هل تنجح سوريا في القضاء على المحسوبيات؟

2025.10.08 - 11:31
Facebook Share
طباعة

 تسعى سوريا الجديدة إلى تعزيز شفافية القطاع العام عبر تفعيل الأجهزة الرقابية، وإطلاق موقع إلكتروني رسمي للهيئة العامة للرقابة والتفتيش، في خطوة تهدف إلى فتح قناة تواصل مباشرة بين المواطنين والجهات الرقابية، وملاحقة ملفات فساد ضخمة خلفها النظام السابق.

وتتركز الأجهزة الرقابية في سوريا على مؤسستين رئيسيتين: الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، والجهاز المركزي للرقابة المالية. تعمل الهيئة على متابعة أداء المؤسسات الحكومية، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وضمان الالتزام بالقوانين، بينما يُعنى الجهاز المالي بمراقبة القطاعين الإداري والاقتصادي، وإجراء التحقيقات القانونية، ويتضمن فروعًا في جميع المحافظات.


ملفات فساد كبرى تحت الرقابة
تشير بيانات الهيئة إلى كشف مخالفات كبيرة في عقود عامة، أبرزها مشروع تأهيل معامل في قطاع الجيولوجيا والثروة المعدنية، حيث بلغت الأضرار المالية نحو 148 مليار ليرة سورية (ما يعادل 13 مليون دولار). كما أظهرت التحقيقات الأولية أضرارًا في قطاعات الطاقة والتموين تجاوزت عشرات المليارات، وقد أُحيلت الملفات إلى القضاء لمتابعة الإجراءات القانونية.

وقال نائب رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، وسيم المنصور، إن التحقيقات أظهرت فسادًا ممنهجًا في قطاعات استراتيجية تمس حياة المواطنين، موضحًا أن الملفات التي تُعالج تشمل مسؤولين سابقين من حكومة النظام المخلوع، وقد شكّلت الأجهزة أكثر من 80 لجنة تحقيق متخصصة لمراجعة هذه الملفات. وأضاف أن خطة الجهاز لعام 2025 تتضمن تدقيق حسابات الجهات العامة لسنة 2024، مع تحديث القانون الناظم لعمل الجهاز بما يتوافق مع متطلبات الحوكمة الرشيدة والمعايير الدولية.


دعوة للمواطنين ودور الرقابة المجتمعية
دعا رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، عامر العلي، المواطنين إلى المشاركة الفاعلة في مكافحة الفساد، وعدم التستر عليه، مشيرًا إلى أن النظام السابق ترك مؤسسات متهالكة وفوضوية، تنخرها المحسوبيات والفساد المالي والإداري. وأضاف أن الفساد السياسي كان أحد أخطر أشكاله، إذ قضى النظام السابق على حرية السوريين لأكثر من خمسة عقود.

وأشار الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر إلى أن تفعيل الأجهزة الرقابية ليس مجرد مسألة داخلية، بل يمثل رسالة للسوق الدولية والمستثمرين عن جدية سوريا في تعزيز النزاهة وسيادة القانون. وأضاف أن إطلاق الموقع الإلكتروني للهيئة يتيح تلقي شكاوى المواطنين، ويزيد من فاعلية الرقابة، إذا ترافقت مع ضمانات استقلالية وسرعة البت في الملفات.


تحديات العوائق والمصداقية
رغم هذه الخطوات، تواجه الأجهزة الرقابية تحديات كبيرة، أبرزها ضعف البيئة التشريعية ونقص الكوادر المتخصصة، ومقاومة بعض مراكز النفوذ، إضافة إلى المحسوبيات التي قد تعيق فعالية الحملات. ويشير الخبير الاقتصادي عبد الحكيم المصري إلى صعوبة محاسبة الفاسدين القدماء والجدد على حد سواء، مع غياب ثقافة مؤسسية كافية لدعم العمل الرقابي، وعدم وجود الحماية الكاملة للمبلغين.

كما لفت المصري إلى أهمية دمج الرقابة الداخلية في المؤسسات الحكومية مع عمل الهيئة والجهاز المركزي للرقابة المالية، لضمان متابعة شاملة، وتقليص حالات الفساد، خصوصًا مع إنشاء دوائر متابعة داخل المؤسسات، تضمن مطابقة الإجراءات للأنظمة القانونية المعمول بها. وأكد أن الحملات يجب أن تشمل جميع الموظفين والمؤسسات، وأن تُطبق بشكل موضوعي بعيدًا عن الانتقائية أو الاستهداف السياسي.


التكنولوجيا والقوانين كدعائم للرقابة
يشدد الخبراء على ضرورة تحديث التشريعات الحالية لتواكب التحديات التقنية والإدارية، بما يتيح للهيئة والجهاز استخدام أدوات حديثة للتدقيق المالي، ومكافحة الفساد، وحماية المال العام. كما يُعتبر تدريب الكوادر على تقنيات الرقابة والتفتيش المالي عاملًا رئيسًا لتعزيز فاعلية المؤسسات الرقابية، وتحسين تصنيف سوريا في مؤشرات النزاهة الدولية.

وتؤكد هذه الجهود أن مكافحة الفساد ليست مهمة مؤقتة، بل عملية مستمرة تتطلب تضافر جهود الأجهزة الرسمية والمواطنين، وإطار قانوني وتشريعي متكامل، يضمن استقلالية الرقابة وشفافية الإجراءات. ويشير مراقبون إلى أن نجاح هذه العملية سيكون مؤشرا رئيسيا على قدرة سوريا الجديدة على إعادة بناء مؤسسات الدولة وتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين، ما يسهم في جذب الاستثمارات ودعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.


الكلمة النهائية: رغم التحديات العديدة، يشير الخبراء إلى أن تفعيل الأجهزة الرقابية وإتاحة قنوات التواصل مع المواطنين يمثلان خطوة أساسية نحو ترسيخ الشفافية ومكافحة الفساد في سوريا، شرط أن تواكبها إرادة سياسية صادقة، وبيئة مؤسسية داعمة، وتحديث مستمر للقوانين والكوادر، لضمان استقلالية فعالة وحماية المال العام.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 4