العودة الممنوعة: كدو يهاجم الإقصاء ويدعو إلى اللامركزية

2025.11.01 - 06:36
Facebook Share
طباعة

 
في وقت تتصاعد فيه الخلافات السياسية حول مستقبل سوريا الجديدة، خرج القيادي في المجلس الوطني الكردي، عبد الله كدو، بتصريحات قوية حملت نقدًا مباشرًا للحكومة الانتقالية، واتّهامًا لها بتجاهل المكونات السياسية والقومية في البلاد، مؤكّدًا أن “الاستقرار لن يتحقق ما لم يتم إشراك الجميع دون استثناء”.

وقال كدو،إن ما سُمّي بـ"الحوار الوطني الجامع" لم يكن جامعًا في الحقيقة، مشيرًا إلى أن الحكومة الانتقالية أقصت الأحزاب والقوى السياسية الكردية وتجاهلت التنوع القومي والديني الذي تشكّل منه المجتمع السوري، مما جعل الإعلان الدستوري الجديد يفتقر إلى روح الشراكة الوطنية التي لطالما طالب بها السوريون بعد سقوط النظام السابق.


“الإقصاء يخدم القوى المعادية”
يرى كدو أن تجاهل المكونات الوطنية لا يخدم سوى “القوى المتربصة بسوريا”، موضحًا أن الاستقرار السياسي لن يتحقق ما لم يتم إشراك جميع القوى الوطنية دون تمييز، ومشدّدًا على أن “الاعتراف بالتعددية السياسية والقومية هو حجر الأساس لأي إصلاح حقيقي”.

وأضاف: “المجلس الوطني الكردي حذّر منذ البداية من تكرار أخطاء الماضي، لأن بناء الدولة على أساس مركزي ضيّق يعيد إنتاج الاستبداد بأشكال جديدة”.


علاقات فاترة مع دمشق
وحول العلاقة مع الحكومة الجديدة في دمشق، أوضح كدو أن الاتصالات لا تزال محدودة، مشيرًا إلى أن الحكومة لم تعترف رسميًا بعد بالأحزاب السياسية، وبالتالي لا توجد علاقة مؤسساتية مع المجلس الكردي.
لكنه أكد أن بعض الاتصالات غير الرسمية جرت بصفة شخصية بين مسؤولين من الطرفين، دون أن ترقى إلى مستوى الحوار السياسي الجاد.

وفي معرض رده على اتفاقية “العاشر من آذار” الموقّعة بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية، قال كدو إن المجلس الكردي ليس طرفًا مباشرًا في تلك المباحثات، موضحًا أن الملف العسكري والاتفاقات المتعلقة بـ"قسد" و"الإدارة الذاتية" ما زالت محصورة بين تلك الجهات ودمشق.


موقف حازم ضد التمييز الطائفي
تطرّق كدو إلى موجات العنف الطائفي التي ضربت بعض المناطق السورية في الأشهر الأخيرة، مؤكدًا أن المجلس الوطني الكردي يدين كل أشكال التمييز على أساس ديني أو مذهبي أو قومي.
وقال: “نقف بوضوح ضد أي اعتداء على المكونات العلوية أو الدرزية أو غيرها، لأن ما يحدث من استهداف على الهوية يهدد النسيج الوطني بأكمله”.

وأشار إلى أن المجلس اعترض رسميًا على الحوار الوطني الذي نظمته الحكومة، لأنه لم يشمل جميع القوى السياسية، ولأن الإعلان الدستوري الناتج عنه “لم يعكس التنوّع الحقيقي للمجتمع السوري”، محذرًا من أن استمرار هذا النهج “يمنح الذرائع للقوى الخارجية والمعادية لاستغلال الانقسامات الداخلية”.


اللامركزية كضمانة للاستقرار
وفي رؤيته لمستقبل الحكم في سوريا، شدّد كدو على أن اللامركزية هي النظام الأنسب لبلد متعدد الأعراق والمذاهب مثل سوريا.
وقال إن تجارب العقود الماضية أثبتت أن السلطة المركزية في دمشق كانت مصدر التهميش والإقصاء، وأن الأطراف السورية دفعت الثمن من تنميتها واستقرارها بسبب احتكار المركز للسلطة والثروة.

وأوضح: “اللامركزية لا تعني التقسيم، بل تعني توزيعًا عادلًا للسلطة والموارد، وتمنح كل منطقة حق إدارة شؤونها بما يتناسب مع خصوصيتها الثقافية والاجتماعية”.


