بعد عامين على هجوم السابع من أكتوبر، تعود إسرائيل لمواجهة شبح اللحظة الأولى التي غيّرت وجه المنطقة.
تسريبات محاضر أول اجتماع للحكومة الإسرائيلية بعد الهجوم، والتي كشفت عنها القناة 12 العبرية، أظهرت بوضوح أن قضية الرهائن لم تكن ضمن الأهداف الرسمية للحرب، وأن الانقسام والارتباك كانا سيدي الموقف في الساعات الأولى من “طوفان الأقصى”.
المداولات الداخلية تعكس دولة مأزومة أكثر مما تعكس قوة في مواجهة التحدي، وتكشف أن الاعتبارات السياسية والأمنية طغت على الجانب الإنساني منذ اللحظة الأولى.
الاجتماع الأول.. دولة بلا بوصلة
عُقد أول اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلي عند الساعة الواحدة ظهرًا، أي بعد أكثر من ست ساعات من بدء الهجوم الذي باغت جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية.
وبينما كانت “حماس” تسيطر على قواعد ومستوطنات حدودية، دعا رئيس الأركان آنذاك هرتسي هاليفي إلى فصل قضية الرهائن عن أهداف الحرب، قائلاً:
“يجب ألا نربط الرهائن بأهداف الحرب... هذا ما تعلمناه من حرب لبنان الثانية.”
هذا التصريح، كما تكشف المحاضر، وضع الإشارة الأولى إلى أن القيادة العسكرية لم ترَ في استعادة الرهائن أولوية وطنية، بل عبئاً تكتيكياً.
أرقام متضاربة وصورة ضبابية
المداولات الداخلية كشفت حجم الفوضى في مؤسسات القرار الإسرائيلية.
فعندما سأل آريه درعي، زعيم حزب “شاس”، عن عدد المختطفين، جاءت الإجابات متناقضة:
رئيس الشاباك رونين بار تحدث عن 14 جندياً و28 مدنياً.
بينما قال مسؤول العمليات في الجيش أوديد باسيك إن العدد 169 مفقوداً.
في الواقع، كما أكدت القناة العبرية، بلغ عدد الأسرى لدى “حماس” في ذلك اليوم 251 شخصاً، وهو رقم لم يُدركه القادة إلا بعد أيام من الفوضى.
سموتريتش: “تجاهلوهم”
المثير في التسريبات أن وزير المالية اليميني المتطرف بيزاليل سموتريتش دعا صراحة إلى تجاهل ملف الرهائن، قائلاً:
“لا يمكن لإسرائيل أن تعمل بهذا التفكير.”
كلمة “تجاهلوهم” أصبحت عنوان التقرير الإسرائيلي، وتعكس ذهنية تيار يميني يرى في الحديث عن الرهائن ضعفاً سياسياً ومساساً بصورة الردع.
في المقابل، كان وزير الدفاع يوآف غالانت أكثر تشدداً، مؤكداً أن التعليمات واضحة:
“لا مفاوضات مع حماس. سيتحدثون معنا فقط عندما يكونون تحت الماء.”
تلك العبارة اختزلت النهج الإسرائيلي الذي استمر حتى اليوم، حيث تحولت قضية الرهائن إلى ورقة مساومة داخلية بين الحكومة وعائلات الأسرى.
حرب بلا هدف إنساني
مع مرور الوقت، تحولت جلسة الحكومة من تقييم للأحداث إلى نقاش حول “كيفية استعادة الردع”.
هاليفي عرض خطة من أربع نقاط:
1. إغلاق الحدود واستعادة السيطرة.
2. تدمير قدرات حماس العسكرية.
3. تغيير قواعد الدفاع.
4. خلق معادلة ردع جديدة.
لكن الملاحَظ أن قضية الرهائن لم تُدرج ضمن الأهداف الرسمية، بل وُصفت بأنها “عامل مؤثر لا هدف موجه”.
أي أن إنقاذهم لم يكن جزءاً من الاستراتيجية، بل مجرد نتيجة محتملة للعمل العسكري.
حكومة متصدعة في لحظة الاختبار
تكشف المحاضر أن أول اجتماع للحكومة بعد الهجوم كان مشبعاً بالخلافات والتناقضات، وتحديداً بين جناح اليمين الديني المتشدد (سموتريتش وبن غفير) والقيادة العسكرية التقليدية.
الاجتماع أظهر بوضوح أن غياب الأولويات وازدواجية القرار السياسي والعسكري كانت من الأسباب الجوهرية في فشل إسرائيل بالسيطرة السريعة على الأحداث أو حماية مواطنيها.
كما أن الضحك الذي أعقب اقتباس سموتريتش لجملة من فيلم “الطيب والشرس والقبيح” في ختام الاجتماع، كما أورد التقرير العبري، جسّد الانفصال التام بين حجم الكارثة والوعي السياسي داخل الغرفة المغلقة.
رهائن السياسة قبل أن يكونوا رهائن الحرب
تؤكد هذه التسريبات أن أزمة الرهائن لم تكن مجرد مأساة إنسانية بل انعكاس لأزمة أعمق في بنية النظام الإسرائيلي، الذي فشل في التوفيق بين اعتبارات الأمن والسياسة والمجتمع.
وبينما تواصل الحكومة الحالية ترديد وعود استعادة الأسرى، يبدو أن الحقيقة الأولى التي يجب الاعتراف بها هي أن الرهائن لم يكونوا أولوية منذ البداية.
ففي حرب السابع من أكتوبر، كانت إسرائيل تبحث عن “استعادة الردع” أكثر مما كانت تبحث عن “إنقاذ الأبناء”.