كشف تقرير جديد صادر عن معهد الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، بتاريخ 27 تشرين الأول، عن وجود اتفاقيات عملياتية متعددة بين الحكومة السورية وقوات التحالف الدولي، مع ترجيحات متزايدة لسيناريو انضمام دمشق رسميًا إلى التحالف، باعتباره الخيار الأكثر واقعية من بين عدة احتمالات للتعاون المستقبلي بين الطرفين.
ووفقاً لما أورده التقرير عن مصدر “رفيع المستوى” في مديرية الأمن العام، فإن التنسيق بين الجانبين توسّع مؤخرًا ليشمل اتفاقيات عملياتية حساسة، أبرزها:
تبادل المعلومات الاستخباراتية بين وحدة الاستطلاع في وزارة الداخلية السورية وغرف عمليات التحالف.
تقليص الغارات الجوية وإسناد العمليات الميدانية إلى قوات مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية.
التعاون في مخيم الهول بهدف إعادة دمج العائلات السورية في مجتمعاتها الأصلية.
إنشاء قنوات اتصال عسكرية مباشرة بين وزارة الدفاع السورية والقوات المتمركزة في قاعدة التنف، مع الحفاظ على التنسيق مع وزارة الدفاع الأمريكية عبر خلية اتصال ميدانية في البادية السورية.
كما أشار التقرير إلى أن قوات التحالف الدولي نفذت عملية مشتركة مع القوات الحكومية السورية ضد خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في مدينة الضمير بريف دمشق بتاريخ 18 تشرين الأول الجاري، وهي العملية الخامسة المشتركة بين الجانبين خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
فوائد الانضمام إلى التحالف
يرى التقرير أن الحكومة السورية توصلت إلى قناعة بأن الانضمام الرسمي إلى التحالف الدولي هو الطريق الأنسب لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية والاقتصادية، في ظل دعوات متزايدة من بعض الدوائر الغربية لدفع دمشق نحو المشاركة المباشرة في الحرب على الإرهاب.
ووفقاً لمعهد الشرق الأوسط، يمكن تلخيص مكاسب دمشق المحتملة من هذا الانضمام في أربعة محاور رئيسية:
سياسياً: اكتساب شرعية دولية كشريك فاعل في مكافحة الإرهاب الإقليمي، وهو ما قد يساهم في تحسين صورتها وإزالتها من قوائم العقوبات أو الإرهاب.
عسكرياً: الحصول على دعم فني وعملياتي من الولايات المتحدة ودول التحالف، والمشاركة في عمليات عسكرية مشتركة أكثر فعالية.
استراتيجياً: تقويض النفوذ الحصري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بصفتها الشريك الأساسي للتحالف في سوريا، وبالتالي تعزيز موقع دمشق في المفاوضات السياسية.
استخباراتياً: الاستفادة من شبكات تبادل المعلومات التابعة للتحالف، خصوصاً للتحقق من هويات المجندين الجدد ومنع تسلل عناصر متشددة إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية.
وأشار التقرير إلى أن بعض السياسيين الأمريكيين ربطوا رفع العقوبات عن سوريا بانضمامها الرسمي للتحالف، فيما ترى دمشق أن هذه الخطوة يجب أن تسبقها إجراءات فعلية لتخفيف العقوبات الاقتصادية.
هذا التباين في المواقف، بحسب التقرير، يثير تساؤلات حول الجهة التي ستتخذ الخطوة الأولى لإنهاء الجمود السياسي، وحول انعكاسات استمرار الوضع الراهن على الاستقرار السوري والإقليمي.
عقبات الانضمام الرسمي
رغم وجود مؤشرات على تقارب متزايد، إلا أن التقرير يشير إلى أن دمشق تدرك حجم العقبات الداخلية التي قد تعيق مسار الانضمام، وأبرزها:
ضعف الهيكل المؤسسي لوزارة الدفاع، التي لا تزال في طور إعادة التكوين.
قصور في عمليات التجنيد والتحري الأمني عن المنتسبين الجدد.
محدودية القدرات القتالية واللوجستية، ما يجعل الثقة الدولية بقدرة الجيش السوري على المشاركة في عمليات منسقة موضع شك.
وبحسب التقرير، فإن التنسيق الحالي يتم بشكل أساسي بين التحالف ووزارة الداخلية، وليس الدفاع، نتيجة هذه الثغرات.
