الاعتراف الأخير: كيف أنهى نظام الأسد حياة أوستن تايس بين “الطاحونة” و“الدفن في الغموض”

2025.10.29 - 09:37
Facebook Share
طباعة

بعد أكثر من عقدٍ من الغياب، كُشف أخيرًا عن الحلقة المفقودة في لغز اختفاء الصحفي الأمريكي أوستن تايس، الذي كان قد فُقد في ريف دمشق عام 2012.
اعتراف صادم أدلى به بسام الحسن، المستشار العسكري السابق للرئيس السوري بشار الأسد، لقناة CNN، أكد فيه أن تايس أُعدم بأمر مباشر من الأسد، في حين كانت وثائق استخباراتية حصلت عليها BBC قبل أشهر قد ألمحت إلى أن الصحفي ظلّ قيد الاحتجاز داخل منشأة أمنية تابعة للنظام حتى عام 2014 على الأقل.

 

بين الوثائق والاعتراف، تتضح صورة قاتمة عن كيفية تعامل النظام السوري مع ملفات الرهائن، في ظلّ غياب أيّ تحقيق مستقلّ أو مساءلة حقيقية حتى اللحظة.


وثائق “الطاحونة”


تقول وثائق BBC، التي نُشرت في يونيو 2025، إن أوستن تايس – الضابط السابق في مشاة البحرية الأمريكية الذي تحول إلى صحافة الميدان – كان محتجزًا لدى فرع استخبارات سوري معروف باسم “الطاحونة” في ريف دمشق، حيث خضع لاستجوابات مطوّلة من قبل ضباط في “إدارة المخابرات الجوية”.
وأظهرت الوثائق أن المفاوضات بين واشنطن ودمشق بشأن مصيره تعثّرت أكثر من مرة بسبب إصرار النظام على إنكار احتجازه رسميًا، رغم رصد تحركات أمنية تشير إلى نقله بين أكثر من سجن.

لكن المفاجأة جاءت بعد سقوط النظام الحالي في دمشق، حين ظهر بسام الحسن – أحد المستشارين الأمنيين السابقين للأسد – في تسجيلٍ خاص لـ CNN في أكتوبر 2025، ليقول بوضوح: “كان أوستن تايس معتقلًا لدينا. تلقّينا أمرًا من الرئيس شخصيًا بإنهاء الملف. نُقل إلى منشأة مغلقة في ريف دمشق، وهناك أُعدم لاعتبارات أمنية”.

 

الحسن، الذي يعيش اليوم تحت حماية استخباراتية خارج سوريا، لم يُقدّم أدلة مادية على ما قاله، لكن تطابق بعض تفاصيله مع المعلومات الواردة في وثائق BBC أعطى اعترافه وزنًا استثنائيًا في الأوساط الصحفية والاستخباراتية.

في المقابل، رفضت الولايات المتحدة تأكيد الرواية، وصرّح مسؤول في الخارجية الأمريكية بأن واشنطن “لن تغلق ملف أوستن تايس حتى استعادة أدلة قاطعة على مصيره”.
أما عائلة تايس، فوصفت الاعتراف بأنه “محاولة جديدة لإغلاق القضية سياسيًا”، مؤكدة أنها “لا تزال تتلقى إشارات متفرقة تفيد بأن أوستن حيّ”.

تُظهر مراجعة متقاطعة للوثائق والشهادات أن الملف كان خاضعًا لتوازنات حساسة بين الأجهزة السورية، إذ اعتُبر تايس ورقة تفاوض استخباراتية مهمة مع الغرب، قبل أن يتحول إلى عبءٍ يخشى النظام تسريبه أو استغلاله في المحاكم الدولية، خاصة مع تصاعد ضغوط الأمم المتحدة في 2014 بشأن مصير المعتقلين.

 


تعود قضية أوستن تايس إلى أغسطس 2012، حين اختفى بعد خروجه من ضاحية داريا متوجهًا نحو الحدود اللبنانية.
ورغم انتشار فيديو قصير بعد أسابيع يُظهره معصوب العينين ومكبّل اليدين، لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن خطفه.
ظلّت واشنطن تؤكد أنه على قيد الحياة، وواصلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة التفاوض – سرًا وعلنًا – مع النظام السوري، دون جدوى.

اليوم، وبعد اعترافٍ من قلب النظام المنهار ووثائق رسمية تثبت احتجازه، يبقى السؤال الأكثر إيلامًا:
هل انتهت حياة أوستن تايس فعلًا كما قال المستشار السابق، أم أن قضيته تُستخدم مجددًا كورقة سياسية في لعبة إعادة تشكيل النظام السوري؟
في كلتا الحالتين، يظلّ الملف شاهدًا على حقبة مظلمة من إدارة الأسد للرهائن والإعلاميين، حيث كان الموت أو الإنكار هما الإجابتين الوحيدتين على كل الأسئلة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 10