تتسارع وتيرة الأحداث في شرم الشيخ حيث تقترب المفاوضات بين إسرائيل وحركة "حماس" من نقطة حاسمة، وسط ضغوط أمريكية غير مسبوقة تمارسها إدارة الرئيس دونالد ترامب على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في محاولة لدفعه نحو اتفاق شامل ينهي الحرب المستمرة على غزة منذ عامين.
مصادر إسرائيلية مطلعة وصفت الأجواء بأنها "الأقرب إلى الصفقة منذ بدء المفاوضات"، مرجعة ذلك إلى أن ترامب لم يترك لنتنياهو أي مساحة للمناورة.
-
ونقلت صحيفة بوليتيكو الأمريكية عن مستشار إسرائيلي مقرب من دوائر صنع القرار قوله إن "نتنياهو لم يعد يملك أي خيارات أخرى، ويحتاج إلى دعم ترامب على المستويين الدولي والمحلي ليحافظ على فرص بقائه السياسي"، مشيراً إلى أن الضغوط الأمريكية بلغت ذروتها مع تصاعد الانتقادات الإسرائيلية الداخلية لطريقة إدارة الحرب في غزة.
ويأتي هذا التطور بعد ساعات من إعلان حركة "حماس" تبادل قوائم الأسرى مع إسرائيل في شرم الشيخ، ما يعزز الانطباع بأن الوساطة المصرية والقطرية والتركية بدأت تؤتي ثمارها بعد جولات مكوكية متواصلة خلال الأسابيع الماضية.
وبحسب مراقبين، فإن إدارة ترامب تعيد صياغة نهجها تجاه الحرب بعد مرور عامين على اندلاعها، محاولةً إظهار نفسها كقوة قادرة على إنهاء الصراع وفرض ترتيبات سياسية جديدة في الشرق الأوسط قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة.
ووفقاً لمصادر سياسية في واشنطن، فإن ترامب انتقل من مرحلة التفويض الكامل لإسرائيل إلى مرحلة الإملاء المباشر، إذ مارس ضغوطاً قاسية على نتنياهو لإيقاف العمليات العسكرية، ملوّحاً بوقف المساعدات العسكرية إذا لم يلتزم بخطة واشنطن الجديدة للتهدئة.
وأشار التقرير إلى أن التحول في موقف ترامب بدأ بعد قصف إسرائيلي استهدف قادة من حماس في الدوحة الشهر الماضي، وهو ما أثار غضب قطر ودفع الرئيس الأمريكي إلى فتح قنوات اتصال واسعة مع العواصم العربية والإسلامية "لجمع وجهات النظر ودفع نتنياهو نحو إنهاء الحرب"، بحسب تعبير الصحيفة.
وقال مصدر مطلع على المفاوضات إن "إسرائيل عسكرياً في أقوى حالاتها، لكنها دبلوماسياً في أضعف موقع عرفته منذ عقود".
وأضاف أن "الأوروبيين يدعون علناً إلى إقامة دولة فلسطينية، والعرب الذين وقعوا اتفاقات أبراهام يصفون نتنياهو بأنه منفلت، فيما يجبره ترامب على الاعتذار للقطريين من مكتبه".
منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023 عقب عملية "طوفان الأقصى"، تدهورت العلاقات بين إسرائيل والعديد من حلفائها التقليديين. وبينما واصلت حكومة نتنياهو عملياتها العسكرية المكثفة داخل القطاع، تصاعدت الضغوط الدولية المطالبة بوقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى وإعادة إعمار غزة.
وفي الأشهر الأخيرة، كثّفت القاهرة والدوحة وأنقرة جهودها لإطلاق مفاوضات متعددة المسارات تركز على تبادل الأسرى ووقف النار والانسحاب الإسرائيلي، وصولاً إلى صفقة شاملة يُنتظر أن تُعلن ملامحها الأولى من شرم الشيخ.
تؤشر تصريحات المستشار الإسرائيلي وتسريبات واشنطن إلى تحول واضح في ديناميكيات القرار داخل المعسكر الإسرائيلي الأمريكي.
فبعد أن اعتمد نتنياهو لسنوات على دعم الجمهوريين، يجد نفسه اليوم أسير إرادة ترامب الذي يسعى لفرض تسوية سياسية تضمن له مكاسب انتخابية وتعيد ترتيب علاقاته في الشرق الأوسط.
ويرى محللون أن هذه التطورات قد تمهد لولادة اتفاق تاريخي على غرار "كامب ديفيد" جديد، لكنه هذه المرة برعاية ترامب وبأطراف عربية فاعلة، مع بقاء الأسئلة مفتوحة حول مستقبل غزة، ومصير المقاومة، وشكل السلطة الفلسطينية المقبلة.
وبينما تستعد الوفود في شرم الشيخ لجولة حاسمة، يبدو أن موازين القوة تتحول من الميدان إلى الطاولة، وأن قرار إنهاء الحرب لم يعد بيد نتنياهو وحده.
فـ"الصفقة القريبة"، كما تصفها المصادر، قد تحمل بصمات ترامب أكثر مما تعكس إرادة إسرائيل، ما يجعل الأيام القادمة حاسمة في رسم ملامح مرحلة ما بعد الحرب في غزة.