ما هي طبيعة المنافسة بين الحليفتين السعودية والإمارات؟

ترجمة : عبير علي حطيط

2021.05.05 - 06:37
Facebook Share
طباعة

نشر موقع "ميدل إيست مونيتر" مقالًا تحليليًا عن تحوُّل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من دولتين حليفتين إلى دولتين متنافستين؛ إذ تتنافس الدولتان على الموارد المحدودة من الاستثمارات والعمالة والسياحة في إطار سعيهما لتنويع مصادر الدخل والخروج من الجائحة إلى عالم ما بعد الهيدروكربونات.

حيث أشار الكاتب في بداية تحليله إلى التحالف بين الدولتين قائلًا أنه تاريخيًّا، تفاخرت السعودية والإمارات بعلاقاتِهما الوثيقة، ولكن في الوقت الذي تحاول فيه الدولتان تنويع الاقتصاد بالتزامن معًا، بعيدًا عن الهيدروكربونات، ستتنافس البلدان تنافسًا متزايدًا على الموارد المحدودة في قطاعات مثل السياحة والدفاع.

ويرجِّح الكاتب أن المصالح الإقليمية المتباينة للسعودية والإمارات مهيأة للتعزيز من خلال المنافسة الاقتصادية المتزايدة، وهو انقسام إذا أدارته الولايات المتحدة ببراعة، فسيكون بإمكانها استخدامه باعتباره أداة تأثير لتحسين حقوق الإنسان، وإدارة السلوك الإقليمي السعودي والإماراتي. ومع تداخل النماذج الاقتصادية لما بعد النفط في كلتا الدولتين على نحو متزايد، ستجد الدولتان نفسيهما في سباق للاستحواذ على السياح ودولارات الاستثمار والعمَّال ذوي الجودة العالية.

وأعلنت السعودية في 16 شباط/فبراير أن الشركات ستخاطر قريبًا بفقدان الحصول على العقود المربحة التي توفرها الحكومة السعودية إذا لم تنقل مقارَّها الإقليمية إلى السعودية نفسها – وهي خطوة يمكن تفسيرها على أنها محاولة لتقويض هيمنة الإمارات باعتبارها مركز أعمال مجلس التعاون الخليجي.

إذًا هل هذه سياسة متشددة وجائِرة؟ تظل الإجابة عن هذا التساؤل محل نظر، وذلك إذا وضعنا في الاعتبار المقاومة المحتملة من الشركات التي عملِت لمدة طويلة في الإمارات، ولكن ما يتضح على نحو متزايد هو أنه في منطقة تتسابق نحو مستقبل ما بعد الهيدروكربونات، من المؤكد أن الخطط المتداخلة بين الإمارات والسعودية لتنويع مصادر الدخل ستأتي بمزيد من المنافسة الاقتصادية.


ومن الناحية الإستراتيجية هناك كثير من القواسم المشتركة بين السعوديين والإماراتيين. وكلاهما قلق بشأن تطور البرنامج النووي الإيراني والنفوذ الإقليمي لطهران، كما يتعرض كلا الجانبين لهجوم إيراني محتمل، وتستضيف الإمارات جالية إيرانية كبيرة كانت السلطات الإماراتية تشكك في ولائها لإيران في الماضي.

وكلاهما يسعيان إلى الهروب من قيود الاقتصاد الريعي إلى مستقبل ما بعد الهيدروكربونات قبل أن تجعل السوق العالمية النفط غير مربح. ويهيمن على الدولتين شخصيتان ملكيتان قويتان – ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في السعودية، وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد في أبوظبي – وكلاهما يتفق على أن الإصلاح الإقليمي لا يشمل التحرر السياسي. ودفعت هذه القواسم المشتركة إلى إقامة علاقة وثيقة بين الحاكمين – كان ولي العهد الإماراتي مرشدًا لنظيره السعودي الشاب – والسياسات الخارجية لبلديهما.

ويرى الكاتب أن البلَدَان لا تتوافقان توافقًا كاملًا في جميع الأولويات الإقليمية، فقد اختلف السعوديون والإماراتيون بشأن سياسة اليمن بعد انسحاب الإمارات من المواجهة العسكرية والدبلوماسية التي يفرضها الصراع – تاركةً الرياض لإدارة التداعيات. وكان الإماراتيون أكثر جرأة في ليبيا، حيث دعموا أمير الحرب خليفة حفتر، في حين ظل السعوديون بمنأى عن الصراع إلى حد كبير.

