شهدت أحياء الأشرفية والشيخ مقصود شمال مدينة حلب، يوم الاثنين 6 من تشرين الأول، توتراً ميدانياً بين الجيش السوري و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في سياق ضغوط تحاول الحكومة من خلالها فرض سيطرتها الأمنية الكاملة على مناطق ظلت خارج نفوذها المباشر.
وأكدت مصادر عسكرية محلية أن الاشتباكات تركزت عند معبر "العوارض" المعروف باسم الجزيرة، نقطة الفصل بين مناطق سيطرة الحكومة ومناطق نفوذ "قسد". وأشارت المصادر إلى أن المواجهات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، بينهم مدنيون، لكنها لم تغير خطوط السيطرة الميدانية.
ضغوط سياسية ميدانية
يُنظر إلى الاشتباكات الأخيرة على أنها تعكس رغبة دمشق في فرض سيطرتها على الأحياء الشمالية للمدينة دون تصعيد شامل، وذلك كجزء من استراتيجية الضغط على "قسد" للحصول على تنازلات.
وعقب الاشتباكات، انعقد يوم الثلاثاء 7 من تشرين الأول اجتماع في دمشق بين الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، بحضور المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم براك وقائد القيادة الأمريكية الوسطى براد كوبر، لمناقشة التفاهمات الأمنية والسياسية بين الطرفين. وأوضح خبراء أن الاجتماع يعكس إدراك الطرفين للحاجة إلى ضبط الوضع وتحديد مصير الوجود العسكري في الأحياء الشمالية.
التوازن بين القوة والاتفاقات
تحاول "قسد" الحفاظ على وجودها العسكري والسياسي داخل حلب، معتبرة أي انسحاب كامل من المدينة يقلل من نفوذها في شمال سوريا، بينما تواصل الحكومة السورية ممارسة ضغوط مكثفة لإعادة هيكلة الأحياء الشمالية وفق بنود اتفاقات سابقة.
وبحسب خبراء سياسيين، تعكس الاشتباكات الأخيرة ما يمكن وصفه بـ"تصعيد مضبوط"، حيث تستخدم دمشق الحوادث الميدانية كورقة ضغط لتأمين تنازلات من "قسد" في مفاوضات السلام، خصوصاً فيما يتعلق بالوجود العسكري وإدارة المعابر والنقاط الأمنية داخل المدينة.
اتفاقات جزئية واستمرار المؤسسات المدنية
ويأتي هذا التصعيد رغم اتفاق 10 آذار الماضي بين الحكومة السورية و"قسد"، الذي نص على دمج مؤسسات الإدارة الذاتية المدنية والعسكرية ضمن مؤسسات الدولة، وضبط الحركة الأمنية داخل المدن، وإعادة السيطرة على المعابر والنقاط الحيوية مع ضمان حقوق المكونات الكردية كمكوّن أصيل في الدولة السورية.
كما شمل الاتفاق انسحاب القوات العسكرية من الأحياء مع إبقاء دور قوى الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية لضمان الاستقرار، واستمرار عمل مؤسسات الإدارة المدنية دون تغيير.
الأبعاد المستقبلية
وأشار مسؤولون محليون إلى أن أي خطوات لاحقة في حلب مرتبطة بنتائج الاجتماعات السياسية والعسكرية العليا، وأن أي تحرك ميداني يجب أن يتوافق مع هذه التفاهمات لتجنب انزلاق أمني قد يكون له كلفة مرتفعة على الجميع، خصوصاً أن حلب تمثل ميزان استقرار الشمال السوري بأكمله.
وتعكس الأحداث الأخيرة هشاشة التفاهمات السابقة بين دمشق و"قسد"، وتؤكد أن أي استقرار طويل الأمد في المدينة يتطلب ضمانات سياسية وميدانية متزامنة. ويبدو أن الأطراف المعنية تدرك أن أي تصعيد أمني واسع في الأحياء الشمالية لن يخدم مصالح أي طرف، ما يجعل المرحلة القادمة حاسمة في تحديد شكل السيطرة الأمنية والوجود العسكري في حلب.
وفي وقت لاحق، أعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة أن الاتفاق مع مظلوم عبدي يشمل "وقف شامل لإطلاق النار في كافة المحاور ونقاط الانتشار العسكرية شمال وشمال شرقي سوريا، على أن يبدأ تنفيذه فوراً"، ما يعكس رغبة الأطراف جميعها في تجنب أي انزلاق أمني واسع بعد التصعيد الأخير.