عامان على طوفان الأقصى.. لبنان بين نار الجنوب وانقسام الداخل

2025.10.08 - 11:25
Facebook Share
طباعة

 بعد مرور عامين على عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما تزال تداعياتها عميقة في لبنان على المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية. فقد أعادت هذه الحرب اختبار التوازنات الداخلية، وكشفت عن عمق الانقسام حول معنى المقاومة وحدود الدولة، وسط حالة من التوتر بين القوى السياسية والمجتمع المدني.

بدأت الحرب كحدث فلسطيني، لكنها تحولت سريعًا إلى محطة إقليمية فاصلة أعادت خلط الأوراق من البحر إلى الحدود، وكان لبنان إحدى ساحاتها الأكثر سخونة. فالتوتر في الجنوب بين حزب الله وإسرائيل لم يتوقف، وتطور تدريجيًا حتى بلغ حافة مواجهة شاملة، فيما احتدم الجدل داخليًا بين من يرى في الحزب ركيزة أساسية لمواجهة الاحتلال، وبين من يخشى أن يدفع لبنان المنهك ثمنًا سياسيًا واقتصاديًا باهظًا.

خلال العامين الماضيين، تغيّرت أولويات الحكومة والبرلمان تحت وطأة الأزمات المتلاحقة، من تشكيل سلطة تنفيذية جديدة إلى إعادة توزيع النفوذ بين القوى السياسية. لكن الملفات السيادية بقيت رهينة الانقسام والتجاذب الداخلي، خصوصًا فيما يتعلق بالقرار العسكري والسيطرة على السلاح غير الشرعي.


إعادة تعريف الأمن الوطني
شكلت الحرب تحديًا لإعادة تعريف مفهوم "الأمن الوطني" في لبنان، في ضوء تشابك الجبهات الإقليمية. إذ أعادت الأحداث رسم العلاقة بين حزب الله وبقية القوى اللبنانية، بين من يراها شراكة اضطرارية في معادلة الردع، ومن يعتبرها هيمنة تحد من قدرة الدولة على اتخاذ قرارات مستقلة.

رغم التباين في التقييم، ثمة إجماع على أن "طوفان الأقصى" شكل نقطة تحول على المستويين الداخلي والإقليمي، إذ أبرز مدى هشاشة التوازن بين القوى اللبنانية، وأعاد لبنان إلى حالة استنفار دائم، سياسي وعسكري، تعيد رسم معالم الدولة وحدود دورها.


تداعيات الحرب على الوضع العسكري والسياسي
أظهر الاتفاق الذي أُبرم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أن الحزب لم يحقق الردع المطلوب، بينما استمرت إسرائيل في السيطرة على نقاط حدودية وتنفيذ عمليات استهداف لعناصر مشتبه بانتمائهم للحزب، دون أي رد مباشر.

وفي الداخل اللبناني، شهدت العلاقة بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي توترات محدودة، إذ عمل الأخير على تنظيم عمليات إغاثة للنازحين من الجنوب إلى مناطق الجبل، ضمن إطار دعم الحكومة ومؤسسات الدولة، ما أسهم في تهدئة الأوضاع بين المجتمعات المحلية المختلفة، رغم استمرار الخلافات السياسية حول سلاح الحزب ودوره في الدولة.


الانقسام حول المقاومة
تظل قضية المقاومة الفلسطينية محور دعم مستمر من حزب الله، لكن هذه المساندة أصبحت ضمن إطار الالتزام بالسياسات اللبنانية والاتفاقات الحكومية، مع فصل واضح بين الدعم السياسي والدعم العسكري المباشر، بما يعكس التوازن الحذر بين المشاركة في القضية الفلسطينية وحفظ الاستقرار الداخلي.

إجمالًا، يظهر لبنان اليوم وكأنه يعيش على خطوط تماس متعددة: من الجنوب حيث التوتر مع إسرائيل مستمر، إلى الداخل حيث الانقسام السياسي يعيق حسم ملفات السيادة، وصولًا إلى تأثيرات الحرب على المجتمع المدني والاقتصاد والبنية التحتية، بعد دمار واسع طال عشرات القرى والمنازل.


الساحة اللبنانية بعد عامين
عامان بعد "طوفان الأقصى" أظهرت أن لبنان لا يزال في قلب صراعات إقليمية معقدة، وأن أي محاولة لتعزيز الدولة أو ضبط السلاح تتقاطع مع مصالح قوى إقليمية، ما يجعل مسألة الاستقرار الداخلي مرتبطة بشكل مباشر بالمشهد الإقليمي.

وفي الوقت نفسه، أظهرت الأحداث قدرة بعض القوى اللبنانية على تجاوز الانقسامات الجزئية عبر تنظيم دعم للنازحين والمجتمع المدني، ما يشير إلى وجود مساحة للتعاون الداخلي في مواجهة التحديات الكبرى، شرط وجود إرادة سياسية واضحة.

خلاصة القول، أن الحرب لم تكن مجرد حدث عابر، بل محطة فارقة أعادت اختبار الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وكشفت عن هشاشة الموازنات الداخلية، وطرحت أسئلة جوهرية حول دور الدولة وحدود سيادتها، علاوة على إعادة النظر في مفهوم الردع والمقاومة ضمن إطار السياسات الوطنية والإقليمية.

لبنان، بعد عامين على طوفان الأقصى، ما زال يعيش بين نار الجنوب وانقسام الداخل، مع تحديات متصاعدة على صعيد الأمن والسياسة والاجتماع، وسط تساؤلات مستمرة حول مستقبل الدولة ودور المقاومة في تحديد مصيرها.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 8