وحتى في قطر، كان السعوديون أسرع من الإمارات في الضغط من أجل فك الحصار في أوائل عام 2021. وعلاوةً على ذلك أظهرت الإمارات إشارات مقلقة بشأن القيادة الإقليمية؛ مما قوَّض الدور الريادي المعتاد للرياض. وقادت أبوظبي الحملة إلى التطبيع مع إسرائيل، ونتيجةً لذلك تظل الحكومة الخليجية الأفضل موقفًا لاستلام طائرات إف-35 المتقدمة من الولايات المتحدة. ولقد ضعف التنسيق بين البلدين بعد أن كان مُحكمًا في 2016 – 2017 بعد صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة.

ويضيف الكاتب أنه وعلاوةً على ذلك، فإن تدافع البلدين المتزامن لبناء اقتصادات ما بعد النفط يدفعَهما إلى التنافس تنافسًا متزايدًا. وتُعد السياحة واحدة من أكثر جوانب المنافسة المباشرة، لا سيما القطاع غير الخاص بالحج، حيث يبحث السياح من ذوي الدخل المتوسط ​​والمرتفع عن الشواطئ والمنتجعات والمغامرات العربية. وفي حين أن دبي، قلب صناعة السياحة في دولة الإمارات، تتقدم حاليًا بسنوات ضوئية على السعودية، فإن طبيعة العلامة التجارية في دبي والسياحة بوجه عام تعني أن السعودية ستتاح لها فرصة للحاق بالركب، بل إنها ستسرق قاطرة السياحة.

وتتسم العلامة التجارية الفاخرة الراقية في دبي بحداثتِها وتفوقها التكنولوجي، لكن بعض مشاريعها السياحية العملاقة المبكرة، مثل برج العرب، الذي جرى الانتهاء منه في عام 2000، تظهر بالفعل قديمة الطراز، وتتطلب ابتكارات وتحديثات كبيرة لاستعادة بريقها، ومن المحتمل أن يستلزم ذلك تمويلًا خارجيًّا. كما تفرض دولة الإمارات ضرائب على نحو مطرد مثل ضريبة القيمة المضافة، والتي في حين أنها قابلة للاسترداد حاليًا، فإنها تزيد من التكاليف الأساسية لزيارة الإمارات؛ مما يقوِّض القدرة التنافسية للأسعار في الإمارة.

ومن المقرر أن تنمو هذه الأنواع من الضرائب مع تحديث الإمارات لمواردها المالية؛ مما يؤدى إلى ارتفاع تكلفة السياحة، لا سيما في دبي التي تعاني من ضائقة مالية، والتي استنفدت احتياطياتها النفطية منذ عقود. ومع ذلك لا تزال ضريبة القيمة المضافة منخفضة جدًّا موازنةً بالأماكن الأخرى وتكلفة ممارسة الأعمال التجارية للأجانب الذين يسعون إلى تجنب نمط الحياة المقيد في السعودية.

كما يلفت الكاتب إلى أنه مع اتجاه صناعة السياحة الإماراتية نحو التضاؤل، قد تتحرك السعودية بقوة في الفضاء الإقليمي، في محاولة لجذب السياح بعيدًا عن الإمارات نحو علامتها التجارية الخاصة بالسياحة الفاخرة. وبرج جدة، المقرر أن يكون أطول برج في العالم إذا جرى الانتهاء منه – المشروع معلَّق جزئيًّا منذ عام 2018 بسبب تداعيات حملة التطهير السعودي (مكافحة الفساد) عام 2017 – يهدف مباشرةً إلى جذب الأنظار عن حامل الرقم القياسي الحالي، برج خليفة في دبي.

ويُبنى عدد من منتجعات البحر الأحمر ومراكز التسوق في جميع أنحاء المراكز الحضرية في الدولة والأنشطة الترفيهية التي تشبه إلى حد كبير المرافق الموجودة في دولة الإمارات العربية المتحدة. وسيحتوي القِدِّيَّة، المركز الترفيهي الضخم الذي سيُبنى في الرياض، إذا اكتمل بالكامل، على حدائق مائية وملاعب جولف وأفعوانِيات وغيرها من المرافق التي يمكن أن تفوق مراكز الترفيه الخاصة في الإمارات.

وعلى عكس دبي، يعني صندوق الثروة السيادية في السعودية الذي لا زال مليئًا بالأموال والرغبة في الاستفادة من صندوق الاستثمار العام التابع له أن بإمكانه الاستثمار في البنية التحتية الطويلة المدى، فضلًا عن دعم المشاريع لتنافِس الإمارات في الأسعار.

