الجامعة اللبنانية، التي لطالما قُدمت كصمام أمان تعليمي وصرح وطني للطاقة الشبابية، تواجه اليوم أخطر امتحان تاريخي بعد انكشاف ملف واسع للتزوير الأكاديمي والتلاعب بنتائج الامتحانات وتسجيل طلّاب مقابل نفوذ مالي وسياسي القضية لم تعد حادثة معزولة داخل كلية الحقوق، بل أزمة هيكلية تمس مصداقية المؤسسة ومستقبل آلاف الخريجين.
من توقيف إداري إلى تفكيك منظومة كاملة:
بداية التطور جاءت مع توقيف مدير الفرع الأول في كلية الحقوق مجتبى بشير مرتض وموظفين آخرين، غير أنّ تسلسل الوقائع دلّ على وجود مسار طويل من المخالفات داخل أكثر من دائرة، مع دور لعناصر في الإدارة والأقسام الأكاديمية ما انكشف حتى الآن يثبت أنّ جزءًا من منظومة القرار الأكاديمي شارك أو سكت أو استفاد.
التحقيقات تثير تساؤلات عن حماية داخلية، ونفوذ حزبي، وتراكم لسنوات جعل بيئة الجامعة مهيّأة لخرق الأنظمة وشراء النتائج أو تمريرها لمصلحة أشخاص محدّدين.
تسجيلات غير نظامية وامتيازات لطلاّب نافذين:
أحد أبرز خطوط التحقيق يتعلّق بتسجيل طلّاب أجانب في مرحلة الدراسات العليا دون التزام فعلي بالدوام، مع منحهم تسهيلات في الحضور والإجراءات معلومات متقاطعة تربط تلك الممارسات بزيارات متكرّرة إلى الخارج ومجاملات متبادلة هكذا فُتح الباب لتساؤل أساسي: هل كان القبول العلمي معيارًا أم أنّ الجامعة خضعت لقنوات نفوذ خارج المنظومة الأكاديمية؟
طرق التلاعب: أدوات وتقنيات وغطاء إداري
ملف القضية يكشف عن آلية عمل متكاملة:
1_تعديل علامات داخل نظام إدارة الامتحانات
2_استبدال أوراق مصحّحة بأخرى تضمن النجاح
3_نزع الدبابيس وتغيير صفحات داخل الكراسات
4_إعداد إجابات لطلاّب محدّدين بعد انتهاء الامتحان
5_استخدام قاعات معدّة للتواصل خلال الاختبارات
6_تدخل عناصر لديها صلاحية في النظام الإلكتروني
هذا الأسلوب لم يكن ليتم دون توافر قدرة على الوصول إلى النظام الرقمي، وتعامل مباشر مع اوراق الامتحان، وبيئة مرتخية للرقابة، ما يعني أنّ المسألة أعمق من خطأ فردي وتمرّد شخصي.
شبكات دعم محيطة بالجامعة:
بموازاة ذلك، تدور معطيات حول دور مهمّ لبعض "مكتبات الطباعة" المحيطة بالحرم باعتبارها نقطة تنسيق ومساحة لتبادل معلومات الامتحانات. تردّدت أيضاً معلومات عن تحويلات مالية لأساتذة، وقوائم أسماء لم تُستدع بعد رغم ورودها في إفادات رسميّة.
الأمر تكرر في كليات أخرى بشكل مختلف، منها حالات في كلية الآداب اعتُمد فيها دفع مبالغ لقاء تمرير نتائج معينة، في حين بقيت قرارات الامتحانات والدكتوراه مرهونة بتوازن حزبي داخل المجالس الأكاديمية.
انعكاسات أبعد من الكلية… أزمة ثقة وطنية
القضية ليست مسألة كراسَة أو علامة أو طالب استفاد ما يجري يمسّ قدرة لبنان على الدفاع عن شرعية شهاداته داخل البلاد وخارجها، ويضرب قطاعًا طالما مثّل رصيدًا قوميًّا التعليم الرسمي كان آخر قطاع يملك ما تبقى من ثقة المواطنين، واليوم يقف على خط الانهيار الأخلاقي والإداري.
في الخلفية، يظهر مشهد سياسي متشابك، حيث تتحمل السلطة مسؤولية بيئة سمحت بتغلغل المصالح داخل الجامعة وتحويلها إلى مساحة نفوذ حزبي يقرّر توزيع الفرص بدل المعايير العلمية.
خيارات أمام الجامعة والدولة:
الأجهزة القضائية ادّعت على 16 شخصًا حتى اللحظة، بينهم ثلاثة موقوفين، لكن المسار القضائي لم يغلق بعد، وسط مطالبات جامعية بتوسيع التحقيق نحو:
مراجعة النظام الإلكتروني وفحص سجلاته:
1_تحديد الصلاحيات الرقمية بدقّة
2_استدعاء كل أسماء الموظفين والأكاديميين المرتبطين بالملف
3_فتح ملفات أخرى مشابهة داخل فروع الجامعة
4_حماية المحقّقين والمبلّغين من أي ضغوط سياسية
يرى مراقبون أمام الجامعة اليوم طريقان لا ثالث لهما: إما عملية إصلاح شاملة تعيد الاعتبار لأخلاقيات المعرفة واستقلالية المؤسسة، وإما انحدار يجعلها تفقد آخر عناصر قوتها ورصيدها الاجتماعي.
القرار سيحدّد ما إذا كانت هذه الفضيحة نقطة تحوّل نحو استعادة الهيبة أم بداية تآكل نهائي لصرح تربوي يختزل ذاكرة أجيال.