في خطاب حمل نبرة تحدٍ وثقة بالغة، وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رسائل متعددة خلال حفل تكريم أوائل كلية الشرطة، طمأن فيها الداخل المصري، وأرسل إشارات سياسية واضحة للخارج، في مقدمتها دعوته للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحضور توقيع اتفاق إنهاء الحرب في غزة إذا تم التوصل إليه.
وجاءت تصريحات السيسي في لحظة دقيقة تشهد فيها المنطقة تصاعدًا حادًا في التوترات بين إسرائيل وحركة حماس، وسط جولة جديدة من المفاوضات الجارية في شرم الشيخ برعاية مصرية.
"مفيش حد يقدر يعمل حاجة مع مصر"
بابتسامة واثقة وصوت حازم، قال الرئيس المصري:
"أي تحد ما تقلقوش منه طول ما إحنا مع بعض.. مفيش حد يقدر يعمل حاجة مع مصر خالص."
كانت هذه العبارة هي نقطة الارتكاز في الخطاب، وحملت دلالات تتجاوز الطمأنة الروتينية للشعب، إذ اعتبرها مراقبون رسالة ردع سياسية موجهة إلى من يحاولون التشكيك في قدرة القاهرة على حماية أمنها القومي، أو الضغط عليها في الملفات الإقليمية الحساسة — وعلى رأسها الملف الفلسطيني.
وأضاف السيسي:
"بطمن الشعب المصري على الأوضاع في الداخل والخارج.. بفضل الله وبالله قبل كل شيء وبالمصريين إحنا من 2013 وحتى الآن واجهنا إرهابًا قاسيًا.. وبفضل الله وبأبناء مصر تم التغلب عليه.. والأمور تسير بشكل طيب."
رسائل اقتصادية وسط ضباب الحرب
في سياق متصل، تناول السيسي الملف الاقتصادي، مؤكدًا أن المؤشرات الاقتصادية لمصر تتحسن "يوماً بعد يوم"، مشيرًا إلى أن البلاد "تجاوزت مراحل صعبة جدًا بفضل صبر الشعب وإدارته الواعية".
وأوضح أن المرحلة المقبلة ستشهد تحسناً ملموساً في مستويات المعيشة والاستقرار النقدي، في وقت يواجه فيه الاقتصاد المصري ضغوطًا حادة بفعل تداعيات الحرب في غزة وارتفاع أسعار الطاقة عالميًا.
مصر في قلب المفاوضات: دعوة مباشرة لترامب
وفي تحول لافت، كشف السيسي أن مصر "تبذل جهودًا حثيثة الآن في شرم الشيخ لوقف الحرب في غزة"، مشيرًا إلى أن هناك وفودًا مصرية وأمريكية وقطرية إضافة إلى مبعوثين دوليين يبحثون تفاصيل خطة وقف إطلاق النار التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقال السيسي إن ما وصل إليه من تقارير "يشجع على التفاؤل"، مضيفًا:
"هناك إرادة وتكليف قوي لإنهاء الحرب، وأتمنى أن نغتنم الفرصة للوصول إلى نهاية الحرب."
وفي خطوة رمزية ذات ثقل دبلوماسي كبير، وجه السيسي دعوة مباشرة لترامب لحضور مراسم توقيع الاتفاق في القاهرة حال التوصل إليه، في إشارة إلى رغبة مصر في أن تكون المنصة الرسمية لإنهاء الحرب وإطلاق مرحلة جديدة من التهدئة في غزة.
هذه الدعوة ليست فقط بروتوكولية، بل تهدف أيضًا إلى إعادة تموضع القاهرة كلاعب محوري في معادلة السلام بعد فترة من التراجع النسبي في دورها لصالح الدوحة وأنقرة.
تحركات أمنية ودبلوماسية في آن واحد
تزامن خطاب السيسي مع تقارير عن انتشار أمني مكثف في شرم الشيخ، حيث تشارك وفود من الولايات المتحدة وقطر وتركيا في المفاوضات الجارية.
وأكدت مصادر "العربية" و"الحدث" أن القاهرة تستضيف المفاوضين في أجواء مشحونة بالتوتر، مع بروز خلافات حول خرائط الانسحاب الإسرائيلي من غزة وآلية تسليم الأسرى والجثامين.
ويؤكد هذا النشاط المكثف أن المخابرات العامة المصرية تقود مساراً مزدوجاً يجمع بين الدور السياسي والدور الأمني، في محاولة لتثبيت موقع مصر كضامن رئيسي لأي اتفاق قادم.
بين الثقة والتحدي.. القاهرة تعلن عودتها
تحمل تصريحات السيسي في مجملها نبرة استعادة الزعامة الإقليمية، ورسالة واضحة مفادها أن مصر عادت لتلعب الدور المركزي في الشرق الأوسط، ليس فقط كوسيط، بل كـ"صانع توازن" بين القوى الإقليمية والدولية.
فمن مكافحة الإرهاب في الداخل، إلى إدارة ملفات التهدئة في غزة، إلى التلميحات برسائل موجهة لواشنطن وتل أبيب، يبدو أن القاهرة تحاول صياغة مرحلة جديدة من النفوذ المصري القائم على "الاستقرار مقابل الشراكة"، و"الوساطة مقابل الاعتراف بالدور".
خطاب السيسي الأخير لم يكن خطابًا بروتوكوليًا بقدر ما كان بيان موقف استراتيجي، يعكس رؤية القاهرة لنفسها كدولة لا يُمكن تجاوزها في معادلات الحرب أو السلام.
وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى شرم الشيخ لمراقبة مصير المفاوضات، تبقى الرسالة التي أراد الرئيس المصري إيصالها واضحة:
"مصر لن تسمح لأحد أن يفرض عليها واقعًا جديدًا.. ومحدش يقدر يعمل حاجة مع مصر."