وتتمتع السعودية أيضًا بمزايا طبيعية لا تستطيع الإمارات منافستها فيها. لقد جرى بالفعل تطوير سياحة الحج في السعودية بعمق، حيث يأتي الملايين من داخل السعودية وخارجها لزيارة مدينتي مكة والمدينة المقدستين. وترك تاريخها الطويل من التمركز على طرق التجارة الرئيسية إرثًا تاريخيًّا تفتقر إليه الإمارات. ومدينة العُلا القديمة، التي بُنيت في القرن الأول، على سبيل المثال، تنافس مدينة البتراء الأردنية في الإمكانات السياحية.

وتُعد دولارات الاستثمار زاوية تنافسية أخرى، خاصة أن المستثمرين يَزِنُون مشاريع مماثلة في كلا البلدين. وتتمتع الإمارات هنا بميزة مؤسسية، حيث تدفعها اللوائح الملائمة للأعمال التجارية إلى مرتبة عالية في تصنيفات البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال لعام 2020 إلى المرتبة 16 على مستوى العالم. ومن ناحية أخرى احتلت السعودية المرتبة 62، حيث تأتي لوائحها ونظامها القانوني وتسهيلاتها الائتمانية في مرتبة متأخرة.

ومع ذلك فإن السعوديين يخْطُون خطوات سريعة: في عام 2018 كانوا يحتلون المرتبة 92. تعمل الإصلاحات القانونية الجديدة والتغييرات التنظيمية على تسهيل بدء عمل تجاري في المملكة بسرعة، ومع الإرادة السياسية لولي العهد خلف رؤية 2030، فمن المرجح أن يكون هناك المزيد من الإصلاحات. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى سد الفجوة بين مناخي الاستثمار في كلا البلدين، ومع وجود كثير من التداخل في إستراتيجيات السياحة والتنويع، سيَزِن المستثمرون الفوائد النسبية لكل دولة على الأخرى.

ومن أجل المنافسة، من المرجح أن تضع السعودية سياسات من شأنها أن تقوِّض الإمارات مؤقتًا، مثل إعلان انتقال المقرات الإقليمية إليها، حيث تسعي لجذب صناعات مماثلة. لكن من غير المرجح أن تقف الإمارات مكتوفة الأيدي: فهي أيضًا ستصلح مناخها الاستثماري لزيادة المنافسة، والسعي للحصول على ميزة نسبية على السعودية من أجل الحفاظ على إستراتيجيتِها الخاصة بالتنمية فيما بعد النفط، في حين أن الهبَّة المحتملة في العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والإمارات ستشمل النقل والطاقة والدفاع والصفقات المالية، وهي ميزة لا تزال بعيدة عن أيدي السعودية (لأنها لم تُطبِّع العلاقات مع إسرائيل).

وسوف تتنافس الدولتان أيضًا في قطاع الدفاع، حيث ستنافِس الشركة السعودية للصناعات العسكرية (سامي/SAMI) شركة الإمارات للصناعات العسكرية (إديك/EDIC)، لكن الرياض، بصرف النظر عن عملية التطبيع الخاصة بها، لن تتمتع بميزة الاستفادة من التقنيات العسكرية الإسرائيلية المتقدمة كالإمارات.

وبالإضافة إلى ذلك، بينما تقوم السعودية بإصلاح اقتصادها، فإنها ستحتاج إلى عمال أجانب ذوي مهارات عالية لسد الفجوات في سوق العمل لديها، حيث يخضع المواطنون السعوديون لإعادة التدريب ويمضي إصلاح نظام التعليم لديهم بخطًى بطيئة. وسيلعب التداخل القطاعي في خطط التنمية دورًا ما مرةً أخرى هنا: سيبحث كلا البلدين عن العلماء والفنيين ورجال الأعمال والمستثمرين ذوي المهارات العالية، حيث يسعى الطرفان إلى تقديم حوافز قوية كافية لجذب المواهب التي يحتاجون إليها.

وأصدر كلا الجانبين بالفعل تأشيرات متخصصة لمحاولة استقدام عمال من ذوي المهارات العالية، وذهبت الإمارات إلى أبعد من ذلك بتقديم فرص الحصول على الجنسية – وهي سلعة نادرة في دول مجلس التعاون الخليجي – لتشجيع أفضل المواهب لجعل الإمارات مقرَّهم الدائم.

وينوِّه الكاتب إلى أن إصلاحات سوق العمل هي شيء، ولكن أسلوب الحياة أيضًا شيء آخر، إذ يبحث المغتربون عن الأعراف الاجتماعية المتحررة في دبي، وهو أمر تسعى السعودية إلى توفيره الآن بنشاط من خلال الإصلاحات الاجتماعية المصممة للحد من قوة المؤسسة الدينية الوهابية الراسخة.

