريخ التي تم إطلاقها، ففي إحدى المرات تم إطلاق 170 صاروخاً في 90 ثانية، وكانت الإستراتيجية لتحويل صواريخ القبة الحديدية هي إطلاق صواريخ شرك أولاً بحيث تتجه صواريخ إسرائيل المضادة للصواريخ الباليستية إليها، ما يعني أن جميع الصواريخ أو معظمها قد تم إطلاقها قبل وصول الصواريخ الحقيقية من غزة، حتى سخر المدونون الفلسطينيون والإسرائيليون من نظام الدفاع الإسرائيلي، بتسميته القبة "الحريرية" و"البلاستيكية".

في حين حاولت أجهزة المخابرات الإسرائيلية جاهدة التسلل إلى شبكة اتصالات الفصائل الفلسطينية دون جدوى، وكشف أحد عشر يوماً من القتال حدود الإسرائيليين في هذا الصدد.

وبالرغم من القدرات التكنولوجية الإسرائيلية الهائلة، فشل الإسرائيليون في كسب الحرب الدعائية التي كانوا يأملون من خلالها إضفاء بعضاً من الشرعية على استهدافهم للمدنيين في غزة وكسب الرأي العام، لكن وسائل التواصل الاجتماعي استطاعت نقل واقع ووحشية ما كان يحدث على الأرض، فخرجت مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء العالم احتجاجاً على ما يفعله الصهاينة.

لكن كما في الجولات السابقة، ستحاول إسرائيل بشكل شبه مؤكد تحويل إنجازاتها العسكرية إلى مكاسب استراتيجية أكبر، في المقابل سيكون من الصعب تحديد مكاسب الفلسطينيين هذه المرة لأن أهدافهم كانت سياسية إلى حد كبير حتى لو كانت بعض العواقب واضحة، فحماس مرة أخرى تحدّت أقوى جيش في الشرق الأوسط ونجت، وأطلقت صواريخ بمعدل ومدى أكبر من الخصم الإسرائيلي، ما قلب الحياة اليومية في إسرائيل حتى شمال نتانيا، ومن المرجح أنها عززت مكانتها بين عرب إسرائيل وفلسطينيي الضفة الغربية.
الآن وقد تم التوصل إلى وقف إطلاق النار، من المرجح أن يتكثف الضغط الدولي لإعادة الإعمار، لكن من غير المؤكد ما إذا كانت إسرائيل ستوافق على تخفيف القيود المفروضة على دخول المواد إلى غزة كما فعلت بعد صراع 2014، وقد لا تكون إسرائيل مستعدة بعد الآن للحفاظ على سياسة "الهدوء مقابل الهدوء" في غزة إذا سمح ذلك للحركة مرة أخرى ببناء قدراتها العسكرية، كما تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "ما كان في الماضي لن يكون في المستقبل".

باختصار، مازالت احتمالية نشوب جولة أخرى من القتال كما كانت بعد أعوام 2009 و 2012 و 2014 قائمة، ما لم يحدث تغيير جوهري في ميزان القوى في غزة، لذلك قد تنتهي إسرائيل بالحكم على نجاح أو فشل هذه العملية بناءً على عدد الأعوام التي تؤخر فيها حرباً أخرى، وبما أن إسرائيل أكثر تقدما من الناحية العسكرية، فإن المقياس الحقيقي للنجاح سيعتمد على مدى سرعة الجانب الفلسطيني في إعادة بناء قدراته القتالية واستغلال أي مكاسب سياسية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 7