ومن العقبات الأخرى، غياب اتفاق واضح مع “قسد”، ما يعقّد إمكانية تنفيذ عمليات متوازية في مناطق متداخلة جغرافياً وتشهد توتراً متصاعداً بين الجانبين.
كما حذّر التقرير من مخاوف غربية بشأن تسرب المعلومات الاستخباراتية المشتركة إلى فصائل متشددة داخل الجيش أو أجهزة الأمن، خاصة مع استمرار وجود مقاتلين أجانب في صفوف الحكومة.
وأشار أيضاً إلى أن بعض المسؤولين الأمريكيين ما زالوا يشككون في نيات الحكومة السورية الجديدة، معتبرين أنها لم تتخلّ بعد عن ماضيها “العنيف والمتطرف”، على حد تعبير التقرير.
أربعة سيناريوهات محتملة للتعاون
يستعرض التقرير أربعة مسارات محتملة لتطور العلاقة بين دمشق والتحالف الدولي خلال المرحلة المقبلة:
انضمام رسمي إلى التحالف (السيناريو المرجح):
ويستند إلى تزايد العمليات المشتركة والرغبة في تحويل التنسيق إلى شراكة مؤسسية. هذا السيناريو قد يعزز شرعية الحكومة السورية الجديدة، ويساعد في توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب، وتحسين تبادل المعلومات وتسهيل إعادة الإعمار.
استمرار التنسيق غير الرسمي:
يُبقي قنوات الاتصال مفتوحة دون اعتراف سياسي، لكنه ينطوي على مخاطر تأخير العمليات وضعف الكفاءة بسبب غياب إطار رسمي ملزم.
انهيار التنسيق:
سيؤدي إلى تراجع قدرة الحكومة على محاربة التنظيم، ويخلق فراغاً أمنياً يسمح للتنظيم بإعادة ترتيب صفوفه، مما يهدد استقرار سوريا والمنطقة.
العمل الأحادي الجانب:
وهو سيناريو تعود فيه الأطراف إلى تنفيذ عمليات منفصلة، كما حدث سابقاً في إدلب وشرق الفرات، مع ضعف فعالية الجهود بسبب غياب التنسيق وتبادل المعلومات.
رؤى لضمان انضمام دمشق
يخلص التقرير إلى أن تحقيق سيناريو الانضمام الرسمي يتطلب “جهداً سياسياً منسقاً ومدروساً” لتحويل التعاون العملياتي إلى شراكة مؤسسية قائمة على الثقة المتبادلة.
ويشدد على أن نجاح هذه الخطوة يعتمد على مرونة الأطراف، إذ يجب على الغرب احترام هواجس دمشق السيادية، بينما ينبغي على الحكومة السورية إظهار التزام جاد بالإصلاح والحوكمة الشفافة والمصالحة مع القوى المحلية، وفي مقدمتها “قسد”.
ويقترح التقرير أن تعمل الولايات المتحدة على سد الفجوة بين دمشق و”قسد”، وتقديم دعم فني ولوجستي للعمليات المشتركة، مع ضمان احترام السيادة السورية في كل الترتيبات المستقبلية.
تفاصيل العملية الأخيرة
في سياق متصل، أعلنت وزارة الداخلية السورية عن تفكيك خلية تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” في معضمية القلمون بريف دمشق الشمالي، بتاريخ 19 تشرين الأول.
وذكرت أن العملية أسفرت عن مقتل عنصرين واعتقال ثالث بعد محاولة أحدهم تفجير حزام ناسف.
في المقابل، كشف تشارلز ليستر، مدير مبادرة سوريا في معهد الشرق الأوسط، عبر منصة “إكس”، أن التحالف الدولي نفذ عملية إنزال في مدينة الضمير المجاورة، أسفرت عن اعتقال أحمد عبد الله المسعود البدري (47 عاماً)، وهو منتمٍ سابق للتنظيم كان متوارياً في البادية السورية لسنوات.
وأكد ليستر أن العملية تمت بالتنسيق بين قوات خاصة من وزارة الدفاع السورية والتحالف الدولي، في خطوة غير مسبوقة.
وعلّق المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس براك على الخبر قائلاً عبر حسابه في “إكس”: “سوريا عادت إلى صفنا.”