في ظلّ تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية للبنان واستمرار الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف النار، شدد الرئيس اللبناني جوزاف عون على أن التفاوض هو خيار لبنان لاستعادة أراضيه المحتلة وتحقيق الاستقرار، داعياً المجتمع الدولي، ولا سيما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلى ممارسة ضغط فعّال على إسرائيل لوقف اعتداءاتها والالتزام الكامل بالاتفاقيات الموقعة.
وجاءت تصريحات عون خلال لقائه وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول في بيروت، حيث ناقش الجانبان التطورات الأمنية في الجنوب ودور قوات اليونيفيل، إضافةً إلى الجهود الأوروبية لدعم لبنان في مواجهة التصعيد الإسرائيلي المتكرر.
أكد الرئيس اللبناني أن الجيش اللبناني يؤدي مهامه كاملة جنوب نهر الليطاني وعلى امتداد الأراضي اللبنانية، لافتاً إلى أن خطة تعزيز الانتشار في الجنوب ستكتمل قبل نهاية العام الجاري بزيادة عدد القوات إلى عشرة آلاف جندي بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل).
وأضاف أن لبنان ليس من دعاة الحروب، وأن خيار المواجهة العسكرية ليس مطروحاً إلا للدفاع عن السيادة، قائلاً: "نحن نريد استقراراً دائماً لا هدنة مؤقتة، وسنسعى لتحقيقه عبر الدبلوماسية والتفاوض، لا عبر التصعيد."
وشدد عون على أن الجيش هو الضمانة الوحيدة لحماية لبنان وسيادته، مؤكداً أن بناء مؤسسة عسكرية قوية هو الطريق نحو أمن مستدام، مرحباً بأي دعم دولي يساهم في تعزيز قدرات الجيش وتجهيزه.
في لهجة حملت تحذيراً واضحاً، حذر الرئيس اللبناني من أن عدم تجاوب إسرائيل مع الدعوات الدولية لوقف الاعتداءات يعكس استمرارها في اعتماد "خيار العدوان كأولوية استراتيجية"، محملاً المجتمع الدولي مسؤولية كبح هذا المسار العدواني.
وأشار إلى أن لبنان اختار طريق التفاوض لاستعادة أراضيه المحتلة، بما في ذلك التلال الحدودية، إضافة إلى ملف الأسرى والمفقودين، لكنه أوضح أن "إسرائيل لم ترد إلا بالمزيد من التصعيد في الجنوب والبقاع، في خرق واضح لروح اتفاق وقف الأعمال العدائية المعلن في نوفمبر الماضي".
وأكد عون أن التزام لبنان باتفاق وقف النار يأتي انطلاقاً من احترامه للقانون الدولي ورغبته في حماية المدنيين، داعياً الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى ممارسة ضغوط دبلوماسية جادة على تل أبيب لوقف الاعتداءات الجوية والمدفعية المتكررة على القرى الحدودية.
بدوره، أبدى الوزير الألماني دعماً واضحاً للبنان في مساعيه لترسيخ الاستقرار، مؤكداً أن بلاده والاتحاد الأوروبي "يقفان إلى جانب الجيش اللبناني في جهوده لحماية الحدود"، وشدد على أن ألمانيا "ترفض الخروقات الإسرائيلية المتكررة وتدعو إلى ضبط النفس من الطرفين".
كما أعرب عن تقديره لدور لبنان في استضافة النازحين السوريين رغم الأعباء الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، مؤكداً دعم برلين لأي مبادرة تُسهم في تخفيف هذا العبء وتعزيز الاقتصاد اللبناني.
تأتي تصريحات الرئيس اللبناني في سياق تبدّل لهجة بيروت الرسمية، التي تميل نحو خطاب دبلوماسي هادئ يوازن بين رفض العدوان الإسرائيلي والحفاظ على قنوات التواصل مع الغرب.
عون يحاول من خلال هذا التوجه إعادة تثبيت موقع الدولة اللبنانية كمرجعية وحيدة للقرار الأمني والسياسي في الجنوب، في وقت تتكثف فيه النقاشات حول مستقبل دور "حزب الله" وعلاقته بالمؤسسة العسكرية.
كما أن تركيز الرئيس على "التفاوض لاستعادة الأرض" يعكس تحولاً في المقاربة اللبنانية من منطق المقاومة المسلحة إلى مسار سياسي – قانوني تدعمه الشرعية الدولية، وهو ما يتقاطع مع الرؤية الأوروبية الداعية إلى حلول سلمية تمنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة شاملة.
بين ضغوط الداخل وتحديات الخارج، يحاول لبنان ترسيخ معادلة دقيقة: التشبث بالسيادة ورفض العدوان، دون الانجرار إلى حرب جديدة.
وبينما يرفع الرئيس عون شعار "التفاوض خيارنا"، يبقى نجاح هذا المسار مرهوناً بإرادة إسرائيلية غائبة حتى الآن، وبمدى استعداد المجتمع الدولي لترجمة دعمه للبنان من الأقوال إلى الأفعال.