بعد عامين من الدمار المستمر والاشتباكات العنيفة، تعود غزة لتكون عنوانًا للمعاناة والأمل معًا، الاتفاق الأميركي الذي تم التوصل إليه مؤخرًا يفتح فصلًا جديدًا في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ويضع القطاع أمام اختبار دقيق: هل سيكون هذا الاتفاق بداية لوقف دائم لإطلاق النار وإعادة الإعمار، أم مجرد خطوة مؤقتة على طريق طويل من المفاوضات والضغوط الدولية؟ وبينما يظل السؤال قائمًا، يترك الدمار المستمر وانعدام الخدمات الأساسية أثره على حياة ملايين الفلسطينيين، ويجعل كل خطوة نحو السلام مهمة وحساسة للغاية.
أرقام الكارثة على الأرض:
تظهر الإحصاءات فداحة الأزمة: أكثر من 67 ألف قتيل، و167 ألف جريح، و1.9 مليون نازح يعيشون في ظروف قاسية. دُمّر أكثر من 190 ألف مبنى، والبنية التحتية الصحية والتربوية انهارت؛ بقي 14 مستشفى تعمل جزئيًا، وأكثر من ثلثي المدارس خارج الخدمة. في ظل هذه الكارثة، يسعى الاتفاق الأميركي لإنقاذ ما تبقى وفتح ممر نحو مستقبل غامض.
بنود الاتفاق الأميركي:
وفق مسودات المفاوضات في شرم الشيخ، يقوم الاتفاق على وقف إطلاق نار تدريجي، وتبادل أسرى، وانسحاب مرحلي للقوات الإسرائيلية من مناطق محددة، إضافة إلى فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية. أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أن إسرائيل وافقت على «خط انسحاب أولي»، على أن يكون التنفيذ مشروطًا بموافقة حماس النهائية. كما تعهد الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي بدعم أولي لإعادة الخدمات الأساسية.
التحدي السياسي والإداري:
المرحلة الأولى تشمل وقف النار وتبادل الأسرى ودخول المساعدات، تليها إزالة الأنقاض وإعادة تأهيل المستشفيات والمدارس، المرحلة الأكثر حساسية تبدأ بتحديد الجهة التي ستدير القطاع الأميركيون يقترحون إدارة مدنية انتقالية بإشراف دولي، فيما تصر القاهرة والدوحة على مشاركة السلطة الفلسطينية لتجنب فراغ إداري يعيد الفوضى.
التحدي الاقتصادي والإنساني:
إعادة الإعمار تحتاج إلى تمويل ضخم: البنك الدولي يقدر الكلفة بـ53 مليار دولار لعقد كامل، منها 20 مليار دولار عاجلة لإعادة الخدمات الأساسية. تشير خطط الأمم المتحدة إلى أن 90% من السكان سيحتاجون مساعدات غذائية وطبية لعام إضافي على الأقل أي خطة إعمار لن تنجح من دون استقرار أمني وضمان عدم استئناف الحرب، وهو ما يثير قلق جميع الأطراف.
فرص ومسارات السلام:
السياسة والدبلوماسية تلتقيان في الاتفاق الأميركي لإعادة إحياء المسار المجمّد وحل الدولتين، لكن الانقسامات الداخلية الفلسطينية ورفض بعض الفصائل لأي تسوية تُبقي السيطرة الإسرائيلية على الحدود والمعابر يضيف تحديات جديدة استمرار الضغوط الأميركية على حماس واشتراط إصلاح السلطة الفلسطينية يضاعف التعقيد.
الدور الإقليمي والدولي:
القاهرة والدوحة وعمّان تعمل كوسيطات لضمان التنفيذ، لأن أي انهيار يهدد أمن سيناء مباشرة وتسعى واشنطن إلى تحويل الاتفاق إلى نقطة انطلاق نحو مؤتمر سلام إقليمي، لإعادة الثقة بين إسرائيل والدول العربية في ظل عزلة تل أبيب دوليًا.
التحديات المستقبلية:
رغم الأمل الذي يقدمه الاتفاق، التحديات عديدة: خرق محتمل للهدنة، بطء التمويل، تسييس المساعدات، ومحاولات إعادة إشعال الصراع، يرى المراقبون أن الاتفاق الأميركي ليس نهاية الحرب، بل بدايتها السياسية. إما أن يتحول إلى جسر نحو سلام طويل الأمد، أو يصبح مجرد هدنة ميتة تسبق جولة جديدة من العنف.
الفلسطينيون على مفترق الطرق:
غزة التي فقدت أبنائها وبيوتها وبنيتها التحتية لم تفقد إرادتها. بين الدمار والوعود، يبحث السكان عن حياة طبيعية: ماء صالح للشرب، مدارس مفتوحة، وأطفال يضحكون بلا خوف من الطائرات. يبقى السؤال: هل يكون الاتفاق بداية العودة للحياة، أم فصلًا جديدًا في حكاية لم تنته بعد؟