تشهد الساحة السورية حراكًا سياسيًا متسارعًا بعد الإعلان عن تفاهمات جديدة بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وسط مشاركة أميركية غير مباشرة ووساطة دولية تهدف إلى تعزيز مسار الحوار الداخلي ووضع أسس لتسوية سياسية شاملة في البلاد.
وأعلن القائد العام لـ"قسد"، مظلوم عبدي، عن التوصل إلى تنسيق شفهي بشأن دمج قواته ضمن صفوف الجيش السوري، بعد سلسلة اجتماعات عقدها مع مسؤولين حكوميين في دمشق خلال الأسابيع الماضية.
وقال عبدي في تصريح صحفي إن اللقاءات الأخيرة مع الجانب السوري شهدت نقاشًا موسعًا حول ملفات أمنية وسياسية وعسكرية، مضيفًا:
"لقد أجرينا سلسلة اجتماعات في دمشق، توصلنا خلالها إلى اتفاق مبدئي حول عدد من القضايا المهمة. التقيت وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات حسين السلامة، وتم التفاهم على وقف شامل لإطلاق النار واستمرار الحوارات بين الطرفين على مستوى رفيع".
وأضاف:
"هناك اتفاق أولي حول مبدأ اللامركزية، لكن الخلاف ما يزال قائمًا على تفسير المصطلحات. نحن نرى أن اللامركزية الإدارية هي ضمانة لوحدة البلاد وعدالتها، وليست مشروع تقسيم أو انفصال كما يُروّج البعض".
وكشف عبدي أن وفدًا من "الإدارة الذاتية" سيزور قريبًا عددًا من المحافظات السورية "في إطار تعزيز التواصل الوطني وإيصال رؤيتنا بشكل مباشر إلى مختلف المكونات".
الاندماج العسكري والأمني
وحول مستقبل القوات، قال القائد العام لـ"قسد":
"تم التوصل إلى اتفاق مبدئي حول دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن الجيش السوري، إلى جانب دمج قوى الأمن الداخلي (الأسايش) ضمن وزارة الداخلية، بما يضمن وحدة القرار العسكري والأمني. اللجان العسكرية المشتركة التي تضم ممثلين عن الطرفين ستتجه إلى دمشق قريبًا لبحث التفاصيل التقنية والإدارية".
وأكد أن دمشق أبدت رغبتها بالاستفادة من خبرات قسد في مجال محاربة الإرهاب، مشيرًا إلى أن هناك "تفاهمًا أمنيًا وعسكريًا قيد البحث"، مضيفًا:
"نحن في قسد نعتبر مكافحة الإرهاب مهمة وطنية، وسنواصل العمل بالتنسيق مع جميع الأطراف، سواء مع دمشق أو مع التحالف الدولي، لضمان استقرار البلاد".
التعاون مع واشنطن
وأشار عبدي إلى أن زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية باراك كوبر والمبعوث الأميركي توم باراك إلى شمال شرقي سوريا، تعكس "استمرار التعاون بين واشنطن وقسد"، موضحًا أن الاجتماع مع الوفد الأميركي في الحسكة تناول "إمكانية رفع قانون قيصر، وانضمام دمشق إلى الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب".
وأضاف:
"قسد دعمت خلال الاجتماع فكرة رفع قانون قيصر لما له من آثار سلبية على المدنيين السوريين، وأكدنا للجانب الأميركي أن أي خطوة في هذا الاتجاه يجب أن تراعي الوضع الإنساني والمعيشي للشعب السوري".
لقاء الشرع وعبدي في دمشق
وكان قد عقد الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وقائد قسد مظلوم عبدي، اجتماعًا في دمشق في 7 تشرين الأول الجاري، بحضور المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس براك وقائد القيادة الأميركية الوسطى براد كوبر.
وشارك في الاجتماع وفد من "الإدارة الذاتية" ضم عبدي والقياديتين إلهام أحمد وروهلات عفرين، حيث تمت مناقشة ملفات تتعلق بالدستور واللامركزية ووقف إطلاق النار وعودة النازحين.
وقال وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة عبر حسابه على منصة "إكس" إنه التقى بعبدي واتفقا على "وقف شامل لإطلاق النار في جميع المحاور ونقاط الانتشار العسكرية شمال وشمال شرق سوريا"، مؤكداً أن التنفيذ بدأ "بشكل فوري".
ملفات دستورية وإنسانية
من جانبها، أوضحت "الإدارة الذاتية" أن المباحثات مع ممثلي الحكومة السورية تناولت تعديلات دستورية تهدف إلى "ضمان تمثيل كل المكونات السورية بشكل عادل"، معتبرة أن "الدستور يجب أن يعكس تنوع المجتمع السوري ويحمي جميع المواطنين دون تمييز".
كما ناقش الطرفان عودة النازحين ومكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في مناطق شمال وشرق سوريا.
وأكدت مصادر من الوفد أن الاتفاق لم يتحول بعد إلى وثيقة رسمية، مشيرة إلى أن المفاوضات مستمرة وأن هناك "نوايا جدية من الطرفين للوصول إلى تفاهم شامل يضمن وحدة سوريا وسيادتها".
وفي ختام الاجتماعات، وجّه وفد "قسد" شكره إلى القيادة المركزية الأميركية والسفارة الأميركية في تركيا ووزارة الخارجية الفرنسية على "جهودهم في تسهيل الحوار وتقريب وجهات النظر"، وفق بيان رسمي.
رسائل سياسية ودبلوماسية
يرى مراقبون أن توقيت هذه اللقاءات يعكس مرحلة جديدة من الانفتاح بين دمشق و"قسد"، خصوصًا بعد التوترات الأخيرة في شمال حلب والحسكة، وازدياد الحديث عن ترتيبات سياسية جديدة تتعلق بمستقبل الوجود العسكري الأميركي في سوريا.
ويُعتقد أن دمج قسد ضمن المؤسسة العسكرية السورية، في حال تم، سيمثّل خطوة نوعية نحو إعادة بناء الجيش على أسس أكثر شمولًا، وربما يمهّد لعملية سياسية أوسع ترعاها أطراف دولية فاعلة.