روسيا في الشرق الأوسط: مصدر استقرار أم نزاع؟

إعداد - رؤى خضور

2021.04.23 - 11:06
Facebook Share
طباعة

 أبرزت زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، التي استمرت أربعة أيام، إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر في آذار/مارس، عدة أمور في العلاقات بين روسيا والشرق الأوسط. 


أول هذه الأمور، أن دول الخليج تدرك نفوذ روسيا وتحرص على تنمية العلاقات معها، ثانياً، يتناقض انخراط روسيا الكبير في المنطقة مع النهج المتحفظ للولايات المتحدة.


كما أن اللقاء في موسكو مع وفد حزب الله اللبناني في 15 آذار/مارس، والاجتماع مع وزير الخارجية الصهيوني غابي أشكنازي، وزيارة لافروف المرتقبة لإيران، جميعها تجسد مدى تعقيد السياسة الخارجية الروسية في المنطقة، ما يجعل الوقت مناسباً للنظر في دور روسيا في الشرق الأوسط من جهات مختلفة.


منظور الولايات المتحدة

سورية هي مركز نشاط الكرملين، الذي يستخدمه بوتين كنقطة انطلاق لإظهار القوة في أنحاء المنطقة وأوروبا وإفريقيا، وبطبيعة الحال، سيبقى الوجود العسكري الروسي في سورية لمدة تسعة وأربعين عاماً على الأقل، وفقاً لاتفاقية بين موسكو ودمشق، وفي هذا الوقت، ستواصل موسكو اتخاذ خطوات عملية على الأرض للتنافس على النفوذ في سورية، فالموقع الاستراتيجي لسورية على شرق البحر الأبيض المتوسط يسمح ​​لروسيا بإبراز قوتها في الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطسي، وفي هذا السياق، تبرز ليبيا الغنية بالنفط وذات الموقع الاستراتيجي هي الخطوة المنطقية التالية لروسيا، ولا عجب أن النشاط الروسي الدبلوماسي هناك أصبح واضحاً في الأعوام الأخيرة، حيث حاولت موسكو وضع نفسها كوسيط، ليصبح وجودها أكثر وضوحاً بما يسمى بالمتعاقدين العسكريين الخاصين، مثل مجموعة Wager.


ومع أن مصالح موسكو هي في الأساس جيوسياسية، إلا أن هناك أيضاً أهدافاً تجارية متعلقة بالطاقة والأسلحة، دون أن نتجاهل الأبعاد الثقافية والدينية، وبالرغم من أن فلاديمير بوتين يعمل على بناء علاقات مع الجميع، إلا أن ميزان علاقاته ما زال يميل لصالح القوى المعادية لأمريكا.


وحتى الآن، تواصل الولايات المتحدة عدم إعطاء الأولوية للشرق الأوسط لصالح منافسة القوى العظمى مع الصين وروسيا في مناطق أخرى، في المقابل، ترى موسكو في الشرق الأوسط ساحة رئيسة لهذه المبارزة، لذا ستواصل روسيا تقاربها مع إيران وسورية، لتصبح العلاقة بين هذه الأطراف الثلاثة أكثر وضوحاً وعمقاً بطريقة يمكن أن تخلق مزيداً من نقاط الضعف للغرب وحلفائه، ومثل هذا السيناريو يمكن أن يضر بالمنافسة الأمريكية الأوسع مع الصين وروسيا.


و جهة النظر "الإسرائيلية"

اتخذ الصهاينة في الآونة الأخيرة موقفاً حذراً من الانقسام الروسي الغربي بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، ولم يدينوا روسيا بوضوح ولم ينضموا إلى العقوبات المفروضة عليها، لكن قرار روسيا في العام 2015 بالتدخل رسمياً في الحرب على الأراضي السورية أدى إلى خلق بيئة استراتيجية جديدة لإسرائيل، وجعل المسرح السوري القضية المشتركة الأكثر أهمية بين إسرائيل وموسكو، خصوصاً مع وجود القوات الروسية على الحدود الشمالية لإسرائيل في مرتفعات الجولان.


