أعادت الضربة الجوية الأميركية الأخيرة شمالي سوريا اسم محمد عبد الوهاب الأحمد إلى الواجهة، بعد الإعلان عن مقتله في عملية دقيقة نفذتها القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) في ريف إدلب.
الأحمد، الذي وُصف بأنه أحد أبرز مخططي الهجمات في جماعة "أنصار الإسلام" المتشددة، كان يشغل موقعاً قيادياً مؤثراً داخل التنظيم، الذي يُعد من أبرز الكيانات ذات الارتباط الفكري والتنظيمي بـ"القاعدة" في سوريا.
صعود في صفوف "أنصار الإسلام"
وُلد محمد عبد الوهاب الأحمد في شمالي سوريا، ونشط في العمل المسلح منذ بدايات الصراع السوري عام 2011. التحق بعدة مجموعات محلية قبل أن ينضم إلى "أنصار الإسلام" عام 2015، ليبدأ صعوده في صفوف التنظيم نتيجة علاقاته الواسعة وخبرته الميدانية.
وخلال السنوات الماضية، تولّى الأحمد مسؤوليات ميدانية وإدارية داخل الجماعة، أبرزها الإشراف على تنسيق العمليات في ريفي إدلب وحماة، والمشاركة في التخطيط لعمليات ضد مواقع تابعة لقوات محلية وأهداف تابعة للتحالف الدولي.
مصادر متابعة للحركات الجهادية تصفه بأنه كان حلقة وصل مهمة بين "أنصار الإسلام" وبعض المجموعات المتشددة الأخرى في شمال سوريا، بما فيها فصائل كانت ضمن غرفة عمليات "وحرّض المؤمنين" التي تشكلت عام 2018 وتبنت نهجاً قريباً من "القاعدة".
جماعة "أنصار الإسلام": الجذور والتطور
تعود جذور الجماعة إلى العراق، حيث تأسست عام 2001 تحت اسم "أنصار السنة" في منطقة كردستان، قبل أن تتوسع لاحقاً نحو الداخل السوري مع تصاعد النزاع.
في سوريا، تمركزت الجماعة في أرياف إدلب وحماة، واحتفظت بهيكل تنظيمي صغير نسبياً مقارنة بفصائل أخرى، لكنها تميزت بانضباطها الأيديولوجي وانغلاقها التنظيمي.
ورغم عدم خوضها مواجهات مفتوحة خلال السنوات الأخيرة، فإنها حافظت على وجود نشط في بعض المناطق الجبلية، مع استمرار نشاطها في التجنيد والتدريب. وتُدرج الولايات المتحدة "أنصار الإسلام" على قوائم الإرهاب، متهمة إياها بالتخطيط لهجمات ضد قواتها وشركائها المحليين في شمال سوريا.
الأحمد في مرمى الاستخبارات الأميركية
بحسب معطيات أولية، فإن الأحمد كان متابعاً من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية منذ فترة طويلة، باعتباره أحد العناصر الذين ساهموا في إعادة تنشيط خلايا "أنصار الإسلام" بعد تراجعها خلال الأعوام الأخيرة.
ويرجّح أن الضربة التي استهدفته في 2 تشرين الأول الجاري جاءت بعد عملية رصد دقيقة لتحركاته في إحدى المناطق الريفية شمال إدلب، حيث كان يُعتقد أنه يشرف على لقاء تنظيمي مصغر.
ووفق المعلومات الميدانية، أسفرت الضربة عن مقتله على الفور، دون تسجيل خسائر مدنية أو أضرار جانبية كبيرة.
دلالات الاستهداف
يرى متابعون أن مقتل الأحمد يمثّل ضربة موجعة للتنظيم، نظراً لدوره المركزي في التواصل بين خلايا الجماعة في سوريا والعراق، إضافة إلى مسؤوليته عن التخطيط لبعض العمليات التي كانت تستهدف مواقع التحالف في الشمال.
كما يعكس الاستهداف استمرار السياسة الأميركية القائمة على ملاحقة القيادات المتشددة عبر عمليات نوعية دقيقة، بدلاً من حملات عسكرية واسعة، بهدف تقليص خطر التنظيمات الجهادية ومنعها من إعادة بناء قدراتها.
نشاط أميركي متواصل شمالي سوريا
الضربة التي أودت بحياة الأحمد ليست الأولى من نوعها في إدلب، إذ سبقتها خلال الأشهر الماضية عمليات مماثلة استهدفت شخصيات من تنظيم "حراس الدين" و"القاعدة" و"أنصار التوحيد".
ويُنظر إلى إدلب على أنها آخر معقل للفصائل الجهادية في سوريا، حيث تتقاطع مصالح عدة جماعات متشددة ضمن بيئة معقدة تفتقر إلى السيطرة المركزية الكاملة.
ويرى محللون أن استمرار هذه العمليات يؤكد التزام واشنطن بملاحقة أي تهديد محتمل لقواتها المنتشرة في شمال وشرق سوريا، خصوصاً مع تنامي المخاوف من عودة بعض التنظيمات إلى النشاط مستغلة حالة الفوضى السياسية والأمنية في البلاد.
إرث ثقيل
بمقتل محمد عبد الوهاب الأحمد، تفقد جماعة "أنصار الإسلام" أحد أبرز عناصرها التنظيميين خلال السنوات الأخيرة، في وقت تواجه فيه الجماعة تحديات متزايدة تتعلق بضعف التمويل وتشتت المقاتلين وتراجع نفوذها الميداني.
ورغم ذلك، يبقى المشهد في شمال سوريا مفتوحاً على احتمالات عدة، مع استمرار الفراغ الأمني وغياب حلول سياسية مستدامة قد تحدّ من عودة التنظيمات المتشددة إلى الواجهة.