وفي هذه المنافسة نحو شكل من أشكال الليبرالية الاجتماعية في الخليج العربي، توفر قلة عدد السكان في الإمارات والمشهد السياسي الأقل تعقيدًا لها ميزة، لكن السعودية قد تحاول تعويض هذا النقص من خلال حوافز مالية أكبر مثل إعفاء بعض العمال من الضرائب أو رسوم الترخيص أو من خلال استخدام المزيد من تكتيكات الذراع القوية لتقويض الشركات الموجودة في الإمارات لإقناعهم بنقل العمال إلى السعودية.

وستؤدي هذه المنافسة الاقتصادية، إلى جانب الاختلافات الإستراتيجية الأخرى، إلى تفكيك مزيد من الروابط بين أبوظبي والرياض. إنهم يتأقلمون بالفعل مع الشرق الأوسط في حقبة ما بعد ترامب، حيث تختلف وتيرة الضغط الأمريكي على ملفات المخاطر لديهما (الإمارات، على سبيل المثال، لا تشهد المستوى نفسه من تركيز الكونغرس على سجلها في مجال حقوق الإنسان، كما أن تدخلها في ليبيا لم يخلق عددًا من الأصداء السياسية في الولايات المتحدة مثلما فعلت العمليات العسكرية السعودية في اليمن).

لكنهما الآن سيجدان أيضًا طرقًا لتقويض خطط التنمية لبعضهما البعض أثناء الانتعاش العالمي بعد الجائحة.

وأردف الكاتب أن هذه المنافسة الاقتصادية ستجعل البلدين أيضًا أشد حساسية تجاه المشاعِر الدبلوماسية والاقتصادية المحيطة بسياساتِهما الوطنية. وعلى المدى القريب من المرجح أن تظهر الولايات المتحدة بوصفها تهديدًا لهذه المشاعر؛ إذ ستنتَقد سجلات حقوق الإنسان الخاصة بكل منها، وبخاصة السعودية، ومن المرجح أن يخيف ذلك المستثمرين والشركات، ويدفعهم في اتجاه البلد الذي من المحتمل أن تُفرَض عليه عقوبات أقل. وفي الوقت الحالي، هذه هي السعودية، لكن سجل الإمارات في حقوق الإنسان والأنشطة الإقليمية في اليمن وليبيا أثار أيضًا غضب الولايات المتحدة.


وسيكون للسلوك الإقليمي العدواني من جانب أي من البلدين تأثير أيضًا: إذا فكَّرت الإمارات على سبيل المثال في الضغط علنًا على منافِستها الخليجية قطر لتحذو حذو سياسات أبوظبي الإقليمية بشأن الإسلام السياسي، فسوف تواجه رد فعل عنيفًا من الولايات المتحدة قد يفيد السعودية.


كما سيحتاج كلا البلدين إلى إحساس أكبر بالاستقرار عبر الخليج مع إيران، حيث يخشى المستثمرون من أن سياسات أي من البلدين قد تؤجج التوترات وتزيد من احتمالات انتقام إيران بضرب أهداف في المملكة أو الإمارات؛ مما يقوِّض موقفهما المتشدد تجاه إيران. وعلاوةً على ذلك، في حين أن كلا البلدين سيستمران في تنويع علاقاتِهما مع الصين، فمن المرجح أن تتحول العلاقات الاقتصادية الصينية في اتجاه البلد الذي يبدو أنه سيكون أكثر نجاحًا من الناحية الاقتصادية، إذ ستتحول هذه العلاقات تبعًا للمصلحة الاقتصادية، وليس للإستراتيجية لتجنب الضغط على أي من البلدين.

ويختتم الكاتب مقاله قائلًا أنه وفي حين أن الروابط العميقة التي تدعم العلاقات السعودية الإماراتية ستظل قائمة، فإن المنافسة على دولارات الاستثمار المحدودة، والعمال والسائحين والصفقات التجارية ستؤثر على علاقتهما. وفي هذا الفضاء التنافسي لن يحاول كل منهما جذب الأعمال من يد الآخر فحسب، بل قد يميل أي منهما أيضًا إلى اللجوء مرةً أخرى إلى تلك الأشكال من العلاقات العامة والحملات الاقتصادية ضد الآخر، كما حدث ضد منافسين آخرين في المنطقة، مثل قطر وسلطنة عمان.

https://www.middleeastmonitor.com/20210416-saudi-arabia-uae-compete-to-win-foreign-investment/ 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 8