نوبل للسلام 2025.. الجائزة التي منحت للسياسة لا للسلام

2025.10.10 - 12:39
Facebook Share
طباعة

منحت لجنة نوبل النرويجية جائزة نوبل للسلام لعام 2025 إلى زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، مبررة الاختيار بعملها في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية والسعي إلى انتقال سلمي من حكم استبدادي إلى حكم تمثيلي. الإعلان أثار ردود فعل متباينة داخل فنزويلا وخارجها، بين ترحيب من داعمي المعارضة وانتقادات تشير إلى أبعاد سياسية للقرار.

 


من هي ماريا كورينا ماتشادو؟

ماريا كورينا ماتشادو (من مواليد 1967) هي مهندسة صناعية دخلت العمل المدني والسياسي عبر مؤسسات مجتمع مدني قبل أن تتبوأ مكانة بارزة كقائدة للمعارضة الفنزويلية. أسست أو شاركت في مؤسسات مراقبة الانتخابات وبرامج اجتماعية، وترأست حزب "فينتي فنزويلا" (Vente Venezuela). انتخِبت نائبة في الجمعية الوطنية عام 2010، لكن علاقتها المتوترة مع مؤسسات السلطة تصاعدت، وشهدت مراحل من المنع السياسي والاستهداف القضائي.

 

أسباب لجنة نوبل لاختيارها

في بيان الجائزة شددت اللجنة على أن ماتشادو «تحافظ على شعلة الديمقراطية في وجه اتساع الظلام»، وكرمتها لما وصفته بـ«عملها المتواصل في دعم الحقوق الديمقراطية للسكان والسعي إلى انتقال سلمي من الاستبداد إلى الديمقراطية». اختيار اللجنة يبرز تركيزها على قادة الحركات السياسية والديمقراطية المعارضة الذين يواصلون نشاطهم تحت ضغوط جسيمة.

 


ماتشادو معروفة بموقفها الحازم ضد ما تعتبره استبداداً لحكومة نيكولاس مادورو، وقد دعت في مناسبات إلى مزيد من الضغوط الدولية على نظام كاراكاس، بما في ذلك إجراءات دبلوماسية واقتصادية من قبل الولايات المتحدة ودول غربية. في 2024 و2025 واجهت إجراءات قضائية وسياسية أبطلت إمكانية ترشحها، ما اضطرّها إلى العيش في وضع متقلب بين الحضور العلني والاختفاء لأسباب أمنية حسب تصريحاتها.

نقد متكرر يوجَّه إلى ماتشادو يتعلق بتحالفات سياسية خارجية أو مواقف تجاه قوى إقليمية ودولية؛ بعض التقارير والإشارات تنتقد وجود تقارب سياسي مع جهات يمينية في الخارج أو تبني مواقف تتقاطع مع مصالح أطراف غربية أو إسرائيلية. هذه التساؤلات استُخدمت لاحقًا من قبل منتقدي منح الجائزة لتأطير الاختيار على أنه قرار ذو أبعاد جيوسياسية. (نُشرت تحليلات وانتقادات حول روابط سياسية بين بعض عناصر المعارضة الفنزويلية وأحزاب خارجية).

 

داخل فنزويلا: رد الفعل من أنصار المعارضة كان مرحِّباً بالجائزة باعتبارها اعترافاً دولياً بمعاناة الفنزويليين ومجهودات المعارضة. من جهة أخرى، وصفها مؤيدو الحكومة ومصادر رسمية بأنها قرار يتوافق مع مصالح أجنبية ويحمل دلالات سياسية ضد سيادة البلاد.

دولياً وإقليمياً: غطّت وكالات كبرى النتائج وناقشتها كاختيار يؤكد دعم المجتمع الدولي للأصوات المعارضة في دول تُتهم بقمع الحريات، بينما اعتبرت أصوات أخرى أن القرار يسلط الضوء على السياسة حول جائزة تُتهم أحياناً بالتسييس. تقارير وسائل إعلام عالمية سلطت الضوء على منافسات مرشحين آخرين كانت تحظى باهتمام عالمي (مثل ملف التسوية في غزة وما رُوي عن محاولات ترشيح شخصيات أخرى هذا العام).

 


النوبل «مسيسة»؟

منذ عقود ثارت نقاشات حول معايير جائزة نوبل للسلام وحدود تعريف "السلام". لجنة نوبل اختارت في الماضي شخصيات ومنظمات مثيرة للجدل من ناحية تفسير دورها في صناعة السلام. في الحالة الحالية، يوجد محوران للتحليل:

1. قراءة تكريمية: ترى اللجنة أن العمل السياسي الهادف لاستعادة مؤسسات ديمقراطية وحماية حقوق الإنسان يدخل في مفهوم السلام الشامل.


2. قراءة نقدية: تعتبر أن منح الجائزة لقادة سياسيين مع سجلات تحالفية أو مواقف مؤيدة لسياسات خارجية قد يفرغ الجائزة من حياديتها أو يجعلها أداة ضغط. هذه القراءة لها أتباع داخل دوائر بحثية وإعلامية وسياسية.

 

الخلاصة: الاتهام بـ«التسييس» قابل للنقاش ويحتاج إلى تمييز بين نقد مبرر لسياسة اختيارية وبين رفض مبدئي لمفهوم توسيع مفهوم السلام ليشمل الدفاع عن الحقوق الديمقراطية.

 

تداعيات الجائزة على الساحة الفنزويلية والإقليمية

محلياً: الجائزة قد تمنح زخماً معنوياً دولياً للمعارضة وتزيد من صعوبات تهميشها داخلياً؛ لكنها أيضاً قد تشدّ من عزلة النظام أمام ضغوط دبلوماسية وغربية. كما قد تؤدي إلى تشديد إجراءات أمنية داخلية أو تصعيد خطاب سياسي متبادل.

إقليمياً: سيُقرأ القرار في بُعدين: دعم معنوي لحركات الديمقراطية في أمريكا اللاتينية، وكمؤشر على استمرار تحوّل جوائز دولية نحو تكريم مناضلين سياسيين ضد أنظمة تُعتبر مناوئة للغرب. هذا يمكن أن ينعكس على علاقات دبلوماسية ومناورات سياسية إقليمية.

 

منح نوبل لماريا كورينا ماتشادو يندرج ضمن سياق واسع تطورت فيه مفاهيم السلام لتشمل الدفاع عن الحقوق المدنية والديمقراطية. القرار لافت وله تداعيات عملية وسياسية على الساحة الفنزويلية. النقد الذي يقيم القرار من زاوية التسييس يحمل جزءاً من المبرر عندما تُعرض أدلة على تحالفات أو مواقف دولية قد تستغل سياسياً، لكنه لا يلغي حقيقة أن تحركات المعارضة في فنزويلا حظيت باهتمام دولي متزايد منذ سنوات لاعتبارها صوتاً مناهضاً لما يُنظر إليه كقمع واستبعاد سياسي. المهم للصحافة هو متابعة التطورات بدقة—تقديم الوقائع والوثائق، وللساحة الدبلوماسية والسياسية أن تكشف نواياها عبر أفعال ملموسة لا بيانات فقط.  

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 6