المهجرون بين الوعود والانتظار
وفي ما يتعلق بملف المهجرين من عفرين ورأس العين، قال كدو إن العودة ما زالت “حلماً مؤجلاً”، مؤكدًا أن الحكومة الانتقالية لم تتخذ خطوات فعلية لتأمين بيئة آمنة للعودة.
وأضاف: “العودة مرتبطة بتوفير الأمن والخدمات وإعادة الممتلكات إلى أصحابها، وهذه الشروط لم تتحقق بعد. في رأس العين، لم يتغير شيء تقريبًا، لأن السلطة المحلية ما زالت على حالها”.

وشدّد كدو على أن الاستقرار هو المدخل الإجباري لأي عودة حقيقية، داعيًا الحكومة إلى إثبات جديتها في هذا الملف “الذي يمسّ كرامة وحقوق آلاف العائلات التي تنتظر العودة إلى منازلها”.

تُظهر تصريحات عبد الله كدو أن الجدل حول مستقبل الإدارة في سوريا الجديدة ما زال قائمًا بين من يرى في اللامركزية حلاً نهائيًا لأزمات الماضي، وبين من يعتبر أن الحكومة الانتقالية تسير بخطى مدروسة نحو إصلاح شامل يضمن العدالة والمشاركة دون أن يهدد وحدة البلاد.

فالحكومة الحالية، بحسب متابعين، تواجه إرثًا ثقيلًا تركه النظام السابق الذي حكم بالقبضة الأمنية والمركزية المطلقة، وهي اليوم تحاول الموازنة بين حاجات المناطق المتنوعة وبين الحفاظ على مؤسسات الدولة ووحدة القرار السيادي. ومن هذا المنطلق، فإن بطء بعض الخطوات لا يعكس تراجعًا عن الوعود، بل حرصًا على عدم الوقوع في فوضى إدارية أو صدامات مناطقية قد تفتح الباب أمام التدخلات الخارجية أو إعادة إنتاج الانقسامات.

الحديث عن “إقصاء المكونات” الذي يطرحه بعض السياسيين، يراه مراقبون أنه جزء من نقاش طبيعي في مرحلة انتقالية حساسة، حيث ما تزال آليات التمثيل والتشاور قيد التطوير. فالحكومة الانتقالية كانت أول من دعا إلى «حوار وطني جامع» دون تمييز، وهي ماضية في خطوات الإصلاح السياسي والإداري بما يضمن تمثيل جميع القوى الوطنية في العملية الدستورية المقبلة.

وفيما يخص ملف المهجرين من عفرين ورأس العين، تُدرك الحكومة – وفق مصادر رسمية – أن عودة اللاجئين والمهجرين مرهونة أولاً بتحقيق الأمن والاستقرار الكامل، وأن أي استعجال في هذا الملف دون معالجة أسباب النزوح وتأمين البنية التحتية سيُعرّض العائدين لمخاطر جديدة. لذلك تعمل الحكومة على خطة متكاملة لإعادة الإعمار المحلي وتثبيت الإدارة المدنية في المناطق المحررة، بالتوازي مع جهودها لإطلاق حوار وطني يشمل القوى الكردية والعربية والمسيحية والدروز وسائر المكونات السورية.

وبينما يطالب بعض السياسيين بانتقال سريع نحو اللامركزية الموسعة، ترى أوساط حكومية أن الإصلاح المتدرج والمراقَب هو الطريق الأمثل لضمان نجاح التحول الديمقراطي، وأن بناء دولة جديدة يحتاج إلى مؤسسات قوية، وقوانين واضحة، وأرضية أمنية مستقرة قبل أي تعديل جذري في بنية السلطة.

في المحصلة، يبدو أن الخلاف بين المجلس الوطني الكردي والحكومة الانتقالية ليس صراعًا على المبادئ بقدر ما هو اختلاف في وتيرة التنفيذ وآليات المشاركة. فكل الأطراف، على اختلاف مواقفها، تتفق على هدف واحد هو بناء دولة عادلة تحترم التنوع وتؤسس لمرحلة استقرار دائمة، غير أن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذا التوافق النظري إلى واقع عملي من خلال الثقة المتبادلة، والحوار المستمر، ودعم مؤسسات الدولة بدل التشكيك فيها.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 8