في أول تعليق رسمي من القيادة الفلسطينية على اتفاق شرم الشيخ، الذي أنهى فعليًا الحرب على قطاع غزة، رحب الرئيس محمود عباس بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية، مؤكدًا أن "السيادة على قطاع غزة هي لدولة فلسطين وحدها"، وأن أي ترتيبات مستقبلية يجب أن تكون تحت مظلة الشرعية الفلسطينية.
الرئيس الفلسطيني، في بيان صدر فجر اليوم الخميس، ثمّنه على نطاق واسع في الأوساط السياسية، أشاد بـ"الجهود الكبيرة التي بذلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكافة الوسطاء"، معربًا عن أمله بأن تكون هذه الخطوة "بداية لمسار سياسي جديد ينهي الاحتلال ويقود إلى سلام دائم وشامل".
عباس قال إن السلطة الفلسطينية مستعدة "للتعاون الكامل مع الأطراف الضامنة والوسطاء الإقليميين والدوليين، لإنجاح الاتفاق بما يحقق الاستقرار ويعيد إعمار القطاع المنكوب"، مشددًا على أن "الربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة يجب أن يتم ضمن الإطار المؤسساتي الفلسطيني، وتحت إشراف الحكومة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية والقانونية الموحدة".
وأضاف الرئيس الفلسطيني أن الأولوية الآن هي تنفيذ بنود الاتفاق فورًا، بما في ذلك:
الإفراج عن جميع المحتجزين والأسرى من الجانبين.
السماح بدخول المساعدات الإنسانية بإشراف الأمم المتحدة.
ضمان وقف أي عمليات تهجير أو ضم للأراضي الفلسطينية.
الشروع الفوري في إعادة إعمار قطاع غزة دون تأخير.
وأكد عباس أن دولة فلسطين تعتبر الاتفاق "خطوة أولى نحو حل سياسي شامل يستند إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي"، مضيفًا أن "الجهود الأمريكية والمصرية والقطرية والتركية خلقت فرصة واقعية لإعادة إطلاق المسار السياسي، إذا تم احترام سيادة دولة فلسطين ووحدة أراضيها".
موقف عباس يعكس محاولة واضحة لاستعادة الدور المركزي للسلطة الفلسطينية في أي ترتيبات تخص مستقبل غزة بعد الحرب، خصوصًا في ظل تصاعد الحديث عن إدارة انتقالية أو ترتيبات أمنية دولية في القطاع.
ويرى مراقبون أن تصريحاته تحمل رسالة مزدوجة:
من جهة، إشادة بالرعاية الأميركية والجهود العربية التي أفضت إلى إنهاء الحرب؛ ومن جهة أخرى، تحذير ضمني من تجاوز السلطة الفلسطينية في أي تسوية ميدانية أو سياسية مقبلة.
البيان جاء أيضًا ردًا غير مباشر على بعض التسريبات التي تحدثت عن نية واشنطن إنشاء "سلطة انتقالية دولية في غزة" بإشراف الأمم المتحدة، وهو ما اعتبرته القيادة الفلسطينية مساسًا بالسيادة الوطنية وشرعية مؤسسات الدولة الفلسطينية.
اللافت أن بيان عباس لم يتطرق مباشرة إلى دور حركة "حماس" في الاتفاق، لكنه أكد على وحدة القرار الوطني، في إشارة إلى رغبته في استعادة التنسيق الداخلي ضمن إطار "لجنة إدارية فلسطينية موحدة" تتولى الإشراف على إعادة الإعمار وإدارة القطاع بالتعاون مع المجتمع الدولي.
جاء موقف عباس بعد ساعات من إعلان ترامب أن إسرائيل وحماس وقّعتا على المرحلة الأولى من خطته لوقف الحرب وتبادل الأسرى، في ختام مفاوضات مكثفة استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية بمشاركة مصر وقطر وتركيا كوسطاء رئيسيين.
الاتفاق يتضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار، وانسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية من شمال غزة، وإطلاق سراح أسرى من الجانبين، إضافة إلى دخول المساعدات الإنسانية بإشراف أممي.
ويرى محللون أن انخراط ترامب المباشر في هذا الملف شكّل تحولًا جوهريًا في مقاربة واشنطن تجاه الصراع، إذ أعاد خلط الأوراق في الساحة الفلسطينية، وفتح الباب أمام إعادة تموضع السلطة الفلسطينية كممثل شرعي لأي ترتيبات لاحقة تخص إدارة غزة ومستقبلها السياسي.
تصريحات الرئيس عباس تأتي في لحظة حساسة من مسار الحرب والسلام، حيث يسعى إلى تثبيت مبدأ "السيادة الوطنية الواحدة" في مواجهة أي مشاريع لتجزئة السلطة بين غزة والضفة.
وبينما تُظهر مؤشرات أولية أن اتفاق شرم الشيخ قد يوقف النزيف الإنساني في القطاع، تبقى الاختبارات الحقيقية أمام القيادة الفلسطينية في قدرتها على تحويل هذا الاتفاق من هدنة ميدانية إلى بداية لمسار سياسي جامع يعيد القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام الدولي.