رسائل نارية في الجنوب: إسرائيل تتحدى اليونيفيل

2025.10.12 - 10:25
Facebook Share
طباعة

 أعلنت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) أن أحد جنودها أُصيب بجروح طفيفة جراء انفجار قنبلة ألقتها طائرة مسيّرة إسرائيلية بالقرب من موقع تابع لها في بلدة كفركلا جنوبي لبنان، قبيل ظهر السبت.

وذكرت القوة في بيانها أن الجنود رصدوا طائرتين مسيّرتين تابعتين للجيش الإسرائيلي تحلقان في محيط الموقع قبل وقوع الانفجار، مشيرةً إلى أن الجندي المصاب تلقى الإسعافات الأولية داخل القاعدة، وأن حالته مستقرة.

ويُعد هذا الاعتداء، بحسب اليونيفيل، الثاني من نوعه خلال شهر تشرين الأول الجاري، بعد هجوم مماثل تعرضت له مواقع تابعة للأمم المتحدة في منطقة العديسة، ما أثار قلقًا متزايدًا من توسع دائرة الاستهداف الإسرائيلي حتى لتشمل القوات الدولية التي يفترض أن تعمل لضبط التوتر على جانبي الحدود.


انتهاك واضح للقرار 1701
أدانت اليونيفيل ما وصفته بـ “الانتهاك الخطير” للقرار الدولي رقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن عقب حرب تموز عام 2006، والذي ينص صراحة على وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، ومنع أي خرق للخط الأزرق أو استهداف لقوات الأمم المتحدة.
وجاء في البيان الأممي:
“هذا الهجوم يُعد استخفافًا مقلقًا بسلامة جنود حفظ السلام الذين ينفذون مهامهم بموجب تفويض مجلس الأمن، ونطالب الجيش الإسرائيلي بوقف جميع الهجمات على قواتنا أو بالقرب منها فورًا.”

وشددت البعثة الدولية على أن عناصرها يعملون على تعزيز الاستقرار في الجنوب اللبناني، بالتعاون مع الجيش اللبناني، وأن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية يعرض مهامها للخطر ويقوض الثقة في الالتزامات الدولية التي تعهدت بها تل أبيب سابقًا.


استهداف متكرر وتجاهل دولي
منذ مطلع العام، وثّقت قوات اليونيفيل سلسلة من الخروقات الجوية الإسرائيلية فوق الأراضي اللبنانية، شملت استمرار القصف وتحليق طائرات استطلاع ومسيّرات بشكل شبه يومي، ما اعتبرته الأمم المتحدة انتهاكًا ممنهجًا للسيادة اللبنانية وللقانون الدولي.

لكن التطور الجديد — إلقاء قنابل على مواقع أممية — يُعد تصعيدًا غير مسبوق، إذ ينطوي على رسالة سياسية وأمنية مزدوجة من إسرائيل مفادها أنها مستعدة لاستخدام القوة حتى داخل مناطق المراقبة الدولية، دون اكتراث بالعواقب أو بالإدانات.

ويرى محللون أن هذا السلوك يعكس نهجًا إسرائيليًا متكرّرًا في اختبار حدود المجتمع الدولي، عبر الضغط الميداني في مناطق حساسة، خصوصًا مع تصاعد التوتر على جبهات غزة والجنوب اللبناني في الوقت نفسه.


تل أبيب تصنع التوتر ثم تتذرع به
تزامن الهجوم الأخير مع استمرار التصريحات الإسرائيلية التي تتهم “حزب الله” بتهديد الحدود الشمالية لإسرائيل، في حين تؤكد المعطيات الميدانية أن الخرق بدأ من الجانب الإسرائيلي عبر توغلات محدودة وتحليقات مكثفة للطائرات المسيّرة.

ويرى خبراء في شؤون الأمن الإقليمي أن إسرائيل تستخدم مثل هذه الاعتداءات كأداة ضغط على الأمم المتحدة ولبنان، بهدف خلق واقع ميداني جديد يسمح لها بتوسيع هامش عملها العسكري داخل الأراضي اللبنانية دون إعلان حرب شاملة.

كما يشير محللون إلى أن استهداف موقع للأمم المتحدة ليس خطأ عسكريًا عابرًا، بل رسالة سياسية واضحة بأن تل أبيب لا تعترف فعليًا بحدود التفويض الأممي ولا بسلطة القرار 1701، الذي لطالما اعتبرته “مقيدًا لحرية عملياتها العسكرية”.

ويرى آخرون أن التغاضي الدولي عن الانتهاكات المتكررة يمنح إسرائيل شعورًا بالإفلات من العقاب، خاصة مع ضعف ردود الأفعال في مجلس الأمن، الذي اكتفى خلال السنوات الماضية بتكرار الدعوات إلى “ضبط النفس” دون إجراءات رادعة.


موقف لبناني حذر وتصعيد إعلامي
من جهته، يلتزم الجيش اللبناني بالتنسيق المستمر مع قوات اليونيفيل لاحتواء أي توتر على الحدود الجنوبية، فيما عبّرت مصادر أمنية لبنانية عن قلق بالغ من اتساع رقعة التصعيد الإسرائيلي المتعمد.

وأكدت هذه المصادر أن الاعتداء على بعثة الأمم المتحدة يمثل تجاوزًا لخطوط حمراء، ويهدد بتقويض التفاهمات الأمنية التي حافظت على هدوء نسبي في الجنوب منذ أكثر من عقد.

كما شهدت وسائل الإعلام اللبنانية موجة تنديد بالحادثة، واعتبر عدد من المعلقين أن إسرائيل تمارس سياسة الاستفزاز الممنهج، لإشعال الجبهة مجددًا.


خيارات أمام الأمم المتحدة
تواجه الأمم المتحدة اليوم تحديًا حقيقيًا في فرض احترام قراراتها، إذ أن تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على قواتها في لبنان يضعها أمام سؤال صعب حول جدوى تفويضها الحالي.

ويرى دبلوماسيون أن الحل لا يكمن فقط في إصدار بيانات الإدانة، بل في التحرك العملي داخل مجلس الأمن لتذكير إسرائيل بالتزاماتها القانونية، وفرض آليات رقابية أكثر صرامة، قد تشمل رصدًا مباشراً للخروقات وتقديم تقارير علنية دورية.

لكن في ظل الانقسام الدولي الحاد حول ملفات المنطقة، يبدو أن إسرائيل تراهن على عجز الأمم المتحدة عن التحرك الفعلي، ما يجعل الجنوب اللبناني مرة أخرى ساحة مفتوحة للرسائل النارية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 3