من السجن إلى الرئاسة.. قصة الشرع كما يرويها الجنرال الأمريكي بترايوس

2025.10.29 - 08:55
Facebook Share
طباعة

أعاد الجنرال الأمريكي المتقاعد ديفيد بترايوس – أحد أبرز مهندسي السياسة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط – فتح ملف سوريا من زاوية غير مسبوقة، حين كتب في مجلة ناشيونال إنترست مقالًا مطوّلًا وصف فيه الرئيس السوري أحمد الشرع بأنه "قوي، لا جهادي"، معتبرًا أن تجربته من السجن إلى الرئاسة تمثل "قصة نادرة في الجغرافيا السياسية".

ورغم أن بترايوس يُعرف بصرامته تجاه الحركات المناهضة للوجود الأمريكي في المنطقة، فإن مقاله الأخير حمل نغمة مختلفة، بدت أقرب إلى إعادة تقييم متأنية لدور دمشق الجديدة بعد عقدين من الحرب والدمار.

 

بين صورة العدو وصيغة الدولة

يشير بترايوس إلى أنه حين قاد العمليات العسكرية في العراق، كان ينظر إلى الشرع باعتباره خصمًا أيديولوجيًا عنيفًا، يمثل خطرًا تكتيكيًا على القوات الأمريكية.
لكن اللقاء الذي جمعهما على هامش قمة كونكورديا في نيويورك غيّر نظرته جذريًا: إذ وجد أمامه رجلًا هادئًا، متزنًا، يتحدث بلغة المصالحة الوطنية لا التعبئة الأيديولوجية.

يكتب بترايوس:"لم يتحدث كـثائر، بل كـرجل مثقل بأعباء التاريخ، ومصمم على إعادة تشكيله."

 

ويضيف أن الشرع "لا يتحدث عن النصر، بل عن إعادة البناء"، في إشارة إلى تحوّل في خطاب السلطة السورية نحو البراغماتية السياسية بدلًا من التعبئة العقائدية التي سادت في سنوات الحرب.

 

تحوّل في السردية الغربية

ينطوي مقال بترايوس على تحوّل لافت في السردية الأمريكية حول سوريا. فالرجل الذي كان يرمز إلى نهج "القوة الصلبة" يعترف اليوم بأن "التوبة في الجغرافيا السياسية نادرة"، لكنه يرى أن نجاح الشرع في إعادة بناء الدولة "من مصلحة الجميع"، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها.

بهذا المعنى، لا يُقرأ المقال كتحليل شخصي بقدر ما يعكس تحولًا تدريجيًا في الإدراك الغربي تجاه دمشق، واعترافًا واقعيًا بأن الشرع لم يعد جزءًا من المشكلة بل طرفًا في معادلة الاستقرار.

 

الرسائل الخفية: بين واشنطن ودمشق

يحمل المقال أيضًا رسائل غير معلنة؛ فإشارته إلى فتح قنوات غير مباشرة مع إسرائيل، والمطالبة برفع العقوبات الأمريكية بموجب قانون "قيصر"، توحي بأن مرحلة الجسّ السياسي بين واشنطن ودمشق قد بدأت فعليًا.
ويبدو أن بترايوس أراد – من موقعه كمستشار غير رسمي في دوائر الأمن القومي – أن يهيئ الرأي العام الأمريكي لفكرة أن "سوريا الجديدة" يمكن التعامل معها كشريك محتمل لا كخصم دائم.

 


دمشق بين الرؤية والإتهامات

في المقابل، لا يُغفل بترايوس الإشارة إلى الجانب المظلم من المشهد، محذرًا من التسرع في منح الشرع "شهادة توبة"، بعد ورود تقارير عن انتهاكات ارتكبتها قواته ضد الدروز والعلويين.
لكنه رغم ذلك، يصف المشروع السياسي للشرع بأنه "قومي، لا جهادي"، ويدعو الغرب إلى فهم سياقه بدل الحكم عليه من زاوية الأيديولوجيا القديمة.

 


مقال بترايوس ليس مجرد تقييم لشخص، بل اختبار لسياسة أمريكية بأكملها.
فحين يقول إن "التوبة نادرة في الجغرافيا السياسية"، فهو يلمّح إلى أن واشنطن نفسها مطالَبة بمراجعة خطاياها في سوريا، بعد أن أسهمت عقود من العزلة والعقوبات في تمزيق المجتمع السوري.

وفي المقابل، يبدو أن دمشق تراهن على أن الغرب، المنهك من حروب أوكرانيا وغزة والبحر الأحمر، بدأ يبحث عن منافذ جديدة للتفاهم مع الأنظمة المستقرة حتى لو كانت خصوم الأمس.
وهكذا، يعود اسم "الشرع" إلى واجهة المشهد الدولي، ليس بصفته معارضًا أو رمزًا متمرّدًا، بل كاحتمال سياسي قابل للتوظيف في معادلات ما بعد الحرب.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 1