أثار ظهور القيادي البارز في حركة "حماس" خليل الحية تحت حماية وحدة من قوات المخابرات العامة المصرية (G.I.S) في مدينة شرم الشيخ موجة من التساؤلات حول طبيعة الدور الأمني والاستخباراتي الذي تؤديه القاهرة في المفاوضات الجارية لوقف الحرب في غزة.
ففي مشهد لافت التقطته عدسات الكاميرات مساء الاثنين، شوهد أحد عناصر قوات G.I.S يرتدي زيًّا ميدانيًا أسود ويحمل سلاحًا متطورًا، مرافقًا للحية أثناء دخوله مقر المباحثات، في إشارة واضحة إلى أن الجانب المصري يتولى مسؤولية تأمين وفد "حماس" على أراضيه بالكامل.
من هي قوات G.I.S؟
الاسم الكامل لهذه القوة هو General Intelligence Security، أي قوات الأمن التابعة لجهاز المخابرات العامة المصرية، وهي واحدة من أكثر الأجهزة الأمنية المصرية غموضًا واحترافًا.
تُصنف ضمن وحدات النخبة التي تتعامل مع العمليات عالية الحساسية، بما في ذلك مكافحة الإرهاب، وتأمين الشخصيات السياسية والأمنية البارزة، إضافة إلى تنفيذ مهام خارج الحدود عند الضرورة.
وتُوصف هذه القوات داخل المؤسسات الأمنية المصرية بأنها الذراع الميدانية لجهاز المخابرات العامة، وتُستدعى عادةً في المهمات التي تمسّ الأمن القومي مباشرة، مثل تأمين المفاوضات الدولية أو نقل شخصيات مطلوبة أو حساسة.
ويرتدي أفرادها زيًا موحدًا باللون الأسود أو الرمادي الغامق، ويحملون أسلحة هجومية قصيرة المدى، ويتميزون بالتحرك الهادئ والانضباط التام.
سجل العمليات الأولى: من عشماوي إلى الإرهاب العابر للحدود
برز اسم قوات G.I.S للمرة الأولى علنًا عام 2019، عقب عملية استلام الإرهابي المصري هشام عشماوي من قوات "الجيش الوطني الليبي".
وكان عشماوي ضابطًا مفصولًا من الجيش المصري تورط في عشرات العمليات الإرهابية ضد قوات الأمن في مصر وليبيا. وقد ظهرت وقتها لقطات مصوّرة تُظهر انتقاله بطائرة خاصة إلى القاهرة وسط حراسة مشددة من عناصر G.I.S، ما كشف لأول مرة عن وجود هذه الوحدة واختصاصاتها.
منذ ذلك الحين، ارتبط اسم G.I.S بعمليات ضد التنظيمات الإرهابية في شمال سيناء، وبتأمين المنشآت الحيوية والمطارات والمناطق السياحية ذات الحساسية الأمنية، مثل شرم الشيخ والعلمين الجديدة.
مصر تؤمن وفد "حماس" وسط تهديدات أمنية متزايدة
وفق مصادر أمنية تحدثت لـ"العربية" و"الحدث"، تتولى مصر في الوقت الحالي مسؤولية كاملة لتأمين جميع الوفود المشاركة في مفاوضات شرم الشيخ، بما في ذلك وفد حركة "حماس"، الذي يقوده خليل الحية.
وتأتي هذه الإجراءات في ظل تحذيرات استخباراتية من احتمال تنفيذ عمليات تخريبية أو محاولات اغتيال تستهدف تعطيل المباحثات أو إرباك المشهد السياسي.
ويشير الخبراء إلى أن إسناد مهمة الحماية لقوات G.I.S تحديدًا يعكس حجم الثقة التي تضعها الدولة المصرية في هذا الجهاز، المعروف بقدرته على الدمج بين العمل الاستخباراتي والميداني في وقت واحد.
خليل الحية: مفاوض تحت الحراسة
ظهر الحية في شرم الشيخ مبتسمًا وهادئًا رغم الطوق الأمني المحكم.
وفي مقابلة نادرة مع قناة القاهرة الإخبارية، أكد القيادي في "حماس" أن الحركة تطالب بـ"ضمانات حقيقية" من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومن الدول الراعية لإنهاء الحرب في غزة بشكل دائم.
وقال الحية: "الاحتلال الإسرائيلي لا يلتزم بتعهداته، ونحن نريد ضمانات مكتوبة تضمن أن هذه المفاوضات لن تُستخدم غطاءً لمزيد من الدماء".
تصريحاته جاءت بالتزامن مع تقارير من صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" التي نقلت عن مصادر دبلوماسية أن وجود الحية في مصر يعكس تحولاً استراتيجياً في طريقة تعامل القاهرة مع حماس، إذ لم تكتفِ بدور الوسيط، بل باتت طرفًا ضامنًا ميدانيًا للأمن.
قراءة في دلالات المشهد
يرى محللون أن مشهد حماية G.I.S للحية يُظهر عمق الدور المصري في إدارة الملف الفلسطيني، خصوصًا بعد اتساع نفوذ المخابرات العامة في القضايا الإقليمية الحساسة.
ويعني ذلك أن القاهرة باتت تمسك بخيوط اللعبة كاملة: السياسية، والأمنية، والاستخباراتية، بما في ذلك التواصل المباشر مع كل الأطراف من واشنطن إلى الدوحة، ومن أنقرة إلى تل أبيب.
كما يُعتبر ظهور الحية تحت حماية مصرية مشددة رسالة مزدوجة — من القاهرة إلى كل من إسرائيل والولايات المتحدة — بأن مصر تملك مفاتيح الأمن في أي تسوية تخص غزة، وأنها لن تسمح باستهداف أي وفد تحت رعايتها.
بينما تتواصل مفاوضات شرم الشيخ في أجواء معقدة، تظلّ قوات G.I.S حاضرة في المشهد كأحد رموز القوة الصامتة للدولة المصرية.
وراء الزي الأسود والوجوه الهادئة، يقف جهاز استخباراتي يُمسك بخيوط حساسة من الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، ويتعامل بمهارة مع توازنات الإقليم، ليضمن أن لا تتحول أرض السلام المصرية إلى ساحة دم جديدة.