وبالرغم من دعم أطراف معادية لإسرائيل بما يخص هذه القضية، إلا أن الروس لا يدعمون أي نشاط ضد إسرائيل، ومن الواضح أن الصهاينة يقدرون حياد موسكو وغض الطرف عن الضربات الإسرائيلية في سورية.


قد تبدو العلاقات الإسرائيلية الروسية علاقة شراكة وثيقة، لكن هذا يتغاضى عن الخلافات العميقة حول مستقبل سورية، والملف النووي الإيراني، ومبيعات الأسلحة الروسية للمنطقة، والقضية الفلسطينية، لكن إسرائيل لم تتخلَ عن الأمل في أن نفوذ موسكو قد يساعد في إخراج إيران، عدوها اللدود، من سورية.


وبالرغم من أن مصلحة إسرائيل الأساسية في الحفاظ على روابطها القوية مع الولايات المتحدة يقيد اتصالاتها مع روسيا، إلا أنها تدرك أن الحفاظ على علاقات ودية مع بوتين سيساعدها على الاحتفاظ بحرية عملياتها ضد التمركز الإيراني في سورية.


المنظور العربي

تسعى روسيا على مدى الأعوام الأخيرة إلى ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، وهذا ما يفسر ميل موسكو إلى توسيع وجودها العسكري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ توصلت إلى اتفاق مع مصر لإنشاء منطقة صناعية روسية في شرق بورسعيد وأخرى مع السودان لإنشاء مركز دعم لوجستي لقواتها البحرية في بورتسودان، كما أن لروسيا مشاركة عسكرية غير مباشرة في ليبيا عبر مجموعة فاغنر، وهي شركة مقاولات عسكرية.


ولقد وجدت الدول العربية نفسها أمام واقع جديد منذ الحرب في سورية، فلديها الآن جار إقليمي جديد له وجود عسكري طويل الأمد في المنطقة، وارتباطات مهمة مع كل من إيران وتركيا، ومع إدراك اتساع نطاق المصالح الروسية بشكل ملحوظ، فإن الموقف شبه الجماعي للمنطقة العربية هو الالتزام بالقانون الدولي، فعلى سبيل المثال، لم تعترف أي دولة عربية بضم شبه جزيرة القرم، وفي المقابل، لم تنخرط الدول العربية في العقوبات على روسيا.


ويبدو أن هناك علاقة جدلية بين مسعى الولايات المتحدة وأوروبا للاقتراب من مجال نفوذ روسيا، ووجود موسكو في المنطقة، إذ كلما توسع الناتو شرقاً من خلال ضم دول أعضاء جديدة من الاتحاد السوفييتي السابق، كلما انخرطت موسكو في المنطقة.


إضافة إلى أن سلوك موسكو يستند، نوعاً ما، على اتجاهات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بمعنى آخر، حين تضغط الولايات المتحدة على حلفائها في الشرق الأوسط بشأن قضايا "حقوق الإنسان"، تُظهر روسيا مرونة في التعامل ولا تضع شروطاً عندما تحتاج الأطراف إلى شراء أسلحة أو تحسين القدرات العسكرية، وبذلك تستفيد روسيا من اتجاهات السياسة لصالحها وتعزز احتمالات أن تصبح لاعباً نشطاً في المنطقة، ولكن ليس كحليف يمكنه أن يحل محل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.


لاشك أن وجهات النظر أعلاه توضح الفروق الدقيقة في دور روسيا في المنطقة، ويقدم تنوع الشرق الأوسط ومجالات التنمية الاقتصادية وطموحات قادته والأولويات الأمنية عددًا لا يحصى من الفرص، ولكن ذلك يشكل أيضاً تحديات معقدة أمام روسيا، التي تدرك قيودها المادية، خاصة فيما يتعلق بالولايات المتحدة والصين. ومع ذلك، فهي لا تستطيع مقاومة طموحها الأزلي بالحفاظ على مكانة قوة عظمى.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 4