تشهد الساحة السياسية في إسرائيل واحدة من أكثر لحظاتها تفجّرًا وتقلبًا منذ سنوات، بعد أن أعلنت أحزاب المعارضة، اليوم الأربعاء، اتفاقها على إسقاط حكومة بنيامين نتنياهو ودعم خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاصة بإنهاء الحرب في غزة وإطلاق عملية تبادل الأسرى.
القرار جاء عقب اجتماع استثنائي جمع أبرز قادة الأحزاب المعارضة في تل أبيب، في خطوة وصفتها وسائل الإعلام العبرية بأنها “بداية نهاية عهد نتنياهو”.
تحالف غير مسبوق ضد نتنياهو
بحسب ما كشفه موقع "واينت" العبري، فقد شارك في الاجتماع كل من يائير لابيد (رئيس حزب "يش عتيد")، وبيني غانتس (رئيس حزب المعسكر الوطني)، وأفيغدور ليبرمان (رئيس حزب "إسرائيل بيتنا")، ويائير جولان، وغادي أيزنكوت، ونفتالي بينيت، في مشهد نادر يجمع خصوماً سياسيين طالما فرّقتهم الرؤى والأجندات.
واتفق القادة الستة على تنسيق الخطوات البرلمانية والسياسية اللازمة لإسقاط الحكومة في مؤتمر الكنيست الشتوي المقبل، وتشكيل ما وصفوه بـ"حكومة إصلاح وشفاء"، قادرة على إخراج إسرائيل من أزماتها الأمنية والسياسية والاقتصادية المتراكمة.
وأكدت المعارضة أنها اتخذت هذا القرار بعد استنفاد كل الوسائل الدستورية والسياسية لإقناع نتنياهو بالرحيل، في ظل ما وصفوه بـ"عجز حكومته التام عن إدارة الحرب في غزة".
خطة ترامب.. نقطة التقاء المصالح
من اللافت أن إعلان المعارضة جاء متزامنًا مع تصاعد الحديث عن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب الدائرة في غزة، وهي الخطة التي تتضمن تبادلًا للأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، ووقفًا تدريجيًا لإطلاق النار برعاية مصرية وقطرية، تمهيدًا لتسوية أوسع في القطاع.
وقال موقع "واينت" إن المعارضة الإسرائيلية أبلغت الإدارة الأمريكية دعمها الكامل لـ"خطة ترامب"، معتبرة أنها تمثل “فرصة حقيقية لإعادة الاستقرار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من صورة إسرائيل المتهشّمة دوليًا” بعد شهور من الحرب.
لابيد: حكومة نتنياهو فشلت في كل شيء
وفي تصريحات حادة عقب الاجتماع، قال زعيم المعارضة يائير لابيد إن “إسرائيل تعيش أخطر أزماتها منذ قيام الدولة”، مضيفًا:
“لدينا أزمة أمنية وسياسية واقتصادية رهيبة.. حكومة نتنياهو فقدت السيطرة، وحان الوقت لإنقاذ إسرائيل قبل الانهيار التام.”
وأكد لابيد أن المعارضة "تتبنى بالكامل مقترح الرئيس ترامب"، موضحًا أن هذا الدعم “لا يأتي فقط من أجل الرهائن، بل من أجل مستقبل إسرائيل نفسها”.
وأضاف:
“سنتأكد من تنفيذ الصفقة كما هي.. وسنوفر شبكة حماية سياسية وأمنية تضمن إنجاحها.”
غانتس وأيزنكوت: المؤسسة العسكرية مع التغيير
من جهته، قال بيني غانتس، الذي كان قد انسحب سابقًا من حكومة الطوارئ التي شكّلها نتنياهو، إن “الجيش فقد ثقته في القيادة السياسية الحالية”، مضيفًا أن “التغيير أصبح ضرورة وطنية، وليس خيارًا سياسيًا.”
أما القائد السابق في الجيش غادي أيزنكوت، فأكد أن “البلاد لم تعد تحتمل إدارة فوضوية للملف الأمني، وأن استمرار الحرب في غزة دون استراتيجية خروج واضحة يمثل كارثة استراتيجية”.
هذه التصريحات تعكس بوضوح الانقسام الحاد داخل المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، حيث تتزايد الانتقادات الموجهة إلى نتنياهو بسبب أسلوبه في إدارة الحرب ورفضه مقترحات التهدئة التي تدعمها واشنطن.
الشارع الإسرائيلي يغلي
تزامن إعلان المعارضة مع تجدد المظاهرات في تل أبيب وحيفا والقدس، حيث خرج آلاف الإسرائيليين مطالبين بإقالة نتنياهو ومحاسبته على ما اعتبروه "فشلًا استخباراتيًا وأخلاقيًا" أدى إلى اندلاع الحرب في غزة واستمرارها حتى الآن.
ورفعت لافتات كتب عليها: "كفى نتنياهو"، و*"الرهائن أولاً، ثم السياسة"،* في تعبير واضح عن الغضب الشعبي المتزايد ضد الحكومة.
ويرى مراقبون أن توافق المعارضة على خطة ترامب قد يمنحها غطاءً أمريكيًا قويًا لتسريع إسقاط الحكومة، خصوصًا إذا حظيت الخطة بدعم رسمي من إدارة واشنطن والدول الأوروبية المعنية بملف غزة.
واشنطن تراقب.. ونتنياهو في مأزق
في واشنطن، التزمت الإدارة الأمريكية الصمت حيال التحرك الإسرائيلي الداخلي، إلا أن مصادر دبلوماسية نقلت لصحيفة “واشنطن بوست” أن البيت الأبيض “يراقب الوضع عن كثب”، وأن التحرك المعارض قد يتماشى مع رغبة ترامب في تسريع تنفيذ خطته دون عراقيل من حكومة نتنياهو التي تبدي تحفظات على بعض بنودها.
ويواجه نتنياهو في هذه الأثناء ضغوطًا متزايدة من حلفائه في اليمين المتطرف الذين يرفضون الخطة الأمريكية، معتبرين أنها "تسليم مجاني لحماس"، في وقت تتحدث فيه أوساط إسرائيلية عن إمكانية تفكك الائتلاف الحاكم خلال أسابيع.
نهاية عهد نتنياهو؟
يرى محللون أن ما يجري الآن يمثل أخطر تحدٍّ سياسي لنتنياهو منذ سنوات، إذ لم يسبق أن توحدت أطراف المعارضة الإسرائيلية بهذا الشكل الصريح، وبموافقة ضمنية على التعاون مع واشنطن لتنفيذ خطة أمريكية مثيرة للجدل، فإذا نجحت المعارضة في سحب الثقة من الحكومة خلال الدورة الشتوية للكنيست، فستكون إسرائيل مقبلة على مرحلة انتقالية جديدة قد تنهي مسيرة نتنياهو السياسية الممتدة منذ التسعينيات.
الاجتماع الذي بدا في ظاهره تنسيقًا سياسيًا داخليًا، يحمل في جوهره تحولًا استراتيجيًا عميقًا في بنية السلطة الإسرائيلية، ويشير إلى أن مرحلة “نتنياهو القوي” تقترب من أفولها.
ومع دخول خطة ترامب حيّز التنفيذ في مفاوضات شرم الشيخ، يبدو أن إسرائيل تقف على أعتاب تغيير جذري في قيادتها ومسارها السياسي، في مشهد يختلط فيه الداخل الملتهب بالضغوط الأمريكية، والطموحات المتشابكة في الشرق الأوسط الجديد.