بدأت ملامح مرحلة جديدة تتشكل في غزة مع بدء سحب القوات الإسرائيلية من مناطق الاحتكاك داخل المدينة، بعد ساعات من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توقيع المرحلة الأولى من خطته بين إسرائيل وحركة حماس، تمهيدًا لوقف شامل للحرب وإطلاق سراح الأسرى من الجانبين.
لكن خلف هذا الإعلان المثير، لا تزال الوقائع الميدانية تشير إلى هشاشة الهدوء، واحتمال عودة الاشتباكات في أي لحظة.
الانسحاب الميداني: خطوات محسوبة تحت نيران متقطعة
بحسب هيئة البث الإسرائيلية، تلقّت وحدات المناورة أوامر بالانسحاب التدريجي نحو الخطوط الخلفية في قطاع غزة، في وقتٍ يستمر فيه منع السكان من العودة إلى المدينة، التي ما زالت تصنَّف "منطقة قتال خطرة".
مصادر عسكرية إسرائيلية أكدت أن الانسحاب يجري ضمن ترتيبات المرحلة الأولى من الاتفاق، الذي نصّ على إعادة الانتشار في مواقع محددة، تمهيدًا لإطلاق سراح الأسرى وبدء الإشراف الدولي على مناطق التماس.
وفي المقابل، تواصلت الغارات المدفعية والجوية على مناطق متفرقة، خاصة في خانيونس وتل الهوى ومخيم الشاطئ، وسط أنباء عن انفجارات ناتجة عن روبوتات مفخخة استخدمها الجيش الإسرائيلي في العمليات الأخيرة.
شرم الشيخ مركز التوقيع والمراقبة
القناة 12 العبرية كشفت أن مراسم التوقيع الرسمية على الاتفاق جرت في مدينة شرم الشيخ المصرية، بمشاركة وفود من الجانبين وبرعاية أمريكية ومصرية وقطرية.
وبحسب المصادر، فإن الاتفاق يتضمن ثلاث مراحل رئيسية:
1. وقف إطلاق النار الشامل وبدء انسحاب القوات من داخل غزة.
2. تبادل الأسرى والمحتجزين خلال فترة تمتد حتى الاثنين المقبل.
3. إطلاق عملية إعادة الإعمار تحت إشراف لجنة دولية بمشاركة السلطة الفلسطينية.
ومن المقرر أن يجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي للمصادقة النهائية على الاتفاق، قبل زيارة ترامب المقررة إلى إسرائيل الأحد، حيث سيلقي خطابًا أمام الكنيست في مشهد يوصف بأنه "إعلان انتصار دبلوماسي".
الجيش الإسرائيلي: “نرحب بالاتفاق لكننا مستعدون لكل سيناريو”
في بيان رسمي، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه يرحب بالتوصل إلى الاتفاق، لكنه أكد أنه سيبقى في “حالة تأهب قصوى” تحسبًا لأي خرق أو تطور غير متوقع.
رئيس الأركان أوعز للقوات بالاستعداد لقيادة “عملية إعادة المختطفين” بحساسية ومهنية، مع ضمان أمن الجنود على الجبهات كافة.
غير أن البيان تضمّن تحذيرًا صريحًا للسكان الفلسطينيين من العودة إلى شمال القطاع، مؤكّدًا أن “المنطقة شمال وادي غزة لا تزال خطرة للغاية”.
الميدان يرفض الصمت: غارات متواصلة ومخاوف من انهيار التفاهمات
في الوقت الذي تتحدث فيه العناوين عن “وقف الحرب”، يصف سكان غزة المشهد بأنه “هدوء هش فوق الركام”.
فالقصف لا يزال متقطعًا، وعمليات الرصد بالطائرات المسيّرة مستمرة في أحياء الصبرة وتل الهوى، فيما تُسمع أصوات إطلاق نار من آليات الاحتلال على أطراف المدينة.
وفي الجنوب، واصلت المدفعية الإسرائيلية قصفها على النصيرات وخانيونس، بينما أفادت مصادر فلسطينية بوقوع انفجارات عنيفة نتيجة قصف حربي على مخيم الشاطئ غربي المدينة.
بين انسحاب تكتيكي وهدنة مؤقتة
يرى مراقبون أن الانسحاب الجاري لا يعني نهاية الحرب، بل يمثل إعادة تموضع محسوبة استعدادًا لجولة تفاوض أوسع، ربما تفتح الباب أمام اتفاق شامل بإشراف دولي.
وفي الوقت ذاته، يعتبر الفلسطينيون أن دخول الولايات المتحدة بقوة على خط الوساطة عبر ترامب يعيد تشكيل معادلة الحرب، ويمنح السلطة الفلسطينية فرصة لاستعادة دورها في إدارة غزة، وفق ما أكده الرئيس محمود عباس في بيانه الأخير حول "السيادة الفلسطينية الكاملة على القطاع".
بين أجواء المفاوضات ووهج القصف، تبقى غزة على حافة المجهول.
فبين من يرى في اتفاق شرم الشيخ بداية طريق نحو الهدوء، ومن يخشى أن يكون مجرد هدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس، يترقب الفلسطينيون على الأرض ما إذا كان هذا الانسحاب سيقود إلى سلام فعلي أم إلى جولة جديدة من حرب لم تنتهِ بعد.