موجة تطبيع تركي جديدة في الشرق الأوسط

رؤى خضور

2021.05.03 - 05:53
Facebook Share
طباعة

ترددت في الأسابيع الماضية أخباراً من أنقرة حول التطبيع في العلاقات مع الدول التي كانت لتركيا علاقات بها إشكالية لبعض الوقت، فمنذ أسبوعين تمت دعوة وزير الطاقة الإسرائيلي إلى منتدى أنطاليا الدبلوماسي، وستكون هذه أول زيارة رفيعة المستوى منذ العام 2018 بعد اندلاع أزمة دبلوماسية بين تركيا و"إسرائيل" بسبب انتقاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إسرائيل جرّاء معاملتها للمتظاهرين المحتجين على اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وكان مفاجئاً بالقدر ذاته الإعلان عن تبادل وزيري خارجية تركيا والإمارات مكالمة هاتفية، بعد انخراط البلدين في نزاع مرير منذ العام 2016 وحرب بالوكالة.

وتلوح في الأفق أنباء عن تطبيع محتمل في العلاقات بين تركيا والسعودية، بالإضافة إلى تحسن علاقات تركيا مع مصر، بعد الأزمة التي أحدثها انتقاد أردوغان لانقلاب 2013 الذي أطاح بالرئيس المصري آنذاك محمد مرسي، ودعم تركيا للإخوان المسلمين، والتنافس الاستراتيجي الأخير بين البلدين في ليبيا والمنافسة في شرق البحر المتوسط.

ويبدو أن أحد العوامل المهمة في ذلك هو الانتقال إلى إدارة جو بايدن في الولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته، هناك لاعبان دوليان آخران، هما روسيا والصين، يعمل كل منهما على زيادة وجوده ودوره في المنطقة، ومن المتوقع في ظل الظروف الأخيرة أن تكون إيران لاعباً مهماً له مكاسب إستراتيجية في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط، أي أن دول المنطقة أمام مرحلة جديدة تجبرها على إبقاء القنوات مفتوحة مع بعضها، وهذا ما يدفع الكتلة التي تقودها السعودية تطبيع علاقاتها مع تركيا لتكون قادرة على تحقيق التوازن مع إيران.

من جانبها، وجدت تركيا، المعزولة إقليمياً لبعض الوقت وبسبب سياساتها، نفسها في موقف شكلت فيه دول أخرى تحالفات مضادة لموازنتها، وتريد الآن الوصول إلى هذه الدول لتتمكن من الحصول على مزيد من الأوراق فيها، خاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط، فهي الآن مستعدة للتحدث مع اليونان وتوقيع صفقات مع مصر و"إسرائيل".

فضلاً عن أن هناك أسباباً داخلية أيضاً تدفع دول المنطقة إلى تخفيف حدة النزاع، فالسياسات التي تعتمد على القوة والحروب بالوكالة والمواجهات مكلفة ويصعب تحملها على المدى الطويل، خصوصاً بالنظر إلى التأثير الاجتماعي والاقتصادي السلبي لـ COVID-19 وانخفاض أسعار النفط، وتنطبق هذه الآثار الاجتماعية السلبية أيضاً على تركيا، التي تتعامل مع أزمة اقتصادية بدأت في العام 2018 وازدادت سوءاً مؤخراً.

وبالرغم من العوامل التي تدفع دول المنطقة نحو التطبيع، قد لا تكون العملية سهلة، فالمحادثات النووية الإيرانية تواجه صعوبات، والاستقرار النسبي والمفاوضات في مناطق الأزمات العربية هشة، وبالتالي، يمكن للسياسة الإقليمية أن تعود بسرعة إلى وضع تنافسي أشد من سابقه بسهولة تامة، فالمضاعفات المحتملة كثيرة، والتطبيع في العلاقات الثنائية محفوف بحقول الألغام.

في حالة العلاقات بين تركيا ومصر، على سبيل المثال، يبدو أن البلدين على استعداد حتى الآن لاتخاذ الخطوات اللازمة لتمهيد الطريق للتطبيع، فقد طلبت تركيا من المنصات الإعلامية المحلية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين تخفيف حدة انتقاداتها للحكومة المصرية، وردّت القاهرة بالمثل بتخفيف حدة انتقاداتها لتركيا والرئيس أردوغان، لكن بالنسبة لمصر، التي تعتبر جماعة الإخوان المسلمين قضية أمنية، فإن مجرد تخفيف حدة الانتقادات لن يكون كافياً، لذا قد تتوقف حكومة حزب العدالة والتنمية (AKP) عن دعم هذه المنافذ الإعلامية تماماً اعتماداً على كيفية سير عملية التطبيع على اعتبار أن هذه القضية أحد التحديات التي تواجه العلاقات الثنائية.

لكن قضية أخرى قد تخلق مشاكل بين البلدين هي ليبيا، حيث دعمت تركيا ومصر أطرافاً مختلفة في الصراع، وبالرغم من أن كلاهما يدعم الآن عملية الانتقال في ليبيا، إلا أن العملية ذاتها هشة وقد تستمر في خلق مشاكل للعلاقات الثنائية بين تركيا ومصر.

وبالمثل، فإن احتمالات التطبيع بين تركيا وإسرائيل حساسة أيضاً، إذ إن دعم تركيا المستمر للفلسطينيين والعلاقة الخاصة لحزب العدالة والتنمية مع حماس، إلى جانب الصعود المستمر لليمين الإسرائيلي، هو مزيج معقد لا يجعل التطبيع مرهوناً بالقضية الإسرائيلية الفلسطينية فحسب، بل يجعله هشاً أيضاً، أي أن التطبيع بين تركيا من جهة ومصر وإسرائيل من جهة أخرى عرضة بشكل خاص للتحديات الأيديولوجية.

باختصار، على غرار القوى الإقليمية الأخرى، تحاول تركيا تعديل سياستها الخارجية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع التغييرات الفعلية والمتوقعة في السياسة الإقليمية وسياسات القوى الخارجية في المنطقة وكذلك الضرورات المحلية، لكن هذه التغييرات لا تشير إلى تغييرات شاملة، بل إلى تعديلات عملية، ومع ذلك، فإن الجهود الحالية ما زالت إيجابية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 7